آخر الأخبار

اضطراب الشعوب

الثلاثاء, 11 مارس, 2025

هل يُدرك الشخص المُزايد على الآخرين في قضايا الوطن، خطورة تصرفاته، واحتمال خطأ موقفه، وأن يكون عبدًا لفكرة خاطئة، وتبني مشروع يُفرِّق أكثر مما يجمع، يُلبي رغبات قد لا تُمثل تطلعات الناس، وأنه مجرد فرد أو جماعة لا يمكن أن تفرض على الآخرين ما لا يرغبون؟ كلا، لكلٍ قناعاته، وينظر بمعيار قيمه ومبادئه الوطنية والإنسانية والأخلاقية.


عندما تثور الشعوب لتغيير أمر ألمَّ بها وأصابها بموجع، يحدث اضطراب في ميزان التفاهم حول أفكار العقول الأربعة وهي: (العقل الجمعي الشعبوي، والعقل الجمعي النخبوي، والعقل الجمعي السلطوي، ويتداخل في كل هذه العقول العقل الفردي)، وهي التي تحكم شعرة ميزان كفتي الرضا أو السخط والهدوء أو الغضب، فيختلط الحق المستلب والباطل الشائع، وما يحضر من كذب وتدليس أمام ما يغيب من صدق وتمحيص. فالعقل الجمعي قد يكون تأثيره على الأمم والمجتمعات سلبيًا وإيجابيًا، وأحيانًا كثيرة يصنع من مناصريه قطيعًا، يديرهم راعٍ لهدف في نفسه، هنا يُستلب العقل الفردي لصالح العقل الجمعي بظنه أن جماعته في الطريق الصحيح، وهي ظاهرة نفسية للتابع والمتبوع، كما وصفها «غوستاف لوبون» الطبيبُ والمؤرخُ الفرنسيُّ وأحدُ مؤسسي «علم النفس الاجتماعي» بأنه: ((الاستجابةُ غيرُ العقلانية لِمَا تُردِّده الجماعةُ)).


  ما يجعل استغلال العقل الفردي لصالح الجماعة (العقل الجمعي) ممكنًا، هو استغلال حاجة الناس، استغلال مصابهم الجلل، فتُطلق الأفكار التي تدير مدارك الأذهان من مفاهيم ومقاييس وقناعات تحقق الاستغلال، تتحول للتطبيق كسلوك وعادات وتقاليد وأعراف، وبالتقادم تصير موروثًا سلوكيًا انطبع به الشعور العام، ويلتزم به الإحساس الجمعي، وتبقى صعوبة مغادرته أو التجاوز عليه.

التابع الأعمى للجماعة أنكرته الشرائع السماوية، فالمطَّلِعُ على القرآن الكريم يقرأ فيه قولَه تعالى عن عبادة الأصنام والتقليد الأعمى: "قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين" (صدق الله العظيم).

ولم تكن الكثرةُ يومًا مقياسًا للصواب، والجماهيرُ دليلًا للحقّ، فنرى الشرائعَ السماويةَ تذمُّ الكثرة، فنقرأ في القرآن الكريم: "وما يتبع أكثرهم إلا ظنًا إن الظن لا يغني من الحق شيئًا، وأكثرهم للحق كارهون، ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين، وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله، إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون، ولكن أكثر الناس لا يعلمون" إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تذمُّ «سياسة القطيع»، بل على العكس تمامًا امتدح القرآنُ الكريم القلَّةَ الواعية العاقلة التي لا تنساق وراء الجماهير دون تفكير، فنقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم، وقليل من عبادي الشكور، ثلة من الأولين وقليل من الآخرين".

يبقى العقل الجمعي كما وصفه عالم الاجتماع (إميل دور كايم) "أقوى من حرية الفرد ويتنافى معها بل يتجاوزها أو ينفيها، مما يجعل سلوك الناس سلوكًا إجباريًا".

وهي العبودية للجماعة، العبودية للفكر الطائفي أو المناطقي أو الإيديولوجي، بكل ما تحمله تلك النعرات من إرث عقيم وبالٍ وسقيم، مما يُساهم في تشكل القطيع والراعي الصنم، فنرى أمامنا مشاهد مثيرة للسخرية، كموكب الزعيم، وحراسة الزعيم، والناس تعاني وتفتقد للأمن الغذائي والأمان. ولهذا لا غرابة في إنتاج مآسينا، لأن العقل الجمعي يحمل إرث تلك المآسي، ويبقى يحشد ويحرض للثأر والانتقام، والتغيير يبدأ من تغيير الذات ثم يمتد لتغيير الجماعة، ثم لتغيير المجتمع، والذات هي أساس الجماعة وأساس المجتمع، تبدأ عملية البناء من الذات، وتغيير الفكر من الذات، والتحول يحتاج للإنسان المؤهل والواعي والقادر على أن يستوعب فكرة التغيير والتحول، فالذات هي الأصل.  

  *المقال خاص بالمهرية نت 

عدن بين الدعوة والمخاض
الإثنين, 24 فبراير, 2025
عدن.. جوهرة بيد فحام
الأحد, 09 فبراير, 2025