آخر الأخبار
الانهيارات الصخرية.. موتٌ مرعبٌ يهاجم بعض مناطق اليمن ( تقرير خاص )
الانهيارات الصخرية
الجمعة, 15 نوفمبر, 2024 - 10:08 صباحاً
يتميز اليمن بطبيعة جيولوجية جبلية، ففي العديد من مناطقه توجد ارتفاعات شاهقة ومنحدرات مخيفة وضع عليها المواطنون بيوتَ أعمارِهم ليسكنوا إليها، تاركين الطبيعة التضاريسية الوعرة في يد عليم خبير، يقلبها كيف يشاء.
ومؤخرا حدثت العديد من الانهيارات الصخرية في مناطق مختلفة من اليمن وخلفت أضرارا مادية وبشرية كبيرة، وحالات من النزوح.
ويوم الأربعاء/ الموافق السابع من يوليو 2024، حدثت انهيارات صخرية كبيرة في قرية جبل" باصم" بمديرية دوعن محافظة حضرموت متسببة بحدوث هزات أرضية شعر بها سكان المنازل القريبة من مكان الانهيار في الجبل.
ويومها تداول ناشطون على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر لحظة انهيار جزء صخري من جبل، وسقوطه بالقرب من بيوت المنطقة دون إصابات بشرية، لكنه خلف أضرارا كبيرة في مزارع المواطنين.
ويوم الثلاثاء/ الموافق 16 من يوليو 2024 شهد الجبل نفسه انهيارات جديدة تسببت بحدوث هزات أرضية شعر بها سكان المنازل القريبة من مكان الانهيار في الجبل.
هذه الانهيارات الصخرية أثارت الخوف والهلع لدى الأهالي والسكان وتسببت بحالة من النزوح من المنازل القريبة من موقع الانهيار، كما ناشد حينها المواطنون السلطات المحلية والحكومة للتدخل لمعالجة هذه الظاهرة المقلقة.
لم يقف الأمر عند هذا ففي صباح يوم الاثنين من هذا الأسبوع شهدت قرية وادي القبي بمنطقة بني الخياط في مديرية الطويلة بمحافظة المحويت" الواقعة على بعد نحو 111 كيلومترا غرب صنعاء، انهيارًا صخريًا تسبب بمقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين، جميعهم من أسرة واحدة.
وأوضحت المصادر أن صخرةً كبيرة سقطت من علو شاهق على منزل المواطن محمد حزام البرص في محيط جبل بالقرية، ما تسبب بسقوط الضحايا وتدمير المنزل.
وتسكن الكثير من الأسر اليمنية في أعالي الجبال والمرتفعات وبمحيطها وفي بعض الأودية، ما يعرض الكثير من اليمنيين لمخاطر مع التغيرات المناخية في البلاد.
بهذا الشأن يقول الدكتور عبد الحميد مدهش ( أكاديمي في قسم الجيولوجيا - جامعة تعز ) إن" الانهيارات الصخرية في اليمن تعود إلى العديد من العوامل الطبيعية والبشرية والتي تتداخل مع بعضها البعض وأهمها عامل التضاريس؛ إذ إن اليمن يمتاز بتضاريس جبلية وعرة، والكثير من المناطق الجبلية تكون عرضةً للتآكل والانهيارات بسبب طبيعة الصخور والهضاب".
وأضاف مدهش للمهرية نت" هناك عوامل جيولوجية تتمثل بالتتابعات الصخرية التي تملك خصائص طبيعية متباينة، وكذلك عوامل مناخية إذ تساهم الأمطار الغزيرة والسيول الموسمية في تآكل الصخور وزعزعة استقرارها، مما يؤدي إلى حدوث انهيارات صخرية خاصة في مواسم الأمطار، كما أن التغيرات في درجات الحرارة بين الليل والنهار، والتآكل نتيجة الرياح، عوامل تؤدي إلى تفكك الصخور مع مرور الوقت".
وأشار إلى وجود عوامل زلزالية حيث تقع الانهيارات في منطقة نشطة زلزاليا، والزلازل والهزات الأرضية تتسبب في شقوق وتصدعات بالصخور، مما يضعف من تماسكها ويجعلها أكثر عرضة للانهيار.
ومن العوامل البشرية، وفق مدهش، عمليات الحفر والبناء في المناطق الجبلية، واقتلاع الأحجار غير المنظم سواء عند قلع أحجار البناء أو حفر الأساسيات أو شق الطرقات، والذي يؤدي إلى إضعاف الطبقات الصخرية، مما يزيد من فرص الانهيار، كما أن التصريف الخاطئ لمياه الأمطار ومياه الصرف الصحي يزيد من خلخلة وتفكيك الصخور مما يسهل انزلاقها.
ويلفت مدهش الانتباه إلى أن هذه العوامل أو بعضها تجعل بعض المناطق في اليمن عرضة بشكل كبير للانهيارات الصخرية، مما يؤثر على حياة السكان والممتلكات ويجعل من الضروري الاهتمام بوسائل الوقاية والتخطيط العمراني الآمن.
*خطورة البناء في المرتفعات
في السياق ذاته يقول المهندس المعماري، عادل منير إن" الانهيارات الصخرية تمثل قلقًا متزايدًا يتطلب اهتمامًا خاصًا من السلطات والمواطنين".
وفي معرض حديثه للمهرية نت يضيف " في الآونة الأخيرة شهدنا العديد من هذه الحوادث في مناطق متفرقة على مستوى محافظات اليمن وخصوصا في المناطق الجبلية التي تسببت في خسائر ماديه و وبشرية كبيرة".
وتابع " من أهم الأسباب التي أدت في الوقت الحالي إلى هذه الانهيارات، التضاريس الوعرة؛ فالجبال العالية والتضاريس الوعرة من السهل أن تتعرض التربة للانزلاق، بالإضافة إلى الأمطار الغزيرة التي تسهم في زيادة نسبة الرطوبة في التربة، مما يؤدي إلى ضعف التماسك الأرضي".
وأردف" من الأسباب- كذلك- التعرية؛ إذ تساهم العوامل الجوية والرياح في تعرية التربة، مما يزيد من خطر الانهيارات، بالإضافة إلى البناء غير المدروس، وهناك الكثير من المشاريع الإنشائية التي تفتقر إلى التخطيط الهندسي السليم، مما يزيد من مخاطر الانهيار".
وأشار إلى أن" البناء في المرتفعات يشكل خطرًا كبيرًا على السكان؛ فهذه الانهيارات قد تؤدي إلى فقدان الأرواح وتدمير الممتلكات، كما أن هذه الحوادث يمكن أن تؤدي إلى إغلاق الطرق وتعطيل الحياة اليومية، مما يعيق الوصول إلى الخدمات الأساسية".
ودعا السلطات المحلية إلى ضرورة اتخاذ إجراءات وقائية لضمان سلامة السكان، مثل الدراسات الجيولوجية التي تحدد المناطق المهددة بالانهيار قبل السماح بالبناء، وكذلك فرض قوانين صارمة تتعلق بالبناء، مع التركيز على المعايير الهندسية المناسبة للمناطق المعرضة للخطر.
ولفت إلى أنه" من المهم توعية المواطنين بمخاطر الانهيارات وكيفية الاستعداد لها، وإنشاء نظام إنذار مبكر لتحذير السكان من أي مخاطر محتملة".
وأرسل منير رسالته إلى الجهات المعنية" يجب أن تكون سلامة المواطنين أولوية قصوى، وذلك بضرورة اتخاذ خطوات فعالة لحماية المجتمعات المحلية من مخاطر الانهيارات وذلك في عمل دراسات شامله للمناطق الجبلية التي تحتوي على مبان فيها وتحديد مستوى الخطورة التي ممكن أن تتعرض لها هذه المباني مستقبلا بإجراء مسح شامل وجيولوجي في معاينة حالة المباني ومدى قدرتها على مقاومة كل الظروف الطبيعيه التي من شأنها قد تتسبب في هذه الكوارث".
كما يجب على المواطنين الذين يعيشون في المرتفعات أن يكونوا واعين بالمخاطر المحيطة بهم، ومن الضروري التحقق من سلامة المباني والتقيد بالإرشادات المقدمة من السلطات المحلية، وفق المهندس المعماري.
*الإهمال وقلة الوعي
من جهته، يقول رياض الأحمدي ( خريج هندسة جيولوجية) إن" الانهيارات الصخرية في اليمن ازدادت هذا العام وتسببت بأضرار مادية وبشرية كبيرة كان آخرها ما حدث في محافظة المحويت.
واعتبر أن الانهيارات تكون ناجمة عن مجموعة من العوامل ومنها تآكل التربة وتفكك الصخور تدريجيًا والأمطار الغزيرة المستمرة.
وأضاف الأحمدي للمهرية نت" شهدت اليمن هذا العام أمطارا غزيرة وسيولًا كان لها دور في تفكك الصخور في العديد من المرتفعات الجبلية، خاصة وأن أغلب مناطق اليمن تفتقر إلى أنظمة تصريف ملائمة الأمر الذي تسبب بتآكل الصخور وتعرية التربة".
وأردف" اليمن في زمن الحرب تشهد عمليات كبيرة في القطع الجائر للأشجار إثر عملية الاحتطاب وهذا الأمر يؤدي إلى موت الكثير من الأشجار الكبيرة التي كانت تعمل على تثبيت التربة لتحدث بعد ذلك انهيارات صخرية غير متوقعة".
وأشار إلى أنه" ينبغي على الجهات المعنية التنبه لمثل هذه الأمور قبل فوات الأوان وذلك ببناء حواجز صخرية لتثبيت التربة والحد من انزلاقها، وخاصة في المناطق القريبة من التجمعات السكنية، بالإضافة إلى إيقاف البناء العشوائي في المرتفعات الجبلية التي يُحتمل أن تحدث فيها الانهيارات".
ولفت الأحمدي إلى أن" من أبرز أسباب الانهيارات الصخرية التي تحدث أضرارًا بشرية هي قلة الوعي لدى المواطنين بهذا الجانب، فمن يمتلك قطعة أرض أينما كان موقعها يقوم بالبناء عليها دون النظر إلى المآلات الوخيمة التي قد تحدث له ولأسرته إذا ما حدث انهيار صخري بالقرب منه".
وأردف" ينبغي العمل على إنشاء أنظمة تصريف فعالة تمنع تجمع المياه على السفوح أثناء الأمطار وكذلك الحد من القطع الجائر للأشجار والعمل على إعادة التشجير بكل الطرق الممكنة".
وتابع" ينقصنا في اليمن قوانين تنظيم البناء خاصة في المناطق الريفية النائية التي يعتمد فيها الأهل على الملكية فقط ومن ثم يكون أغلب البناء عشوائيًا لا يمتثل لأي خطوة من خطوات السلامة".
واستطرد الأحمدي " طالما أن أغلب المواطنين الساكنين في المناطق المرتفعة لا يقدرون على مغادرة منازلهم؛ لأنهم لا يمتلكون غيرها فيجب عليهم ـ على الأقل - أن يعملوا على توخي الحذر أثناء نزول الأمطار وأن يتابعوا مناطقهم ويقومون بالإبلاغ في حالة ما رأوا تشققات جبلية أو أي شيء يثير الريبة بهذا الجانب".