آخر الأخبار

ثلاث سنوات من الفوضى.. كيف عمّق المجلس الرئاسي أزمة اليمن؟(تقرير خاص)

اجتماع لمجلس القيادة الرئاسي - سبأ نت

اجتماع لمجلس القيادة الرئاسي - سبأ نت

المهرية نت - تقرير خاص
الثلاثاء, 08 أبريل, 2025 - 09:01 صباحاً

تحلّ الذكرى الثالثة لتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وسط خيبة أمل واسعة لدى اليمنيين الذين كانوا قد علقوا آمالًا كبيرة على هذه الخطوة باعتبارها بداية لمرحلة انتقالية نحو استعادة الدولة وإنهاء الصراع، إلا أن الواقع، يكشف عن مشهد أكثر تعقيداً، يتسم بتآكل السلطة وتعمّق الأزمات، ويؤسس لإطالة الفوضى وتوسيع فجوة الخلافات بين القوى والمكونات السياسية, لصالح أطراف اقليمية.

 

 في السابع من أبريل 2022، أعلنت رئاسة الجمهورية اليمنية، من العاصمة السعودية الرياض، قراراً بنقل السلطة من الرئيس عبدربه منصور هادي إلى مجلس قيادة رئاسي يتكوّن من ثمانية أعضاء، في خطوة وُصفت حينها بأنها بداية لمرحلة جديدة نحو استعادة الدولة وتحقيق السلام والاستقرار، غير أن تطورات السنوات الثلاث الماضية أظهرت أن المجلس لم ينجح في تحقيق الحد الأدنى من تطلعات اليمنيين.

 

فبدلاً من أن يكون المجلس أداة لتوحيد الصف الوطني، ظهر كتركيبة سياسية متنافرة، تعكس الانقسام الحاد بين مكوناته، وتفتقر إلى الانسجام والقدرة على اتخاذ قرارات حاسمة، ومع استمرار تدخل الأطراف الإقليمية في توجيه سياسات المجلس، برزت ملامح عجز مؤسسي واضح، خصوصًا في الملفات الاقتصادية والخدمية، التي تعثرت بشكل كبير، ما زاد من معاناة المواطنين.

 

اليوم، وبعد ثلاث سنوات على إعلان نقل السلطة، تبرز تساؤلات ملحة في الشارع اليمني حول ما تحقق فعليًا من وعود المجلس، واستمرار غياب الرؤية الواضحة لإدارة المرحلة الانتقالية، ويرى محللون أن أداء المجلس، بدلًا من أن يعزز مؤسسات الدولة، عمّق الانقسام وأعاد إنتاج الصراع السياسي بأشكال جديدة.

 

سلطة منقسمة ومشروع دولة معطّل

ثلاث سنوات مرّت على إعلان تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، عقب تنحية الرئيس عبد ربه منصور هادي في السابع من أبريل 2022، في خطوة قالت الرياض حينها إنها تهدف إلى توحيد الصفوف وإنهاء الصراع, لكن ما حدث لاحقًا، بحسب مراقبين، لم يكن إلا مقدمة لتعقيد أكبر في المشهد اليمني، حيث تكرّست الانقسامات، وتعمّق نفوذ الأطراف الإقليمية، وتراجع دور الدولة في حماية مصالحها الوطنية.

 

فمنذ تشكيل المجلس الذي يتكوّن من ثمانية أعضاء يمثلون أطيافًا سياسية وعسكرية متباينة، لم ينجح في تحقيق أي اختراق يُذكر في الملفات الجوهرية؛ بل على العكس، يواجه اتهامات بإعادة إنتاج أزمات السلطة وتكريس واقع جديد تُدار فيه القرارات السيادية من خارج البلاد، وتحديدًا من أبوظبي والرياض، وهو ما انعكس سلبًا على استمرار الأزمة اليمنية.

 

وفي هذا السياق، يؤكد الصحفي والكاتب اليمني مصعب عفيف أن قرار تشكيل المجلس لم يكن بداية للحل، بل أسهم في تفكيك ما تبقى من الشرعية، وتحويلها إلى كيانات متنازعة على الأرض. ويضيف في حديثه لـ"المهرية نت" أن "المجلس لم يعالج أي أزمة خلال ثلاث سنوات، ولم يتمكن من وقف الانهيار الاقتصادي أو تعزيز الاستقرار السياسي والعسكري"، مشيرًا إلى أن أداء المجلس اتسم بالعجز في مختلف المستويات.

 

عفيف يرى أن الهدف من إنشاء المجلس لم يكن التوافق، بل خلق مشهدا معقدا، من خلال ضم شخصيات تمثل توجهات متضادة، بعضها يخوض صراعات ميدانية مع الآخر، ومنذ تأسيسه، بات كل طرف يعمل بشكل منفصل، في ظل غياب التنسيق أو الرؤية الوطنية الجامعة، مما أضعف المجلس كمؤسسة وأفقده القدرة على تمثيل الدولة.

 

ويشير إلى أن ما يحدث في عدن مؤخرًا يكشف عمق التصدعات داخل المجلس الرئاسي، حيث تعكس الأحداث توسع الفجوة بين مكوناته، وتحويل اليمن إلى ساحة مفتوحة للصراع الجيوسياسي بين أطراف إقليمية ودولية، بعيدًا عن مشروع بناء الدولة.

ويضيف: "في ذكرى تأسيس المجلس الرئاسي، لا يمكن الحديث عن أي إنجاز يُذكر, فالمجلس ظل عاجزًا عن توحيد التشكيلات العسكرية والأمنية تحت مظلة وزارتي الدفاع والداخلية، بل بقيت تلك التشكيلات تفرض سيطرتها خارج مؤسسات الدولة، لا سيما في العاصمة المؤقتة عدن".

 

أما على الصعيد الاقتصادي والسياسي، فيؤكد عفيف أن المجلس فشل في مواجهة الأزمات الاقتصادية، وذهب إلى تقديم تنازلات أثرت سلبًا على الاقتصاد الوطني، فضلًا عن إخفاقه في تحقيق أي تقدم في مسار العملية السياسية، ما أدى إلى تعميق الانقسام الجغرافي والمؤسسي، ودفع البلاد نحو مزيد من التبعية والتنازع الإقليمي والدولي.

 

اليمن رهينة الانقسام 

 

 

 

في الذكرى الثالثة لتشكيل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، تزداد حدة الانتقادات الموجهة لأداء المجلس، وسط اتهامات بتعطيل مؤسسة الرئاسة وتحويلها إلى كيان مفكك يتنازع أعضاؤه الصلاحيات، في ظل غياب واضح لوحدة القرار السياسي، وتداخل الأجندات الإقليمية التي أضعفت قدرة الدولة على إدارة شؤونها.

 

فمنذ لحظة الإعلان عن تشكيل المجلس في أبريل 2022، بدا أنه انعكاس لخلافات التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات أكثر من كونه خطوة لاستعادة الدولة، وتشير معطيات الواقع السياسي إلى أن المجلس تحوّل إلى ساحة صراع بين المصالح المتضاربة للدولتين، ما انعكس سلبًا على الانسجام بين أعضائه وعلى مجمل الوضع داخل اليمن، وفاقم من حالة الانقسام السياسي والمؤسسي.

 

وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي توفيق المنتصر أن تشكيل المجلس جاء لتعطيل دور القيادة اليمنية، وليس لتقويتها، حيث فُرضت عليه شخصيات تمثل مشاريع متناقضة تتبع كل منها مرجعية خارجية. ويضيف المنتصر في حديث خاص لـ"المهرية نت" أن بعض أعضاء المجلس يتجاوزون صلاحيات رئيس الجمهورية، عبر إصدار قرارات أحادية، مثل تعيين قادة ألوية عسكرية، كما يفعل عيدروس الزبيدي، الذي يُعد -حسب وصفه- "فتى الإمارات المدلل".

 

ويشير المنتصر إلى أن الساحة اليمنية اليوم تشهد تحلّلًا تدريجيًا لمفهوم الدولة، خاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرة أطراف داخل المجلس. ففي الساحل الغربي، على سبيل المثال، حيث تسيطر قوات العميد طارق صالح، يتم تدشين مشاريع بتمويل إماراتي، تُرفع خلالها أعلام الإمارات إلى جانب أعلام اليمن وصور القادة الإماراتيين وصور طارق صالح، في مشهد يغيب عنه رئيس المجلس رشاد العليمي، بما يمثله من رمزية للدولة اليمنية.

 

ولا يختلف الحال كثيرًا في العاصمة المؤقتة عدن، حيث يتصرف عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وكأنه سلطة قائمة بذاتها، متجاوزًا سلطة المجلس الرئاسي والحكومة، في تحركات يرى فيها المنتصر تكريسًا لمشروع الانفصال، وتعميقًا لحالة الفوضى المؤسسية.

 

ويطرح المنتصر تساؤلًا جوهريًا حول دوافع الرياض وأبوظبي من إبقاء المشهد بهذا الشكل: "ما الذي تريده السعودية والإمارات من تعطيل الموارد السيادية، وتجاهل جهود توحيد القوى العسكرية؟"، مشيرًا إلى أن غياب الضغط الفعلي لإعادة ترتيب مؤسسات الدولة، يفتح الباب أمام استمرار المشروع الانفصالي، ويكرّس واقع الانقسام والتبعية، ويمنع الدولة اليمنية من النهوض بمهامها السياسية والاقتصادية والعسكرية والدستورية.

 

بين غياب التوافق وتآكل السيادة

 

 

في ظل الواقع السياسي المتأزم، يبدو أن مستقبل اليمن بات أكثر ارتباطًا بقدرة أبنائه على استعادة القرار الوطني وبناء قيادة شرعية تعبّر عن التوافق الداخلي، لا عن إملاءات الخارج، فكلما طالت مرحلة التبعية والإقصاء، تعمقت الأزمة، وازدادت صعوبة الانتقال إلى مشروع وطني جامع يراعي مصالح اليمنيين أولًا.

 

ويرى مراقبون أن المخرج الحقيقي من الأزمة يكمُن في تأسيس سلطة تستمد شرعيتها من الداخل، وتتبنى مشروعًا وطنيًا يتّسع لجميع القوى والمكونات، بعيدًا عن المحاصصات الفوقية أو التقاسم المدعوم خارجيًا, غير أن استمرار غياب هذا التوافق الوطني، وتراجع فرص الاصطفاف خلف رؤية موحدة لبناء الدولة، ينذر بمزيد من التعقيد السياسي والميداني.

 

ومع استمرار حالة الانقسام الجيوسياسي، وتعدد مراكز النفوذ، فإن البلاد تقف أمام مفترق طرق خطير، قد يقود – وفقًا لمحللين – إلى ترسيخ واقع التشظي وتفكك السيادة، وهو ما يهدد بعض المناطق بفقدان استقلاليتها وارتباطها بمشاريع خارجية لا تخدم المصلحة الوطنية.

 

في المحصلة، يتوقف مستقبل اليمن على وعي نخبته السياسية وإرادة قواه الفاعلة في تجاوز الخلافات، والتحرر من قيود الارتهان الإقليمي، لصياغة عقد وطني جامع يعيد لليمن مكانته كوطن موحد وذو سيادة، لا ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.

 

 




تعليقات
square-white المزيد في تقارير المهرية