آخر الأخبار

سقطرى.. جوهرة التنوع البيولوجي المهددة بالأطماع الإماراتية

شجرة دم الأخوين

شجرة دم الأخوين

المهرية نت - ترجمة خاصة
الخميس, 30 نوفمبر, 2023 - 07:53 مساءً

بالتزامن مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) في دبي من المرجح أن يتصدر أرخبيل صغير مطل على المحيط الهندي عناوين الأخبار.

 

تقول الباحثة إليونورا أرديماني في التقرير الذي نشرته شبكة The Conversation إن هذه الجزر اليمنية الأربع الواقعة في شمال غرب المحيط الهندي والتي تكوّن محافظة أرخبيل سقطرى، كانت في مرمى الأطماع الإماراتية منذ بداية حرب اليمن، وللتذكير، شاركت الإمارات في هذه الحرب بانضمامها إلى التحالف الذي تقوده السعودية، والذي يتدخل منذ عام 2015 ضد الحوثيين المدعومون من إيران. لكنّ سقطرى كانت بعيدة عن الحرب والحوثيين.

 

وتشتهر سقطرى بنباتاتها وحيواناتها الفريدة، وتعتبرها بعض الأساطير الموقع الأصلي لـ"الجنة عدن". في 2008م تم إدراج الأرخبيل على قائمة اليونسكو للتراث العالمي من أجل حماية هذه الجزر التي تعد من أغنى الجزر في التنوع البيولوجي في العالم. ويقدّر العلماء أن 37 % من أنواع النباتات البالغ عددها 825 نوعاً في الجزيرة، و90 % من أنواع الزواحف، و95 % من أنواع القواقع البرية لا توجد في أي مكان آخر في العالم.

 

ولكن في السنوات الأخيرة، يعتقد أيضا أن جوهرة التنوع البيولوجي كانت محط أنظار الإمارات لأسباب عديدة محتملة. بداية من موقعها الاستراتيجي، وسط الممرات المائية للخليج وأفريقيا وآسيا.

 

وترى أنها موقعاً مثالياً لجعل الجزيرة مركزاً للنقل البحري، والخدمات اللوجستية، والدفاع العسكري، وبالتالي تعزيز الأهداف الجيواستراتيجية للإمارات، مع مواجهة منافسيها وخصومها، لكن إمكاناتها السياحية أيضا هي التي قد تثير اهتمام أبو ظبي. هناك العديد من السيناريوهات التي من شأنها أن تعرّض تنوعها البيولوجي الكبير للخطر.

 

لكن ماذا نعرف بالضبط عن كل هذه الاحتمالات؟ دعونا نحاول تقييمها.

 

التأثيرات الإماراتية القديمة

تقول الباحثة في تقريرها: بادئ ذي بدء، سيكون من التبسيط وصف ألعاب النفوذ التي تمارسها الإمارات في سقطرى باعتبارها حالة بسيطة من "التدخل": فالسقطريون والإماراتيون لديهم علاقة طويلة الأمد، قبل وقت طويل من بدء الحرب في اليمن، وقبل اكتشاف النفط في أبو ظبي في أواخر الخمسينيات، هاجر بعض الإماراتيين، وخاصة التجار من عجمان، إلى الجزيرة. وعلى العكس من ذلك، انضم العديد من السقطريين إلى الأنظمة الملكية النفطية في الستينيات للعثور على عمل، وحالياً، يعيش حوالي 30 % من سكان سقطرى في الإمارات، خاصة في إمارة عجمان.

 

وتشير إلى أن التغلغل الاقتصادي والعسكري والثقافي لدولة الإمارات العربية المتحدة في الأرخبيل تكثّف مع خضوع الجزيرة لتحوّل اجتماعي عميق، وقد نتج هذا بشكل رئيسي عن تنفيذ مشاريع الحفاظ على البيئة التي تم تنظيمها وتمويلها من الخارج، والأصداء المحلية للربيع العربي، والتي تجسدت في اليمن من خلال الانتفاضة ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

 

تضيف: ومن أجل تحقيق أهدافهم الجيواستراتيجية، استفاد الإماراتيون من رياح التغيير هذه. وهكذا أنشأوا شبكات محسوبية، ونجحوا في تقسيم سكان الجزر بين "مؤيدين" و "معارضين" لسياساتهم.

 

التسييس التدريجي لسقطرى

ترى أنه في تاريخ سقطرى، كانت مسألة ما إذا كان سيتم حكمها من الخارج أم لا حاضرة دائما، ربما بسبب عزلتها الجغرافية، وهكذا غذّت الانتفاضة اليمنية عام 2011 النقاش حول الحكم الذاتي بين سكان الجزيرة. وعلى مرّ السنين، أدى الوجود الإماراتي المتزايد في الأرخبيل إلى زيادة المخاوف من التدخل الأجنبي في سقطرى، سواء داخل الأرخبيل أو خارجه.

 

في عامي 2011 و2012، ردّدت المظاهرات في حديبو، أكبر مدينة في سقطرى، والتي وصفتها عالمة الأنثروبولوجيا ناتالي بويز بشكل لافت، الشعارات التي تم رفعها في صنعاء وتعز، أكبر مدينتين في اليمن، والتي دعت بعد ذلك إلى سقوط نظام علي عبد الله صالح، وإجراء إصلاحات سياسية ومحاربة حقيقية للفساد.

 

وفي الوقت نفسه، زاد الوصول إلى الإنترنت في الأرخبيل منذ عام 2011، وانقسم السكان بعد ذلك إلى معسكرين: أولئك الذين طالبوا بمحافظة يمنية في سقطرى، وأولئك الذين طالبوا بالحكم الذاتي عن الحكومة المركزية.

 

يتابع التقرير: الازدواجية التي اخترقت بسرعة مجتمع الجزيرة ككل. وقد غزت المجالس المتنافسة، التي تعكس الانقسامات في السياسة اليمنية ككل، الجزيرةَ للاحتجاج على السلطات الرسمية، التي يُنظر إليها على أنها فاسدة وغير فعّالة. وفي عام 2013، أصبح أرخبيل سقطرى أخيراً محافظة بحدّ ذاتها، ولم تعد خاضعة للسلطة الإدارية لمحافظة حضرموت، وهي منطقة في جنوب اليمن.

 

وفي السنوات التي تلت ذلك، تعرّض الأرخبيل لسلسلة من الأعاصير: "تشابالا وميغ في عام 2015 ثم ميكونو في عام 2018". وتسبّب الأخير في أضرار للمباني والبنية التحتية، وكذلك للبيئة بشكل عام.

 

ومنذ الأعاصير الأولى، قدّمت دولة الإمارات المساعدة، بشكل رئيسي من خلال الهلال الأحمر الإماراتي، ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان الخيرية. وعملت على إعادة بناء المساجد وإنشاء شبكة مياه وتجهيز مدينة الشيخ زايد بالمرافق التعليمية والصحية.

 

المساعدات الإنسانية ينظر إليها بعض المراقبين على أنها "حصان طروادة" . كما أعادت الإمارات بناء ميناء حديبو، ومطار الجزيرة.

 

ويذهب التقرير إلى أنه مخطط ليس جديد فقد أنشأت الإمارات بالفعل نفوذًا ملحوظًا في مدن المخا وعدن والمكلا الساحلية، من خلال السيطرة على البنية التحتية وتطويرها.

 

ومن خلال القيام بذلك، استفاد الإماراتيون من علاقات المحسوبية التي أقيمت مع الجماعات والميليشيات الجنوبية، المرتبطة بشكل أساسي بالمجلس الانتقالي الجنوبي المؤيد للانفصال والمدعوم بشكل صريح من أبو ظبي.

 

وعلى نفس النمط، تشابكت عملية إعادة إعمار سقطرى مع المبادرات التجارية والسياحية، على سبيل المثال الرحلات الجوية الأسبوعية التي تربط أبو ظبي بحديبو، وتقول الباحثة إن العديد من الإجراءات تطمس الخطوط الفاصلة بين المساعدات والاستثمارات المالية.

 

العسكرة المتزايدة للإمارات والسعودية

وفي عام 2018، كان نشر القوات الإماراتية والمركبات المدرعة في سقطرى، دون التنسيق مع السلطات المحلية، التي لا تزال موالية للحكومة اليمنية الرسمية، بمثابة نقطة تحوّل بالنسبة للجزيرة. وبحسب مسؤولين إماراتيين، أرسلت الإمارات قوات "لدعم سكان سقطرى الباحثين عن الاستقرار والرعاية الصحية والتعليم وظروف المعيشة".

 

وأوضحت أنه أثار وصول القوات الإماراتية موجةً من الاحتجاجات من قبل السكان المحليين، وطالبوا برحيلهم من الجزيرة. وفي محاولة لتهدئة الوضع، طلبت سلطات سقطرى وساطة من المملكة العربية السعودية. وأسفرت التسوية التي تفاوضت عليها الرياض عن انسحاب معظم القوات والمعدات العسكرية الإماراتية من الجزيرة.

 

لكن بالتنسيق مع المحافظ المحلي، أرسلت السعودية أيضًا جنودًا إلى سقطرى للقيام بـ "مهمة لتدريب ودعم القوات اليمنية" وإدارة الميناء والمطار. بالإضافة إلى ذلك، دعا الاتفاق السعودي إلى "إطلاق برنامج تنمية ومساعدة شامل لسقطرى "، وكشف أن المملكة لديها أيضًا خططها التنموية الخاصة بالجزيرة. مرةً أخرى، تضرب الجزيرة الانقسامات المحلية، والتدخل الأجنبي، وتقسيم اليمن بين القوات الموالية للحكومة، المدعومة من المملكة العربية السعودية، والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، المدعوم من الإمارات العربية المتحدة.

 

ومنذ عام 2019، عزّز المجلس الانتقالي من وجوده في الجزيرة، واستقدم مقاتلين بشكل رئيسي من عدن وجنوب غرب اليمن، أو، وفقًا لمصادر أخرى، مواطنين محليين درّبتهم الإمارات  في عدن، ثم تم نشرهم في سقطرى كجزء مما يسمى قوات الحزام الأمني، وهي قوات مجموعة شبه عسكرية مدعومة من الإمارات.

 

كما تم التغلغل العسكري الإماراتي في سقطرى من خلال التدريب: ففي عام 2019، أكّدت الإمارات أنه تم قبول حوالي مائة امرأة من سقطرى في أكاديمية خولة بنت الأزور المرموقة في أبو ظبي للدراسة هناك، والتدريب العسكري، وإنشاء وحدة عسكرية نسائية على الجزيرة.

 

وفي عام 2020، سيّطر المجلس الانتقالي الجنوبي أخيراً على سقطرى، بعد أن عارض المحافظ الموالي للحكومة اليمنية إنشاء قوة محلية موالية للإمارات، مما دفع القوات السعودية إلى الانسحاب سريعاً.

 

وسمح هذا الانقلاب الفعلي الذي قام به المجلس الانتقالي الجنوبي للإماراتيين بالسيطرة بشكل غير مباشر على الجزيرة من خلال توسيع نفوذهم: ستدفع الإمارات الآن رواتب موظفي الخدمة المدنية في سقطرى، وستتعهد وحدة خفر السواحل المحلية بالولاء لجهاز مكافحة الإرهاب. ويصف تقرير لوكالة فرانس برس لعام 2021 أن أعلام المجلس الانتقالي الجنوبي تتضاءل أمام أعلام الإمارات العربية المتحدة الأكبر بكثير التي ترفرف عند نقاط التفتيش التابعة للشرطة، في حين أن الأبراج الخلوية التي تم تشييدها مؤخرًا تربط الهواتف مباشرة بشبكات الإمارات العربية المتحدة، وليس بشبكات اليمن.

 

ومنذ ذلك الحين، تضاعفت التقارير عن عسكرة سقطرى. وقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة ببناء قاعدة عسكرية في الجزيرة، بالقرب من ميناء حولاف الذي أعيد بناؤه سابقًا.

 

وكتب أحمد ناجي عام 2020، وهو أحد الباحثين النادرين في العلوم السياسية الذين زاروا سقطرى مؤخرًا: “لقد أصبحت الجزيرة حلبة ملاكمة إقليمية” .

 

 

المصدر الأصلي من: هنا

 




تعليقات
square-white المزيد في تقارير المهرية