آخر الأخبار
منظومة فاسدة تتصارع على كراسي الارتزاق
المدقق في واقعنا السياسي المكتنز بالخيبات، سيجد أننا حقًا أمام أزمة حقيقية، ليس في الشخصيات والكفاءات والكوادر، ولكن في الدولة نفسها ومشروعها، وفي المنظومة السياسية، وفي تهالك فكرة الدولة وقيمها وأخلاقياتها.
لدينا الكثير من الكفاءات والكوادر والرجال المحترمون، ولكننا أمام استلاب حقيقي لفكرة الدولة التي يمكن أن يخدموا من خلالها. منذ أن اشتد النزاع البيني، وتحول الاختلاف في الرأي والفكر إلى مشكلة حقيقية، والتنوع العرقي والثقافي إلى معضلة، فقدنا روح التعايش والتفاهم، بل التوافق على دولة تحترم الجميع، ونظام وقانون يحكم هذا الاختلاف. واشتغل الأعداء على تناقضاتنا واختلافاتنا، وتغذية نزاعاتنا البينية وصراعاتنا على السلطة والثروة، وجعلوا من وطننا حلبة لصراعاتهم مع الآخر، وروّجوا أننا نشكل تهديدًا لاستقرار المنطقة والعالم، ومن هنا تدخلوا ليحموا منطقتهم وعالمهم.
هذا التدخل أفقدنا السيادة والإرادة، بل فقدنا احترامنا لبعضنا، مما أفقدنا احترامنا لذاتنا. هذا الفقدان أضاع علينا كثيرًا من الفرص، وتخندق البعض خلف العنف، واحتاج لدعم الخارج، الذي كانت فرصته لعسكرة حياتنا، فتعسكر كل شيء جميل فينا: اختلافنا وتنوعنا الفكري والثقافي والسياسي والعقائدي، فعسكرنا القبيلة والمذهب والمنطقة، وغلبتنا الكراهية والعنصرية، حتى أصبحنا ضحايا لسخريات الإقليم والعالم.
لم يكن بن مبارك إلا جزءًا من منظومة أفسدها الصراع، وأفسدها الإقليم والعالم المنافق، وجزءًا من أدوات التدخل الخارجي، هذه الأدوات التي تم ترويضها على مدى عشر سنوات من الصراع البيني، والدعم الخارجي بالسلاح والمال، حيث أصبح لا قرار وطني وسيادي، فالقرار يُطبخ في مطابخ التوافق الخارجي، وكُلٌّ محسوب على طرف ومدعوم من هذا الطرف. الكل تفسخ بالارتزاق مع الخارج، ومن لم يقبل بالتفسخ فقد شهدنا بأم أعيننا إقصاءه من المشهد السياسي وتنحيته من الوظيفة الحكومية، وما تبقى هم مجرد بيادق للعبة الإقليمية التي رسمتها أيادي استخبارات دولية.
لا نحتاج أن نرثي الشخصيات، علينا أن نرثي دولتنا التي أصبحت مجرد أدوات تنفيذ أجندات خارجية، ومع الأسف هي أدوات المستعمر الجديد الذي يستعمرنا اليوم، وينهب ثرواتنا وخيراتنا، فيجوعنا ويفقرنا، ليجعل منا جماعات تنتظر منه الإعانات والإغاثات والهبات والصدقات، كمتسولين لا حول لنا ولا قوة.
يجيدون توزيع الوظائف وفق الولاء والطاعة، ولاحظ شروط قبول الوظيفة، شروط يمكن وصفها بالتسول، يتسول من التحالف دعم الموازنة، ودعم الخدمات، ودعم عسكري. ولم نجد في رجال اليوم من يشترط رحيل التحالف، ووقف الدعم العسكري للأدوات العسكرية اليوم التي شكلت وما زالت تشكل معوقات ترسيخ فكرة الدولة، والنظام والقانون، ومن يشترط التحرر من الوصاية الخارجية، وإن كان البعض يتذرع بالبند السابع، فوجب التحرر من هذا البند الذي لم يعد ينطلي على العقل السياسي الفطن، فهو عذر أقبح من ذنب، إن كان صحيحًا فللبند السابع استحقاقات تحفظ للوطن مكانته وللمواطن معيشته وكرامته.
نحن أمام منظومة فاسدة، تتصارع على كراسي الارتزاق، ولم يكن في حسابها أن البلد لديه من المقومات ما يمكن أن ينهض به إذا تحرر من الوصاية، ولديه من الثروات ما يغنيه إذا ما توافق الداخل على حسن إدارتها وتسخيرها لنهضة الوطن وتحسين حال المواطن.
فنحن بحاجة لاستعادة دولتنا، ومن ثم سنستعيد رجالها وكوادرها وكفاءاتها، إذا ما تخلصنا من الأدوات الرخيصة التي صارت عبئًا حقيقيًا أمام استعادة الدولة والسيادة والإرادة الوطنية، والتحرر والتغيير والتحول لمستقبل أفضل وواعد.
المقال خاص بالمهرية نت