آخر الأخبار
كفاح اليمنيين في البحث عن الرغيف.. مخابز مغلقة وأعباء موجعة تنهك الأسر الضعيفة
الحج سعد ينتظر 5 أقراص كدم لا تكفيه مع بقية اسرته طيلة اليوم "المهرية نت"
الأحد, 21 يونيو, 2020 - 06:19 مساءً
ينتظر الحاج عبدالله سعد ذات الثمانين عاماً، منذ ساعات الفجر الأولى دوره في طابور طويل كأحد الأسر المعدمة للحصول على خمسة أقراص من الكدم " رغيف يفتقر للمواصفات" التي عليه أن يتقاسمها مع أفراد أسرته في الثلاث الوجبات الرئيسة.
في حي فج عطان أحد أحياء مديرية السبعين في مدينة صنعاء اليمنية، يقع أحد الأفران الخيرية الخاصة بتوزيع "الكدم" على عدد محدود من النازحين والفقراء ممن تمكنوا من الحصول على كروت صرف يومي لهذه المادة التي تبقيهم أحياء، فمشاهد البؤس والعوز أصبحت منتشرة في وجوه الناس المتأثرة بانفجار مخازن ألوية الصواريخ في منطقة عطان بنيران التحالف العربي منذ 20 أبريل 2015.
يقول الحاج سعد لـ"المهرية نت" إنه يشد الرحال على بعد نصف ساعة من المشي، وأنه لا يحصل على الوجبة يومياً لأن الفرن الخيري يغلق أبوابه عندما تنفد مادة الدقيق وينقطع دعم الخيرين وهو يطعم في اليوم ستمائة شخص على الأقل ويصل إلى الألف عندما يتوفر الدعم، لكن خمسة أقراص لا تكفي الحاج سعيد مع عائلته المكونة من سبعة أشخاص طيلة اليوم ما اضطره إلى شراء أقراص خبز من فرن آخر بمبلغ يصل إلى الألف ريال بعد انخفاض كبير في أوزان الرغيف.
ويؤكد سعد أن العاملين في الفرن يرفضون إعطاءه أقراصاً إضافية لأنهم يصرفونها وفقاً للكرت الذي يحمله النازح أو المعدم وليس لهم حرية التصرف في عملية التوزيع، لذلك اضطر سعد لتسجيل زوجته كي يحصل على عشرة أقراص إضافية لتساعد في إطعام عائلته الكبيرة.
يتحدث الحاج سعد بأن رغيف الخبز أصبح من الصعب توفيره وأنه تقلص لدرجة أن أربعة أرغفة لا تشبع الشخص الواحد وأنه نذير لمجاعة حقيقية، فقد لا يتمكن النازحين والفقراء من سد جوعهم من الكدم او رغيف الخبز.
أصبح المواطن اليمني، يعيش هموماً إضافية وأعباء تؤرق الأسرة اليمنية بين تقليص وزن رغيف الخبز إلى عشرين وثلاثين جراما بعد أن كان القرار بأن الحجم الرسمي80 جراما وبين توفره وانطلاق حملات الإغلاق واسعة الانتشار.
فريق موقع "المهرية نت" قام بالنزول الميداني للكشف عن الأسباب في أزمة معيشية جديدة وصراع يتمحور حول رغيف الخبز يتعلق بوزنه وسعره وتوفيره على وقع أزمة خلقتها حملات تستهدف المخابز والأفران لضبط حجم رغيف الخبز وسعره ووزنه، في ظل ارتفاعات حادة في أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية.
انقطاع الدعم
يقول ثابت الضبيبي، أحد العاملين في المطابخ الخيرية"هؤلاء الناس يأتون من أماكن بعيدة للحصول على حصص قليلة من الكدم لا رغيف الخبز الذي لا يتمكنون من الحصول عليه، ومسجل لدينا 640 كرت توزيع على الأسر لكن العدد تقلص إلى 570 أسرة بسبب قلة الدعم من قبل الخيرين ما يضطر كثير من الأسر العودة إلى منازلها دون حصولهم على الأقراص".
أضاف الضبيبي أن" ما يقارب من مائة شخص لا يحصلون على حصصهم لنفاد الدقيق وشح الدعم من قبل المغتربين الذين كانوا يقدمون الدعم بشكل متواصل، إلا أن الفترة الأخيرة انخفض الدعم بشكل كبير وبات الفرن يفتح من ثلاثة أيام إلى أربعة بعد أن كان يصرف حصص النازحين والفقراء بشكل مستمر".
واشار الضبيبي إلى أنهم ينتظرون أي دعم للمخبز كي يقومون بتشغيل الفرن في أيام الاسبوع لاطعام الجائعين.
إغلاق 150 فرنا
أدى تدني وزن رغيف الخبز إلى إطلاق عدد من حملات إغلاق المخابز والأفران التي تبنتها وزارة الصناعة والتجارة ومكتب الصناعة والتجارة بصنعاء الخاضع لجماعة الحوثي، والتي سجلت إغلاق أكثر من 150 مخبزا آليا ويدويا في مديريات أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء، إلا أن هذه الحملات صاحبها عمليات دفع مبالغ مالية كبيرة كشرط أساسي لإعادة فتحها وإزالة الأقفال الملونة باللون الأحمر من عليها.
الجهات المعنية تبرر إغلاق الأفران والمخابز لشريحة كبيرة من القطاع الخاص بحجة التلاعب بالأوزان.
يقول عبد الوهاب يحيى الدرة وزير الصناعة في حكومة الحوثيين (غير معترف بها) إن حملات الإغلاق انطلقت نظراً لوجود شكاوى كثيرة تصل إلى غرفة العمليات (الخاصة بوزارة الصناعة) وإلى مكاتب الوزارة في المحافظات وإن الحملة سوف تستمر حتى ضبط جميع المخالفين والمتلاعبين بالأوزان، فيما اللجان ستصل إلى كل المديريات والمحافظات ولن يفلتوا من الإجراءات القانونية.
وأشار الدرة أن سعر مادة القمح عبوة 50 كيلو أمريكي 8800 للكيس وأن الحملات مستمرة. (يتراوح سعر الدقيق في الأسواق التجارية من 12700 إلى 13000 ريال).
وانعكست حملات إغلاق الافران على حياة المواطنين سلباً، حيث أفاد علي صالح، مواطن يقطن في أحد أحياء منطقة مذبح بصنعاء لـ"المهرية نت" أن: ثلاثة أيام مضت لم نجد فيها أي فرن مفتوح أبوابه، جميعهم تم إغلاقهم من قبل مكتب الصناعة والتجارة.. واجهنا صعوبة كبيرة في الحصول على رغيف الخبز بسبب الإغلاق وتوقفها عن العمل وشعرنا بأهمية هذه المادة بشكل كبير.
وأضاف: مع انعدام الغاز وغلاء أسعار الدقيق نلجأ إلى الأفران لأنها تعد الخيار المتاح لنا، فاضطرينا إلى الانتقال إلى مديريات أخرى لشراء رغيف العيش لإشباع جوع أطفالنا.
وقال صالح أن الإجراءات الأخيرة كانت غير مدروسة وارتجالية تماماً وضاعفت من معاناة المواطنين بشكل لا يتصور، أما الجهات المسؤولة غير عابئة بما قد يحدث من آثار كارثية على المواطنين من حرمان حصولهم على رغيف العيش، خصوصاً في ظل انعدام مادة غاز الطهي التي أصبحت توزع على شرائح معينة من المجتمع وفق طرق انتقائية واعتبارات عنصرية.
3000 ريال يومياً
وفي الحديث عن تداعيات الأزمة في أسعار وأوزان رغيف الخبز والتغييرات التي مر بها، تم التواصل بالجهات الرقابية، والتقينا برئيس جمعية حماية المستهلك (منظمة غير حكومية) فضل مقبل منصور، الذي قال لـ"المهرية نت": هناك انخفاض في حجم الأوزان بالنسبة لرغيف الخبز، حيث إن حجم الرغيف الواحد الذي يباع في المخابز والأفران يصل إلى أقل من ثلاثين جراما بحساب أن الكيلو الواحد يصل لعدد 35 قرص رغيف، ليرتفع سعر الكيلو الواحد إلى 875 ريال في بعض المخابز وفي مخابز أخرى يصل إلى ألف ريال.
وقال منصور: ان الأسر اليمنية المكونة من خمسة إلى سبعة إذا استهلكت كيلو رغيف في كل وجبة فإنها بحاجة يومياً إلى مبلغ ثلاثة آلاف ريال لتغطية الثلاث الوجبات الرئيسية وهذا المبلغ لا يستطيع أرباب الأسر توفيره في ظل انقطاع المرتبات على أكبر شريحة في المجتمع والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن اليمني.
منصور أكد بأن الحجم المعتمد لوزن رغيف الخبز من قبل وزارة الصناعة والتجارة يصل من 60 إلى 50 جراما، وأن ما يحصل اليوم في السوق حيث يباغ الرغيف بسعر 25 ريالا أو 20 ريالا على أنه بحجم 80 جراما بينما حجمه الفعلي 30 أو 40 جراما فقط.
وأوضح رئيس جمعية حماية المستهلك: إن سعر الرغيف مرتفع في ظل انقطاع المرتبات وارتفاع الأسعار، حيث إن سعر كيلو الرغيف لا يتم بيعه بالأوزان ريال (الدولار = 625)، في ظل ظروف الحرب وغياب الرقابة على المخابز والأفران.
وتابع قائلاً: نطالب بشكل مستمر كمنظمة مجتمع مدني لأهمية تدخل الدولة في هذه الظروف والحد من الاحتكار القائم والجشع عند غالبية التجار وتحديد الأسعار وبسط الرقابة لحماية المستهلكين من العبث الذي يمارس والذي أدى إلى تفاقم المأساة الاجتماعية، وتوسع ظاهرة الفقر والعوز لدى غالبية السكان وذلك وفقا للقانون.
البيع والخسائر
ينفي اسماعيل عبدالله، مالك مخبز الخير بصنعاء، حقيقة انخفاض أسعار الدقيق والمكونات الأساسية للأفران، قائلاً "للمهرية نت": أسعار الدقيق للكيس الواحد وصلت إلى 13ألف ريال في جميع الأسواق وكيس السكر وصل إلى سعر 19 ألف ريال وجالون الزيت إلى 14 ألف ريال، والحكومة لا تستطيع ضبط الارتفاعات السعرية الحالية .
وأضاف: تم إغلاق محلاتنا دون أي سبب حقيقي للإغلاق، حيث لا يوجد أي مراعاة للأسعار المرتفعة للمواد الأساسية ولا تستطيع الدولة توفير هذه المواد للسيطرة على الأسعار والأفران، بمعنى آخر: المطلوب منا البيع بخسارة أو يتم إغلاق محلاتنا وهذا هو المطلوب منا في هذه الحملات التي قامت بإغلاق الأفران والمخابز.
غرامات
وعن فتح عدد من الأفران والمخابز الخاصة ببيع الرغيف يتابع إسماعيل حديثه: تم فرض مبالغ مالية شرط فتح المحلات بالإضافة إلى توقيع التزام خطي بعدم نقص الأوزان عن 60 و50 جراما للرغيف الواحد، ودفعنا من 80 ألف ريال وهناك أفران دفعت من 40 ألف ريال وأفران دفعت من 50 الف ريال كي يسمح لهم بالعمل مرة أخرى، أما الأفران الآلية الكبيرة فإن غرامتها وصلت إلى 300 ألف ريال (الدولار نحو 621 ريالاً).
وأكد مالك مخبز الخير أن هذه الإجراءات تزيد من تعقيدات المشهد، حيث إن المبالغ أخذت بغير وجه حق وابتزاز مورس على مالكي الأفران ولا وجود لحل جذري للوصول إلى حل بين المواطن والأفران وأن حملات الإغلاق المسعورة من قبل وزارة الصناعة والتجارة تعد هباءً منثوراً لجمع وتحصيل أكبر المبالغ التي لا تقيد ولا تسجل حتى في الدولة وتخرج كرشاوي ومعاملات خارج القانون.
غياب الكفاءات
يؤكد مدير إدارة في وزارة الصناعة والتجارة بصنعاء، لـ"المهرية نت"أن الوضع فعلاً مقلق ولا توجد حلول في ظل غياب رؤية لإنقاذ المواطن اليمني من الارتفاعات السعرية المميتة دون تدخل الدولة في إنقاذ الأسر اليمنية المنعدمة.
وقال المسؤول الذي طلب عدم كشف هويته خوفاً من استبعاده من منصبه: إن سبب هذه الارتفاعات بالأسعار يعود إلى تولي المسؤولية للجهلة المسؤولة وتواري وغياب أصحاب الاختصاص والكفاءة في الجهات المعنية والمختصة بالرقابة والضبط..
مشيراً إلى أن على الجهات الرقابية والتنفيذية محاسبة تلك الجهات لتقاعسها للقيام بمهامها واختصاصاتها بما يخولها التشريعات والقوانين النافذة.
أزمة الوقود
يقول عبدالله الشميري، مالك أحد المخابز بصنعاء إن حملات إغلاق المخابز يجب أن تتوقف في ظل استمرار أزمة الوقود، متحدثاً لـ"المهرية نت": هناك حملات متواصلة على المخابز والأفران تستهدفنا بشكل مباشر بحجة عدم التزامنا بالمقاييس والأوزان في صنع أقراص الرغيف والروتي مع انعدام المشتقات النفطية، وأن الأزمة الأخيرة في الوقود تسببت بخسائر كبيرة تكبدتها المخابز والأفران لشراء الوقود من السوق السوداء لشراء مادة الديزل بأسعار مضاعفة.
وتتزامن حملات الإغلاق وفرض مبالغ مالية كبيرة مع أزمة مشتقات نفطية، يقول الشميري: لا نكاد نجد مادة الديزل بسبب الأزمة الأخيرة في انعدام المشتقات النفطية ما ينعكس على ارتفاع التكاليف في صنع الرغيف والخبز إذ لا نستطيع الالتزام بوزن الرغيف 60 جرام بينما هناك ارتفاعات متواصلة في أسعار جميع السلع الغذائية والاستهلاكية التي ينصع منها الرغيف والخبز منها الدقيق والزيوت التي تدخل من ضمن المواد الأولية للإنتاج.
ويرى الشميري أن الحملات على المخابز غير مدروسة لأنها لا تراعي الحد الأدنى للأوضاع الاقتصادي التي تمر بها البلاد لأنه عند اغلاق هذه الافران فإنه تتعرض لخسائر كبيرة ولا يوجد من يقوم بإنقاذ ما تبقى منها لأنها ما تزال تعمل بالحد الأدنى من قدراتها بدلاً من إنزال حملات للتضييق عليها.
حملات غير مجدية
الحملات الميدانية للرقابة على الأفران تعد حملات غير مجدية بشيء للمستهلك يؤكد أمين عام الجمعية اليمنية لحماية المستهلك صالح غيلان قائلاً: إن الحملات الميدانية للرقابة على الأفران تعد حملات غير مجدية بشيء للمستهلك، ولن تحقق أي نجاح، مضيفاً " أن الحملات الميدانية تحتاج إلى رقابة فعالة ومستمرة، إلى جانبها آلية قوية لضبط المخالفين والمتلاعبين".
وأشار إلى أن الحملات تبحث عن الهالة الإعلامية فقط وهذا ما يحدث في أمانة العاصمة وغيرها من المحافظات.
إلا أن وزارة الصناعة أكدت استمرار الحملات، حيث أكد وكيل قطاع التجارة الخارجية بسام الغرباني، أن على مدراء عموم المديريات ومدراء مكاتب وزارة الصناعة والتجارة في مديريات الأمانة بالقيام بواجباتهم ومعهم مكتب الصناعة بالأمانة للاستمرار في مهامهم الرقابية بشكل يومي وضبط المخالفين وإحالتهم للجهات المختصة وفقا للقانون.