آخر الأخبار

"كنوز" تبتلعها الرمال.. حراس معبد «أوام» التاريخي يتفقون مع الجن لحراسته وإهمال يفتح شهية لصوص الآثار(حصري)

معبد أوام التاريخي

معبد أوام التاريخي

المهرية نت - وحدة التحقيقات/خاص
الجمعة, 22 مايو, 2020 - 11:19 مساءً

يتعرض التراث الثقافي والآثار اليمنية لمحاولات لا تتوقف من قبل لصوص الآثار الذين لا يتوقفون عن نبش المواقع الأثرية ونهب المخزون الأثري وسرقة الآثار النفيسة التي أصبحت معرضة للسرقة.

 

 فعلى بعد عشرة كيلو متر جنوباً من العاصمة السبئية بمحافظة مأرب الأثرية يقع معبد «أوام» الذي يعود تاريخ بنائه إلى حوالي النصف الأول من القرن السابع قبل الميلاد، كأكبر ‏المعابد‏ ‏السبئية‏ ‏وأهمها‏.‏

 

ففي قلب صحراء مارب يتجلى معبد «أوام».. شاهق منذ آلاف السنين، ولأنه المعبد الذي يعتبر الأكبر والأقدم في الجزيرة العربية بشكله الدائري بمحيط 300 ‏متر، لكن آثاره بدأت تطمر وتغيب تحت الرمال وسط إهمال حكومي وصد لمحاولات سرقة نقوش المعبد الأثري والذي أصبح دون حماية أو حراسة أمنية من قبل هيئة الآثار أو من وزارة الثقافة.

 

وأصبح المعبد تحت حراسة ذاتية من قبل أحد المواطنين الذي لا يحظى بأي دعم من الدولة، ويلجأ إلى قبيلة عبيدة المجاورة للمعبد عند هجوم مسلحين على المعبد، ويقول إن من يتعاونوا على حراسة المعبد يسلمونه باتفاق مع الجن كي يحمونه ليلاً في ظل غياب لدور الدولة في حماية تاريخ اليمنيين. 

 

فريق "المهرية نت" زار معبد «أوام» لتقييم الصورة الحقيقية لوضع المعبد والكشف عن السرقات التي تمت فيه وعن الوضع الحقيقي الذي يعيشه.

 

80 % تحت الرمال

على امتداد حدود معبد أوام يتحصن بسور من الشبك الحديدي الذي يَسهل تجاوزهُ، حيث كان ينتظرنا الحاج أحمد علي عبدالله الذيفاني الذي يتولى حراسة المعبد (منذ عام 1997) وهو يدعونا إلى تناول كأس من الشاهي ملوحاً لنا عند مشاهدة طاقم "المهرية".

 

يقول في حديث مشوق ل"المهرية نت": أقوم بحراسة معبد أوام منذ عام 1997 والجزء الظاهر في المعبد يشكل فقط 20 % أي ما يزال 80 % من الآثار مطمورة، ولم يتم اكتشافها بعد ومغطى بآلاف الأطنان من الأتربة.

 

من جانبه يؤكد محمد المعلمي، أحد المهتمين بالآثار أن المعبد تعرض للسلب والنهب بشكل متواصل خصوصاً في فترة ترك المعبد دون اهتمام يذكر، حيث أكبر دليل على ذلك ما تثبته جدرانه التي كان عليها كتابات وزخارف متنوعة، لم يبق من أثرها إلا بقايا المسامير التي كانت مثبتة بها في الجدران وكانت تعرف بصفائح برونزية.

 

وأضاف: النقوش التي بدأت تطمرها الرمال والمنتشرة في كافة ارجاء المعبد تعد ارشيفاً متكاملاً للكثير من الحوادث التاريخية منذ القرن الثامن قبل الميلاد بحسب ما تحدث به علماء الآثار الذين زاروا معبد أوام. 

 

اقتحام «بالكلاشنكوف»

 

يكشف الذيفاني عن محاولات عديدة لسرقة المعبد في الليل لكنها تفشل، موضحا: نقوم بإغلاق المعبد من وقت المغرب عند غروب الشمس، ويتردد علينا أناس مجهولين في الليل محاولين دخوله لسرقته إلا أننا نقوم بمنعهم من الدخول ومواجهتهم.

 

وقال حارس المعبد: تعرضت لاعتداءات مسلحة وتم رفع سلاح الكلاشنكوف عليّ من قبل أشخاص يأتون في الليل يحاولون دخول المعبد، فنقوم بالتصدي لهم، ولم أمتلك سوى عصى في يدي لكني أضطر إلى المواجهة لردعهم عن سرقة أي شيء من المعبد من قبل عدد من الأشخاص المسلحين.

 

وتابع :" أستند إلى قبيلة عبيدة (أحد القبائل اليمنية في محافظة مارب) لحماية المعبد عندما تتم محاولة الاعتداء عليه، ولجأت إلى قبيلة عبيدة وقاموا باعتقال العديد من اللصوص أثناء محاولتهم التسلل إلى المعبد ليلاً ومحاولة أخذ النقوش والاحجار منه.

 

وأكد بأن كل هذا يحدث في ظل غياب تام لدور الدولة في تقديم أي دعم مالي أو أمني للمعبد أو حتى خدمة أو استفادة تذكر ترجوا منها.

 

ويكشف عن عروض إغراء تقدم إليه بين الفترة والأخرى عبر تقديم مبالغ مالية إلا أن حارس معبد «أوام» يقول: لو عرضت علينا الملايين لن نفرط بتراث وتاريخ اليمن أبداً حتى ولو أعطونا ذهبا مقابل أي شيء في المعبد.

 

 وأكد بأن الأجيال لن تسامحهم اذا فرطوا او تنازلوا على قطعة واحدة منه.

 

فيما الذيفاني يقول: ما يجعلنا صامدين في حراسة المعبد وجعلنا نستمر في العمل هو أخذ مبلغ 500 ريال على الزائرين من باب دعمنا، والبعض يدخل إلى المعبد مجاناً ولا يقدم شيئا وهو شيء رمزي لكننا نقبله لإعالة أهالينا وسط تجاهل لدور الدولة في حماية المعبد.

 

اتفاق مع «الجن»

 

يؤكد الساكنون من أبناء القبائل والمترددون على معبد «أوام» ان أرض المعبد "محلولة" أي مسكونة بالجن.

 

وقال شهود عيان لـ"المهرية نت" حصلت وقائع أننا رأينا الحجارة ترمى من غير رامٍ في أوقات متأخرة من الليل ؛ وساد اعتقاد بين أوساط الكثير من الناس قديماً بأن هذه الآثار والأحجار والمعبد يعود إلى ممتلكات الجن ولا يجوز أخذ أي قطعة من المعبد وإلا فإن لعنة الجن تصيب الفاعل، لكن ذلك تسبب أكبر عملية نهب لعدد من الآثار اليمنية من المعبد.

 

يقول الحاج أحمد علي لـ"المهرية نت": كنا لا نستطع  السكن في المعبد مطلقاً لأن الاعتقاد السائد قديماً بأن المعبد "ملك للجن" وعندما يجلس أي شخص وأنا مجرب ذلك بشكل يومي أسمع في الليل جلاجل من المارة يمشون حول المعبد وعندها أصرخ "من القادم؟!.. من أنتم؟! لا أحد يرد.. فيقشعر جسمي من الخوف وأجمد ولا أستطيع الحديث.

 

وهذه الظاهرة تحدث لي بشكل يومي ولا أرى أحدا وإنما تشعر وتسمع بمرور أشخاص بجوارك ولا تراهم بعينك.

 

وتابع قائلاً: وصلنا إلى اتفاق بعد أن اقوم بقراءة الاذكار أقول للجن: "احرسوا المعبد لأننا سننام".. الليل حقكم والنهار أنا من سأحرسه. 

 

 يكشف حديث الحاج أحمد عن غياب شبه كامل للوسائل الرقابية الحديثة "كاميرات المراقبة" أو وجود أسوار لحماية المعبد الأثري الذي يزخر بآلاف القطع الأثرية، وهي رسالة للحكومة بمحاولة إنقاذ المعبد من المزيد من الهجمات والمحاولات المتكررة لسرقة المعبد.

 

سرقة "الشمس والقمر"

معبد «أوام» ‏كُرس‏ ‏لعبادة‏ ‏القمر‏ ‏الأب‏ ‏والشمس‏ ‏الأم‏ (المعبد الرئيسي للإله المقة).. يقول علي دهمش، أحد سكان مدينة مارب إن أجدادهم أخبروهم بأنه حدثت سرقات في الخمسينيات وتم سرقة "الشمس والقمر" من داخل المعبد بعد حفريات كبيرة وحصول على أحجار كريمة وذهب وعدد من التماثيل، لا يستطيع الانسان وصف جمالها.

 

وأضاف: "هناك شخص يدعى فيلبس وشقيقته مارين أخذوا كنوز من معبد أوام وقاموا بنقلها إلى بريطانيا وهذا ما أكده آباؤنا بأنهم رأوهم وهم يأخذون "الشمس والقمر" وكان شكلهم ساطعا والأحجار الكريمية والذهب من المعبد بعد أن قاموا بتوزيع قروش على المتواجدين في المعبد .

 

ويقول "كان همنا ربع القرش الذي كان يقدم لنا" ولم نكن ندرك ما المعنى الحقيقي لما تعنيه كلمة "آثار وتراث" وأنها تحمل كل هذا التاريخ والمجد لليمنيين إلا بعد سرقة الكثير من القطع الأثرية.

 

ويتشكل المعبد من ‏بناء‏ ‏مربع‏ ‏الشكل‏ ‏له‏ ‏ساحة‏ ‏مكشوفة‏ ‏يتوسط‏ ‏الساحة‏ ‏البئر‏ ‏المقدسة‏ ‏مع‏ ‏ملحقاتها‏ وتطوق‏ ‏الساحة‏ ‏المكشوفة‏ ‏جدران‏ ‏من‏ ‏الجهات‏ ‏الثلاث‏ ‏الجنوبية‏ ‏والغربية‏ ‏والشمالية‏، ‏كما‏ ‏يوجد‏ ‏صف‏ ‏من‏ ‏الكراسي‏ ‏المرمرية‏ ‏الثابتة‏ ‏في‏ ‏الجهة‏ ‏الغربية‏ ‏منها‏.

 

‏وكان‏ ‏يوجد‏ ‏في‏ ‏الساحة‏ ‏الخلفية‏ ‏لقدس‏ ‏الأقداس‏ ‏تمثال‏ ‏للثور‏ ‏المقدس‏ ‏محمول‏ ‏على‏ ‏ستة‏ ‏أرجل‏ ‏بطول‏ 4‏ متر ‏وتقف‏ ‏الأعمدة‏ ‏على‏ ‏قواعد‏ ‏حجرية‏ ‏ثابتة‏ ‏ويزن‏ ‏العمود‏ ‏الواحد‏ 17 ‏طنا‏ ‏و‏360 ‏كيلو‏ ‏جراما‏، والآن لم يعد موجودا.

 

700 سائح يومياً

 

المتعاونون على حراسة معبد أوام  كشفوا أن عدد السائحين كانوا يصلون إلى 700 من الأجانب من دول مختلفة يومياً، لكن وبعد اشتعال الحروب في اليمن، لم يعد يصل عدد الزائرين المحليين إلى 50 سائح في اليوم الواحد، وفي بعض الأيام لا يأتي لزيارته أحد ,مضيفين أن الأجانب لديهم شغف وحب بالآثار اليمنية ويعرفون تاريخ المعبد أكثر من اليمنيين أنفسهم.

20 ألف تمثال

 

في السادس من شهر مارس(آذار) من عام 2005 كشف فريق أثار ألماني أن مقبرة معبد أوام " محرم بلقيس التاريخي" كانت لأكثر من حوالي 20 ألف شخص.

 

وقال هولجار هثجن نائب مدير معهد الآثار الألماني، إن الدراسات الانثربولوجية للمقبرة أظهرت أن متوسط أعمار الذين دفنوا فيها يتراوح أعمارهم ما بين 45 – 55 سنة وأن الكثيرين منهم كانوا مصابين بأمراض في أسنانهم.

 

 ويعود تاريخ المقبرة إلى القرن السابع قبل الميلاد.. وولم يستكمل الفريق الألماني أعماله في المعبد.

 

 كما أكد مراسل "المهرية نت" أن أعمال التنقيب والأخشاب المحيطة بالآثار ماتزال مرمية على الأرض وقد غطت الرمال جزاء كبيراً منها.

 

واحتل المعبد دورا هاما‏ باعتباره المكان المقدس الذي كان يجري فيه تلقى الأوامر والتعليمات من الآلهة ‏وتقديم القرابين والنذر لها، واستمر ذلك حتى بداية النصف الثاني من القرن الرابع ‏الميلادي الذي شهد انتهاء هذه الطقوس.‏

 

وقال عدد من المختصين في هيئة الآثار أن حماية الآثار تعتبر من أبرز الصعوبات التي تواجهها اليمن لأنها تتعرض للتدمير والسرقة والتهريب نتيجة الصراعات والحروب وغياب الرقابة وعدم الاهتمام من قبل الحكومة المعنية لوقف عبث ضعفاء النفوس نتيجة افتقارها للقوانين الصارمة الهادفة لحماية المواقع الأثرية والتاريخية وتفشي ظاهرة الفساد وهي عوامل تساهم في انتشار هذه الظاهرة.

 

من المسؤول على الإهمال؟

 

وخلال البحث عن الجهة المختصة والمسؤولة عن هذا الإهمال في انعدام الحراسة الأمنية لمعبد "أوام"، قال مدير عام مكتب الثقافة في محافظة مارب علي بقلان لـ"المهرية نت": هناك إهمال كبير جداً لأكبر مكتبة تاريخية ضخمة تم العثور عليها في اليمن تكاد توازي المكتبات الموجودة في أنحاء مختلفة من حضارات الشرق القديم.

 

وأضاف بقلان: عملية التقصير والإهمال ليست من وزارة الثقافة بعد أن تم تحويل اختصاص الآثار إلى هيئة الآثار..  الحرب عملت على تقسيم عمل الهيئة، فأصبحت للحكومة في عدن هيئة للآثار مستقلة عن التي في صنعاء، وبالتالي هناك إهمال كبير.

 

وتأسف "بقلان" على الإهمال الكبير في أكبر المعابد الأثرية التي وصف بها معبد "أوام"، كونه يعد مكتبة تاريخية أثرية لكل اليمنيين.

 

بدوره، نفى قائد الشرطة في محافظة مارب ناجي نايف، أن تكون حماية المعبد من اختصاص الشرطة العسكرية، مؤكدا انها مسؤولية تقع على وزارة الثقافة والسياحة وهيئة الآثار اليمنية.

 

وتتوزع إلقاء المسؤولية على العديد من الجهات ذات الاختصاص، حيث يقول رئيس الهيئة العامة للآثار في محافظة عدن أحمد باطايع لـ"المهرية": "ان معبد "أوام" فيه مجموعة كبيرة من الحراس يساووا حراس محافظتي حضرموت وشبوة لكنهم لا يقوموا بعملهم".

 

وأضاف باطايع: " المسؤولية تلقى على مكتب الآثار والمتاحف في محافظة مارب وهم مسؤولون عن العمل الأثري هناك".

 


تعليقات
square-white المزيد في تقارير المهرية