آخر الأخبار

محافظة المهرة.. ركن اليمن الشرقي المقاوم لأطماع السعودية

يرفض المهريون انتهاك سيادة اليمن ومحاولات جر المحافظة إلى مربع الفوضى

يرفض المهريون انتهاك سيادة اليمن ومحاولات جر المحافظة إلى مربع الفوضى

المهرية نت - قراءة خاصة
الأحد, 22 مارس, 2020 - 08:44 مساءً

يتشبث أبناء محافظة "المهرة" الواقعة شرقي اليمن على الحدود مع سلطنة عمان بالنضال السلمي المطالب برحيل القوات السعودية من مناطقهم الآمنة البعيدة عن الحرب.

 

رياح الأطماع التي اشتم رائحتها المهريون من أول دخول للقوات السعودية في نوفمبر 2017 وضعتهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الحرب أو انتفاضة شعبية سلمية.

 

يردد شيوخ كبار وقيادات عسكرية رفيعة في تصريحات سابقة أن خيار الحرب تكلفته باهظة؛ أما المناهضة للمحتل بالطرق السلمية والمشروعة ستحبط المستعمر وتعري مخططاته أمام العالم.

 

ويرى باحثون وخبراء في التاريخ أن التماسك الاجتماعي والهوية التاريخية المنفردة بها المحافظة دفعت أبناءها للتمسك بها وعدم الانجرار وراء الفوضى القادمة من الرياض.

 

وتتواجد بالمهرة العديد من القبائل العريقة الممتدة جذورها في التاريخ، ويصل عددها إلى 37 قبيلة، متوزعة على مختلف جغرافيا المحافظة، وتختلف في قوتها وحضورها وفقا لعدد الأفراد، والدور الذي تضطلع به، والمساحة التي تقيم فيها.

 

دخول القوات السعودية

 

وصل إلى المهرة مجموعة من الضباط السعوديين، بصحبة جنود من المحافظة جرى تأهيلهم في مدينة الطائف العسكرية بغرض رفع القدرات الأمنية للعناصر المحلية من أبناء المهرة في قطاع الشرطة، ووصلت تلك القوة إلى مطار الغيضة وحولته إلى قاعدة عسكرية ومقرا لقواتها، ووعدت السعودية بتأهيل المطار لتتمكن من جلب المساعدات الإنسانية لهم بسهولة؛ لكن وبعد مرور أكثر من عامين لا يزال المطار مغلقا ومتوقفا عن العمل.

 

وتمكنت السعودية من فرض هيمنتها الكاملة في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، عقب الإطاحة بالمحافظ الأسبق محمد عبد الله كدة، وتعيين المحافظ السابق راجح باكريت، الذي فتح أبواب المهرة أمام القوات السعودية ومطامع الرياض القديمة، في بناء خط أنابيب سيسمح لها بنقل نفطها مباشرة إلى بحر العرب، متجاوزة بذلك مضيق هرمز وباب المندب، حيث الصراع المحتدم مع إيران.

 

تلاشي الحلم القديم

 

وتسعى السعودية إلى إنشاء ميناء نفطي في المهرة على ساحل البحر العربي، للتنفس جنوباً عبر المحيط الهندي من دون قلق من تهديدات إيران حول مضيق هرمز.

 

وبعد خمس سنوات من تحويل محافظة خرخير التابعة لمنطقة نجران جنوب السعودية إلى مخزن للنفط الخام وإجلاء جميع سكانها، تريد المملكة مد أنبوب نفطي وإنشاء ميناء في المهرة بتكاليف أقل، وفي وقت قياسي مقارنة بميناء المكلا الذي كان ضمن استراتيجية السعودية القديمة.

 

وبدأت السعودية الترتيب لشرعنا  وجودها في المحيط الهندي وبحر العرب عبر سواحل المهرة، وأصدر مجلس وزراء المملكة قراراً في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019  بالانضمام إلى رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي بصفة شريك.

 

 وتضم رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي، والمعروفة اختصارًا بـ “إيورا”، 21 دولة بينها اليمن وسلطنة عمان والصومال والإمارات وإيران وتتخذ من دولة "موريشيوس" مقرًا لها منذ تأسيسها كمنظمة حكومية دولية عام 1997، بالإضافة إلى 7 دول بصفة شريك بينها مصر وأمريكا وفرنسا وألمانيا والصين واليابان وبريطانيا. 

 

ولتحقيق حلمها القديم الجديد حاولت القوات السعودية سيطرتها على المنافذ البرية التي تربط اليمن بسلطنة عمان المجاورة، الأول منفذ صرفيت ويقع في مديرية حوف، والثاني منفذ شحن، ويقع في مديرية شحن، وكلاهما يعتبران بمثابة الشريان الأساسي لدخول البضائع واحتياجات السكان في اليمن من الغذاء والدواء والمواد الأخرى، خاصة بعد إغلاق التحالف العربي لبقية المنافذ البرية والموانئ البحرية الأخرى.

 

 وفرضت الرياض سيطرتها على ميناء نشطون البحري الوحيد في محافظة المهرة، وبنت قربه قاعدة عسكرية ثانية، فيما أنشأت أكثر من 30 معسكرا ومركزا أمنيا لقواتها في مختلف مديريات المحافظة، واستحدثت سجونا خاصة بها لاحتجاز واعتقال المناوئين لها من أبناء المهرة، وجندت مليشيا محلية لا تتبع الجيش اليمني أو قوات الأمن المحلية، وأوكلت لها مهمة التواجد في تلك المعسكرات والنقاط، بينما تتولى هي الإشراف العسكري الكامل عليها.

 

وفي سبتمبر/ أيلول الفائت دفعت السعودية بنحو 1500 جندي بعتادهم وسلاحهم الخفيف والمتوسط والثقيل بينها دبابات ومدرعات"، بالتزامن مع استمرار الاحتجاجات الشعبية واعتصام المهرة للعام الثاني للمطالبة برحيلها من المحافظة، ليرتفع عدد القوات السعودية والميليشيات الموالية لها في المحافظة، في ظل تزايد القوات السعودية بالمحافظات الجنوبية التي انسحبت منها الإمارات، بحسب تفاهمات جدة والرياض التي أعقبت انقلاب المجلس الانتقالي وسيطرته على عدن.

 

قيود واستفزازات

 

وخلال أكثر من عامين فرضت القوات السعودية على المحافظة الآمنة والمستقرة قيودا مشددة ضاعفت من معاناتهم، وفرضت في المنافذ الثلاثة قوائم بمواد منعت دخولها لليمن ومحافظة المهرة بشكل خاص، إضافة إلى فرض مجموعة من الإجراءات التي ساهمت في التضييق على عملية الاستيراد للبضائع، وعطلت حركة التجارة، وعززت من القيود المفروضة على النقل البري، ما أدى لتراجع التجارة في تلك المنافذ، وزيادة معاناة السكان والتجار على حد سواء، كما ضيقت على الصيادين ومنعتهم من الإبحار.

 

وفي محاولة لتركيع وضرب الحراك الشعبي غذت الرياض الانقسامات في نسيج المجتمع المهري المتوحد سابقا، بالإضافة إلى خلق أجواء لاستقطاب أبنائها لتبني أفكارا مذهبية سلفية متطرفة والتخلي عن معتقداتهم المتسامحة من خلال العناصر المتطرفة التي أدخلتها إلى المهرة بمساعدة المحافظ السابق المقال "راجح باكريت"، وحرضت على قتل أبناءها كتلك الحادثة التي جرت في منطقة الأنفاق لإثارة الحروب والاقتتال الداخلي بين قبائلها، في محاولة لإضعاف المكونات الرافضة لهيمنة السعودية.

 

 لكن الرياض واجهت سد منيعا ومقاومة سلمية شرسة، ووجدت أمامها قبائل وأبناء المهرة الذين هبوا من كل مكان ونظموا الاحتجاجات والاعتصامات السلمية، وتصدوا لمحاولات بناء أنبوب النفط دون اتفاق مع الحكومة المغيبة في الرياض، وتحولت المهرة إلى رائدة للنضال السياسي والدفاع عن السيادة اليمنية في المحافظات الجنوبية كاملة.

 

 وفي 19 أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، أعلنت قيادات حزبية وشخصيات سياسية واجتماعية وبعض مشايخ القبائل عن تشكيل "مجلس الإنقاذ الوطني الجنوبي"، بقيادة أحمد قحطان -عضو مجلس الشورى اليمني ومدير أمن المهرة سابقا تحت مرجعية الشيخ علي سالم الحريزي أحد أبرز القيادات المناهضة للاحتلال السعودي.

 

وتمكن أبناء المحافظة من إيصال أصواتهم ومطالبهم للمجتمع الدولي عبر دائرة التواصل الخارجي لاعتصام المهرة، كما حظيت الاحتجاجات بتأييد وزراء في الحكومة اليمنية أعلنوا تأييدهم لمطالب "اعتصام المهرة"، ورفض أي انتهاك لسيادة الدولة اليمنية من قبل القوات السعودية.

 

تفجير الحرب

 

ومنذُ أوائل العام 2020 أرسلت السعودية المزيد من قواتها صوب محافظة المهرة، وكل همها إحكام سيطرتها على منفذ "شحن" الحدودي مع سلطنة عمان آخر المنافذ الواقعة تحت سلطة الحكومة الشرعية.

 

 وفي 17 من شهر فبراير/ شباط الماضي أرسلت الرياض قوات معززة بعربات عسكرية تحركت من مطار الغيضة باتجاه مديرية شحن، إلا أن القبائل اعترضتها في وادي "تنْهَالِن" أحد مخارج مركز المهرة، ودارت اشتباكات بين الطرفين.

 

وفي مفرق فوجيت الفاصل بين مديريتي "حات" و"شحن" حاولت قوات أخرى اقتحام المنفذ بقوة السلاح، لكن القبائل اعترضتها، الأمر الذي دفع القوات السعودية لإطلاق نار كثيف أدى إلى إصابة أحد المواطنين.

 

وعقب الهجمة السعودية على القبائل التي حاولت الدفاع عن نفسها قصفت مروحيات أباتشي سعودية في محيط المفرق سعيا لفتح الطريق أمام مدرعات القوات السعودية للعبور إلى منفذ شحن واقتحامه، إلا أن القبائل تصدت لها.

 

وبعد معارك عنيفة، اقتحمت القوات السعودية منفذ "شحن" بعد انسحاب القبائل من المنفذ فجر اليوم الثاني بناء على وساطات قبلية وتوجيهات رئاسية، على أن يظل الوضع في المنفذ تحت حماية المؤسسات الأمنية والعسكرية التابعة للحكومة الشرعية.

 

وعقب الاقتحام السعودي ظهرت برقية من نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر توجه بالتعاون مع القوات السعودية والتعامل مع ما أسمته "المخربين" الأمر الذي أدانته القبائل واعتبرته بيانا صادرا من الديوان الملكي السعودي، وليس من الحكومة المنزوعة الصلاحيات.

 

أحداث منفذ "شحن" رافقها صراع سياسي خفي داخل الحكومة الشرعية والتحالف قضت بإقالة "باكريت" ذراع السعودية في المحافظة وتعيين "محمد علي ياسر" خلفا له، وهو شخصية تحظي بقبول واسع في أوساط المواطنين والقبائل.

 

ولم تكن إقالة "باكريت" سوى مطلب صغير كما أشارت البيانات الصادرة من لجنة الاعتصام وشيوخ القبائل والشخصيات الاجتماعية، والهدف الأسمى هو خروج القوات السعودية وتفكيك ميليشياتها وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس قانونية.

 

وتتحدث القيادات القبلية والشبابية على الاستمرار في النهج السلمي مهما كانت الاستفزازات والممارسات السعودية من أجل المهرة وأبناءها وتاريخها.


تعليقات
square-white المزيد في تقارير المهرية