آخر الأخبار

لماذا يتوجب علينا الاحتفاء بالحياة ؟

الأحد, 01 نوفمبر, 2020

سنتم بعد قليل من الأشهر عقداً كاملاً من الخراب الذي انسكب في روح المجتمع؛ لأن البصيص القليل الذي أضاءته ثورة فبراير في طريق اليمنيين جاء من يحوِّله، من أشقياء النظام وفسدته، الى عتمة تامة ، باسم الثورة وبخطابها النبيل.


عشرة أعوام منذ بدأ صالح ونظامه من تنفيذ وعده  بـ"عرقنة وصوملة وأفغنة " بلادٍ أرادات ،ذات أمل، أن تتقيأ فساده وعفونته مع طبقته السياسية المترهلة ، وحلفائه  الدينيين والقبليين ، وإعلامه الزائف، ومثقفيه الرخيصين.


ظن صالح أن أوكروباته السياسية وبهلونياته الحاذقة  ،ستمكنه من مواصلة إدارة البلاد بالأزمات والحروب  والتفكيك،  حتى وهو قاعد في "قصر الثنية"  انتقاماً من جميع اليمنيين ، غير أنه دفع حياته  ، في أحد ممراته في شتاء بارد،  ثمناً لتلك الخفة على يد حليف هو من استحضره وقوَّاه من أجل التنكيل بخصومه السياسيين ، وها هو الحليف، المستنبت من ذات البنية  والمدوَّر في ذات الزاوية،  يواصل تنفيذ وعد صالح وطبقته بسلاح الدولة  ومواردها ، التي سُلِّمت له بتواطؤ من جميع رعاة الحرب ومموليها , فصار كل ما يحوط حياتنا عتمة ودم ويأس.


قتل الأمل في النفوس وتعطيل موجباته  واحدة من أساليب الادارة المستبدة؛ حتى تتمكن طبقة جديدة ،مستنفعة من هذه الحالة ، من السيطرة على السلطة لمجرد هندستها العصبوية وولائها ؛ هكذا تقول لنا الوقائع وتثبت لنا الأيام ، لهذا عمدوا الى إلهاء الجميع  بالصغائر،  والاحتفاء بالموت والخرافة ، حتي يتفرغون لبناء  سلطتهم ، التي يزعمون أنها  محروسة بالحق والقوة ، كما يحاولون غرسه  في أذهان أتباعهم , وما الاحتفاء المبالغ به  بمولد الرسول الا لتكريس هذه السلطة ، واحتكارها باسم (الجد)، مجردين غيرهم من انتسابهم المعنوي والثقافي له، بل ومنفّرين المتدينين البسطاء منه ، حين يظن، هؤلاء البسطاء، إن كل ما يمارس من استبداد وفساد ونهب هو من صميم تعاليمه الدينية. 


صالح ونظامه  اتّبع من قبلهم ذات الوسائل ، وبأدوات قريبة من أدواتهم، و هي ادخال الجميع في دوامة أزمات متكررة وإلهاء الخصوم والمنافسين ببعض المنافع الصغيرة ليتفرغ لبناء سلطته العتيدة وتخليدها في نسله ، غير أن منطق الحياة ومكر التاريخ كان له رأيه في ذلك ، مثلما سيكون له رأيه في حكام اليوم  الذين يظنون أنهم مخلدون،  وإن السلطة والانتفاع منها خُلقت لهم ، وأن غيرهم ليسوا أكثر من أجراء وعبيد ، من حسن طالعهم أنهم يحكمون بهذا الانتساب . 

الحياة في خطابهم خط مستقيم تبدأ بالجهاد وتنتهي بالشهادة ،وليس في خرائطهم  طُرق معشّبة بالأمل والحياة .. لهذا لابد أن نبتهج بالحياة وتفاصيلها الصغير لتزهر خرائطنا ، بعيداً عن لُعب الدم والخراب التي يضعونها أمامنا, وحتى نستطيع المقاومة وبالحياة ومباهجها  في أضيق المساحات وأكثرها شقاء.


سيكبُر يوماً الفرح ويتلاشى  القبح الذي أحاطونا بمظاهره الرثة ، وسينتهي اليأس الذي سمَّنوه مثل كائن اسطوري من أجل أن  يبتلع الأحلام الصغيرة للجميع ، هكذا تقول الأحداث الكبيرة في التاريخ ، وما حاولت قوله أيضاً ثورة 26سبتمبر قبل ستين عاماً ، وعادت خضراء في احتفاء اليمنيين بذكرها ، حتى من أولئك لم يعيشوا أيامها ، في رد بليغ على تجريفها من الذاكرة  ، ومحاولاتهم المبتذلة في تأسيس لغيرها في الوعي الجمعي ، تحت مسمى ثورة ،  من باب التزمين المقارب في رُزنامة أيلول.  


ليس أمام اليمنيين من حل غير استنهاض كل ما هو مبهج في تاريخهم القريب والبعيد ،  حتى يبقى على اتصال بهويته الحضارية التي يصرون على مصادرتها لصالح التاريخ الملوث للاستبداد واحتكار الحقيقة والسلطة ؛  لنحتفي بكتاب يصدره كاتب هنا لآن المعرفة، مهما اختلفنا في قيمتها ، تعري مشروعهم الاستبدادي  الذي ينهض على التجهيل ويتقوى بالخرافة؛  لنفتتح صباحاتنا بالأغاني  وليس ببؤس الصرخة  وضجيج الزوامل وتعتعة الميكرفونات  ؛  لنعزز في وعي أطفالنا  أن الحياة تبدأ من رسم الوردة في كراس المدرسة  لا من رسم البندقية ، وأن حمل القلم أهم بكثير من حُلم  البارود والشهادة المجانية .  لنتعلم من أولئك النسوة اللواتي فجرت الحرب بدواخلهن  طاقات مبدعة ، فبدأن بتحقيق أحلامهن وأحلام اسرهن الفقيرة  بواسطة أعمال ، كان ينظر إليها  من زاويا الازدراء و المحرَّم والعيب .. ففتحن مشاغل ، ومخابز ، ومطاعم ، ومحلات تجارية ، واشتغلن بتسويق المنتجات المنزلية .. من خراب المباني والمساكن المهدمة في مناطق الحروب  خرجن كمبدعات يسجلن اليوم قصص نجاح في كل محطة  .  نعم  لديهم نساؤهم الكثيرات المتشحات بالسواد  ، ويستطيعون تتفجر مكبوتاتهن  على هيئة مقاتلات شرسات  مكسوات بالضغينة والعنف ، ويجاهدن لتكريس سلطة سلالة  هن الأقدر على حمايتها  كما  يتوهمن ، لكن ما الذي يمكن أن يضفنه لمباهج الحياة ولتاريخهن الشخصي كنساء ؟ .. لا شيء !


السلطة التي تعبِّد طُرق غدها بالحرب ، وتجد في أوساط المثقفين الرخيصين من يمجدها ويبشر بخطابها الزائف  ، لا يمكن أن يكون السلام شرط لبقائها ، لهذا ستراهن على الحرب حتى أخر قطرة من دم الضحايا الذين يقادون  الى المحارق بوعود زائفة وأماني جدباء،  لكننا كمواطنين عُزَّل ومخذولين من طبقة السياسيين ورعاة الحرب ومموليها سنراهن  على المقاومة بالحياة ذاتها، والكتابة هي جزء أصيل من المقاومة ؛ أما التفتيش عن مباهج الحياة  تحت مطمورات اليأس والعتمة هي الحياة ذاتها.

المقال خاص بموقع المهرية نت 

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023