آخر الأخبار

عدن بين الدعوة والمخاض

الإثنين, 24 فبراير, 2025

عدن.. المدينة والمدنية التي تخلق في رحمها المشروع الوطني الكبير، وأفرز مخاضها الثقافي أدوات ذلك المشروع، من نقابات كانت نواة لكيان حزبي، أدار حراكًا عماليًا ومجتمعيا، أنشأ منتديات وجمعيات تشكل في ثناياها وعيًا وطنيًا قوميًا كان داعمًا للحراك التحرري في المنطقة..


عدن وفكر لقمان وبأذيب، وفتاة الجزيرة، واحتضان النعمان والزبيري، ودعم ثورة 48م، انطلاقة لثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين، التي حملت مشروعنا الوطني الكبير، الجمهورية وديمقراطيتها التي تخلقت في وسط أنظمة أسرية وقوى رجعية لا تقبل التغيير، أنظمة تنظر للجمهورية الخطر الذي يهدد وجودها وقرّرت نحرها، وهيهات أمام صلابة فكرة الدولة (الجمهورية) ومقاومتها وما زالت تقاوم، ولكنها طعنت بالمركزية السياسية والإدارية، التي قادت لتدمير الفكرة لإفشالها، وما زالت المركزية تحاول أن تحفر في الأرض اليمنية لتعيق أي تغيير ينهض بفكرة الدولة والجمهورية ووحدة الأمة، وتنبش قبور الماضي، لتدفن الحاضر بغبار ذلك الماضي وتعيق المستقبل المنشود والتحول الموعود.


حربٌ شعواء على فكرة الدولة الوطنية والجمهورية، وأي ثورة تصحيحية تنبع من رأس الوعي اليمني التواق للتغيير والتحوّل المنشود، حربٌ لدعم الشمولية السياسية والايدلوجية التي ركّزت مهمتها في قمع الهويات الثقافية والاجتماعية التي امتازت بها اليمن، فبدلًا من الاعتراف بها وتنميتها لتكن رافدًا للعمل السياسي الجمعي، حوّلتها لمشاريع تفكيك وتدمير لفكرة الدولة الجامعة والمشروع الوطني الكبير، واستمر النبش في التربة اليمنية لبعث ما يفرق ويمزق، في محاولة لبعث مشاريع قديمة دفنها التاريخ اليمني المعاصر، والهدف استعادة الإرث القديم المتشابه مع تلك الأنظمة، والمشاريع الاستعمارية التي لم تقبلها أرضنا الطيبة، ورفضها الوعي الثوري من عدن، واليوم يتم نبش قبور تلك المشاريع (ما قبل الدولة الوطنية) وإعادة الحياة إليها ودعمها، في سياسة فرق تسد ثغرات ومخاوف الأسر الرجعية والقوى الصهيونية.


واليوم يتم بعث وتعبية الهويات المقموعة، لتعيق أي توافق جمعي للدولة الوطنية، بل للوحدة الوطنية، ضحايا منظومة القمع والمركزية السياسية والادارية، التي تحولت لمركزية اسرية وطائفية ومناطقية مقيته.


فنسمع اليوم الدعوة لصحوة الهويات الثقافية للمدن والمناطق، فالدعوة اليوم لتشكيل كيانات مناطقية ذات هويات ثقافية خاصة ، ونأخذها بخيارين، خيارها الأول أن تكون رافدًا مهمًا للدولة الوطنية الجامعة دولة المواطنة والحريات، أو خيارها الاسوأ هي تمزيق للهوية الوطنية، إذا ما حملت لها العداء في برامجها و وثائقها، وبالتالي فالدعوات التي يطلقها البعض من خارج حدود الوطن، هي دعوات مشبوهة ما لم تحمل منهجية لدعم فكرة الدولة الوطنية، وتستلهم من نضال أسلافنا وأجدادنا الأولين، ورموز عدن واليمن الذين رفعوا راية الدولة الوطنية والجمهورية والديمقراطية ووحدة الأمة، رفعوا راية السيادة والارادة الوطنية.


دعوات لم تُشِر لأي نضال تاريخي مدون و حاضر مشهود اليوم، بل البعض ينادي وهو يتنكر للمخاض القائم اليوم، وللقوى الحية التي تخوض في بيئة قمعية، ومركزية شديدة، ومعركة حميمة بين الماضي والحاضر، بين المدنية والعصبية، بين فكرة مشروع الدولة الجامعة والضامنة للمواطنة ، وأفكار مشاريع صغيرة فئوية( مذهبية ومناطقية )، بين مشروع حداثي ومشاريع متخلفة رجعية، بين مشروع الأمة والمشروع الصهيوني المتسلل بأسماء زاهية.


كنا نتوقّع من أصحاب فكرة الدعوة أن يكون لهم إشارات تشيد بدور الحاضر ونضال رجال يخوضون معارك القضية على أرض الواقع، ولا يتنكروا لدورهم، والمصيبة لو كانوا لا علم لهم بما يدور، وعلى كل منادٍ أن يسأل نفسه ماذا قدّم للقضية من موقعه في المسؤولية؟، وماذا سيقدم لها؟، أم أنه سيخاطبنا من برجه وينتظر منّا أن نهيئ له الساحة، ليدخلها كفارس متوّج.


النضال ليس مجرد خطاب، بل هو تضحية وعمل على الأرض، وحرث ونسل وبناء وتشييد وتعمير، هو وعي ثقافي وفكري، هو مخاض سياسي صعب بقدر ما يزرع يحصد، فلا يعتقد البعض أنه سيحصد جهود الآخرين، ولله في خلقه شؤون.

* هذا المقال خاص بموقع المهرية نت