آخر الأخبار

فبراير وموسم الربيع

الإثنين, 06 فبراير, 2023

يحكى أن أباطرة الرومان تصارعوا في شهر فبراير، فأصدر الامبراطور اليوناني مرسوماً يقضي باختصار أيام الشهر ليصبح 28 يوماً. 
 
كان يجب على الزعيم صالح أن يختصر شهر فبراير للنصف، ويحافظ على اليمن التي اختطفها وسرق مقدراتها..
 
كان فبراير أول تحول سياسي ناعم تصدر مشهده طلاب الجامعات من الشباب، فاليمن قبل حدث فبراير مختلف تماماً عن وضعه الحالي، فهو جزء من الربيع العربي العابر للجغرافيا والذي أحدث شللاً في الأنظمة الجمهورية في المنطقة العربية ووضع السياسيين في مأزق، كما وضع الدراسات الاجتماعية في تحد معرفي لبحث أسباب هذا الحراك الاجتماعي العابر للحدود القومية التي وضعتها الدول الأوربية على البلاد العربية.
 
فبراير والراقص على رؤوس الأفاعي وجها لوجه في كسب الرهان الثوري في اليمن، الزعيم صالح أحد أطراف الجدل.. والشباب وطلاب الجامعات الطرف الآخر، بين الشيطان الأنثى والشيطان الذكر.
 
فبراير أحدثت شرخا اجتماعيا في البنية السياسية والعسكرية وظهرت دعوات إقليمية وعالمية مؤيدة لمطالب المحتجين ومتوجسة من القيادات التي انتجتها تلك الاحتجاجات، إذ أحدث هذا الحراك شللاً سياسياً انعكس على الأداء الأمني، وظهرت دعوات عصيان مدني كان مطلبها الأساس الاستجابة الطوعية لتلك المطالب.
 
لقد أعاق صالح مشروع التحول السلمي وتصدى لمشروع فبراير -الشيطان الذكر- واستدعى القبيلة ورموز الدين وحشد القوى الأمنية لهذه المهمة، رغم محاولة الأحزاب السياسية احتواء الأزمة أملا في منع الصدام المسلح بين القوى العسكرية.
 
الحوثي جزء من الحراك الثوري في فبراير، لكن سيطرته على المدن بالقوة كان جزءا من مشروع صالح، لإجهاض التحول السلمي في اليمن، ومن أجل الحفاظ على مكتسباته.
 
صالح ليس فردا، بل هو مشروع هجين من الفساد، وقوته الناعمة كانت لتوطين الفساد، فهو مزيج من الجهل وشبه المعرفة، خليط من الذكاء والحماقة وهو رجل عسكري شجاع ومتهور، وهو رجل شبه متدين خال من النزاهة، وهو مركب من الشقاء والعناد، كما أنه لا يحمل مشروعا لوطن آمن ومستقر.
 
لذا تماهت المرتزقة معه في عهده وتكاثرت في هرم السلطة، وأصبحت ثقافة ومهاما وظيفية وجزءاً من تركيبة النخبة السياسة وإحدى سماتها، أي أن الارتزاق في اليمن هو مهنة سياسية في عهد صالح.
 
الحدث الثوري المرافق لحراك فبراير كان تحديا كبيرا لصالح، لذا سعى لشيطنة الحدث ورموزه، وسعى للانتقام منهم جميعا، بكل الوسائل غير المشروعة.
 
سعت القيادات الحزبية في اليمن لتحويل الحدث الثوري لأزمة سياسية أطرافها صالح والمعارضة، إلا أن الزخم الثوري أحدث شرخا في المؤسسات العسكرية والأمنية وفي القرار السياسي وفي مؤسسات الدولة، فقد كانت الثورة أول حراك سلمي يخترق جدران الصمت، وكان صوتها واضحا وبكل اللغات، عبرت عنه أصوات المحتجين في الساحات وبكلمة واحدة (ارحل).
 
GAME OVER
كان المخرج إجباري للأزمة السياسية (ارحل)، أما خيارات صالح كانت متعددة لتسوية الأزمة اليمنية، كان الحرب هو أقصر الطرق للحفاظ على مصالحه.
 
قَدِمَ هادي كخليفة ثاني من أجل الحفاظ على مكتسبات صالح، لكن هادي شعر بالخطر وهو أيضا فقد مصلحته بهذه المهمة الخاصة ولن يكون له مستقبل بعد ذلك، وهنا جاءت جماعة الحوثي لتكمل المهمة، فالحوثي قدم ضمانات لهادي ولصالح وللمجتمع الدولي والإقليمي، فهو حسب كلامه قادر على الحفاظ على مكتسبات صالح وهادي، مع منحه بعضاً من المكتسبات مقابل جهده.
 
أما المهمة الرئيسية بأنه الضامن الوحيد لإجهاض أي تحول سياسي في اليمن الحديث ولمدة نصف قرن من الزمن وهي خدمة تسيل لها لعاب الدول الغربية، لذا وصل الحوثي إلى صنعاء بالتنسيق مع هادي وبالتنسيق مع صالح أيضاً وتحت إشراف المجتمع الدولي.
 
الاستحقاق الذي حصل عليه الحوثي كان هو التوقيع على الشراكة والمصالحة ليلة اجتياحه للعاصمة صنعاء، في منزل الرئيس هادي، بحضور جميع قادة العمل السياسي والحزبي وبرعاية الأمم المتحدة.
 
سيطرة الحوثي على المعسكرات والمدراس والمدن لا يشكل أي خطورة، بل الأخطر كان اتفاقية السلم والشراكة، التي منحت المليشيا السلطة السياسية، كاستحقاق لإجهاض التحول السياسي الذي بدأت ملامحه بعد فبراير.
 
لهذا نجد أدبيات الجماعة الحوثية خالية من مصطلحات الديمقراطية وحق الاحتجاجات السلمية، بل خطاب الجماعة عنصري، مليشوي، بغطاء ديني، يسمى أنصار الله أو قرين القرآن.
 
الحوثي ليست قضيته بناء الدولة -الدولة المدنية- فهو لا يفهم هذه الأدبيات وإن كان جزءاً من الحراك الثوري ضد صالح، لكنها شراكة غير نزيهة، وإن كان العمل السياسي يقتضي الشفافية في ممارساته مع الشركاء السياسيين.
 
وهنا نستدعي عقل المرتزقة أو الدخول إلى عالم السياسية من بوابة الارتزاق، ففي تاريخ اليمن السياسي الحديث كانت ملامح العمل السياسي ثلاثية الأبعاد، فالنخبة السياسية اليمنية دخلت عالم السياسة من ثلاث بوابات خلال العهد الجمهوري وهي: الأولى، بوابة المسجد وخطبة الجمعة وهؤلاء قدموا إلينا باعتبارهم ورثة الأنبياء. البوابة الثانية دخل منها العسكر، باعتبارهم أبطالا ورمزا للقوة، أما الأخيرة فهي بوابة التكتلات المسلحة والمليشيات.
 
هذه التحولات الثلاث للإنسان السياسي اليمني انتقلت معه الصورة للعالم الخارجي، فاليمن يعيش كدولة من دول العالم الثالث وفي البوابة الأخيرة من العمل السياسي، بوابة العمل المسلح كأقصر الطرق للعمل السياسي والوصول إلى السلطة، وهي ممارسات بدائية، فالحوثي جماعة مسلحة تحولت بفعل الحرب إلى جماعة سياسية بالتنسيق مع أطراف الصراع والدول الراعية للمصالحة اليمنية وألحقت بالعقل اليمني ضررا لا نستطيع إدراك أبعاده.
 
إن التعامل مع الحركة الحوثية باعتبارها طرفا سياسيا يهدد مستقبل النظام الجمهوري ومحاولة ترويض هذه الجماعة لتصبح حركة سياسية هو عمل مرهق وغير مجد، فالعمل السياسي له طرق واضحة، لكن الطرق تتشعب وتتعدد في شعاب المرتزقة.
 
وأخيراً ونحن في الذكرى الثانية عشرة لميلاد فبراير، ما زالت الأزمة في مربعها الأول، الأزمة الأمنية، أزمة المليشيا وأزمة الدولة، أزمة الجيش والتشكيلات شبه العسكرية، أزمة التحول السياسي السلمي، أزمة التدخلات الإقليمية، أزمة الشخصية السياسية اليمنية النزيهة، أزمة الشرف السياسي والوطني.
 

المزيد من د. شكيب صالح
من وحي الكوارث
الخميس, 16 فبراير, 2023
مليشيات دبلوماسية ...!
الخميس, 08 ديسمبر, 2022