آخر الأخبار
اليمن والضالعون بالتآمر
العقل المتابع للمشهد السياسي اليوم، يشعر بالإحباط والحزن والوجع، حيث لا تغيير مشهود، ما نشاهده هو الماضي يُعاد على صورة مهزلة وبؤس، الزعيم هو الزعيم، وبطانة السوء هي البطانة، ومداحو السلطان هم أنفسهم، والخطبة هي الخطبة، والعقلية هي العقلية.
لا تغيير يلوح في الأفق، ولا دولة ستتمخض من كل هذا، لأن الأدوات مُبرمجة للانتقام من الماضي، ومنشغلة بالبحث عن الأعداء، تشتغل على بث الفرقة، وتمزيق الأواصر، لديها قائمة من الأعداء، تحرض وتحشد للقتال، وتصفية الحسابات، موكب الزعيم والسجاد الأحمر، وخطاب الاتهام والتخوين، وحركات نصف الكُم، ما هي إلا بلطجة الماضي للاستحواذ على الحاضر، لتنتج لنا مستقبلًا مُعاقًا، ووطن المنتصر والمهزوم، منتصر يستبد ويطغى وينتهك القانون وكرامة الأمة، ويدوس على الثوابت الوطنية ليصنع له ثوابته الخاصة، ومشروعه الخاص، ومهزوم يخطط للانتصار، وثلاثون سنة تجر ثلاثين سنة من العبث، والعالم يتطور ونحن في تأخر، أصبحنا سوقًا يستوعب كل أسلحته، ومنتجات القتل والتدمير والتعطيل، يزرع الفتن ويفسد النفوس بنشر الأفكار الفاسدة، وزرع بذور الفتن، وتجهيل المجتمع ليتقبل كل ما يُملى عليه، وينفذ المخطط بغباء.
اليوم ثروتنا منهوبة، ومرتكزاتنا الاقتصادية معطلة، والفساد منتشر كالهشيم ليحرق ويدمر سُبل الحياة والمعيشة، تجويع وإفقار، وخلق طبقة مستفيدة ومنتفعة، وطبقة مطحونة تُداس من قبل المنتفعين، لنكون مجتمعًا متناحرًا، يواجه بعضه بعضًا بمبدأ المصلحة والانتفاع، على حساب الوطن ومشروع الأمة والإجماع.
مخطط جهنمي يقوم على تحييد الكفاءات والمهارات، ليسود الفشل وبلاطجة الزمان والمكان، بتغييب العقل ليسود الجهل والتخلف، حيث تسود العصبة ودولة الجماعة، حيث تضيق الخيارات لمستوى القرية والأسرة، ولا مجال في تلك الخيارات لدولة الإجماع، والديمقراطية والتنافس الحقيقي لإنتاج الحلول، والخروج من المشكلات وعنق الزجاجة.
المخاض على الواقع اليوم هو تصفية صراعات الأمس، ما زال نظام عفاش يحاول الانتقام من ثورة الربيع، وما زال الجهل يجر الجنوب للانتقام من الشمال، والشمال للانتقام من الجنوب، وهذا هو مخطط منظومة عفاش، حتى يقال سلام الله على عفاش.
عندما نقول الجهل، فنقصد هنا مجموعة الرعاع الذين يسيرون خلف كل سائر، ويتبعون من يدغدغ مشاعرهم في الخطاب والشعارات الرنانة، ويغرر بهم لينجروا خلف مشروع انتقامي حقير، يجر البلد لصراع مناطقي ومذهبي وكراهية وعنصرية، وتصنيف الناس لوطنيين وأعداء وإرهابيين، ويصفقون لقتلهم والتعزير بهم، والنتيجة سفك الدماء وجرائم ما زالت ماثلة، وما زال مبرر الانتهاكات يُطبخ في مطابخ الأعداء ويُرسل على شكل خطاب يردده الأغبياء.
لو لم يكن لدينا أغبياء ما كانت قضية عشال والمختطفين قسرًا، والاغتيالات والتصفية الجسدية مرت مرور الكرام، ووجدت من يصفق للمجرمين ويبرر للقتل والجرائم والانتهاكات.
لا يمكن أن نغير دون أن نتغير، فالتغيير ثقافة وسلوك حضاري، تغيير المنظومة هو المطلوب اليوم، فتغيير الأفراد يصطدم بمنظومة متماسكة ولوبي فساد متغول بنفوذ تلك المنظومة، يفرض قوانينه ويعطل قوانين الدولة، تعطيل المحاسبة والثواب والعقاب.
لا يستطيع أي مسؤول أن يغير في هذا الواقع الفاسد، بعد أن أفسد أعداء الوطن كل شيء، واختاروا نماذج من شباب الثورة وأفسدوهم وأغروهم بالسلطة وملذاتها، ليرسلوا رسالة للعقول السطحية أن هذه هي الثورة وهؤلاء هم شبابها، ليعود النظام منقذ البلد من ثورة اعتقدوا أنهم أفسدوها، وثوار شوهوا صورتهم.
المنقذ الذي شكل له أدواته من الجنوب والشمال، بدعم حلفائه الإقليميين، واليوم الوطن يُنهك ليستسلم لمخططهم، ويقبل بأدوات الوصاية، التي كانت في عهد النظام مخفية خجلًا، واليوم لا خجل في الإعلان عنها، ولا خجل بالتفاخر بالعمالة.
باختصار شديد لا مؤشر في الأفق يوحي بدولة عادلة وضامنة للحريات والمواطنة، في ظل التنازع القائم، تنازع تديره القوى الإقليمية، لأهداف ومخططات جهنمية، لتمزيق الوطن وإنعاش المشاريع الصغيرة والأصغر، وما هو مشهود واقعًا اليوم هو نتيجة حصاد عشر سنوات من زرع الفتن وبذور الخلاف والشقاق، ليُعاد تقسيم اليمن إلى كانتونات نراها في مطالب بعض المناطق، وفي رؤوس بعض العقليات.
هذا لا يعني الاستسلام لهذا المخطط بل المقاومة، وسينتصر الوطن بأحراره والشرفاء والمناضلين الذين يحملون مشروعًا وطنيًا وهم الأمة، ما تبقى من امتداد لرجال سبتمبر وأكتوبر، وغدًا ستنقلب الطاولة على تلك المخططات وإنه لقريب.
*المقال خاص بالمهرية نت*