آخر الأخبار
أوراق الانتقالي تتساقط
تتساقط أوراق المجلس الانتقالي تباعًا، واحدة تلو الأخرى، في مشهد يكشف زيف الادعاءات التي لطالما رفعها بشأن تمثيل القضية الجنوبية.
لقد تبين أن تلك الادعاءات لم تكن سوى غطاء هش لمشروع مناطقي ضيق الأفق، لا يمت بصلة إلى تطلعات الجنوبيين في تحقيق الكرامة والشراكة والعدالة، ولا يسعى لتحقيق الأمن والاستقرار الذي افتقدوه منذ تأسيس هذا المجلس.
لقد استنفذ المجلس حضوره الشعبي، وأضاع رصيده في متاهات الخطاب الشعبوي والسلوك المناطقي الوقح، ليغرق في مستنقع الفساد ذاته الذي لطالما رفع شعار محاربته، فإذا به يقع في براثنه بمجرد أن أصبح شريكًا في السلطة.
اليوم، لم يعد للمجلس الانتقالي سوى القوة العسكرية، وهي قوة لا تمت للوطنية بصلة، بل هي قوة إماراتية المنشأ، القيادة، والتوجيه. فالقرارات الحاسمة لهذا المجلس تصدر من غرفة عمليات الوحدة الخاصة في أبوظبي، فيما تتحرك قياداته بين أبوظبي وعدن والمكلا بطائرات خاصة، كلما اقتضت الحاجة لتنفيذ مهمات تندرج ضمن حسابات لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية، بل تهدف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي وتنفيذ الأجندات الخارجية.
المشروع الإماراتي مكشوفًا منذ الوهلة الأولى لتدخلها في اليمن، هدفه تفكيك البلاد والسيطرة على مواردها وموقعها الجغرافي، عبر أدوات محلية محدودة الأفق، لا تملك من المشروعية سوى ما تمنحه إياها أبوظبي من دعم مالي وعسكري. والمجلس الانتقالي هو الأداة المثلى الذي أسسته لهذا الدور، الذي لا يتوانى في استخدام الخزان المناطقي لحشد آلاف العسكريين بهدف السيطرة على مناطق تتجاوز نطاقه المناطقي، كما يحدث الآن في حضرموت وحدث من قبل في شبوة.
ما يجري اليوم في حضرموت ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل الهيمنة المستمر، فقد سارعت الإمارات إلى دفع أذرعها العسكرية إلى المحافظة عقب زيارة الشيخ عمر بن حبريش للمملكة ولقائه بالأمير خالد بن سلمان، في رد فعل واضح يهدف إلى تقويض أي مسار سياسي مستقل للحضارم، ورد على أي محاولة لإخراج حضرموت من دائرة التبعية للمشاريع الخارجية.
إن حضرموت اليوم، بثقلها التاريخي والجغرافي والاقتصادي، تمثل اختبارًا حقيقيًا للقوى الوطنية اليمنية، التي بات عليها أن تصطف وتقف إلى جانب أبناء هذه المحافظة، رافضة عسكرة حياتهم، أو زجهم في مشاريع لا تعبر عن هويتهم ولا تطلعاتهم.
وفي هذا السياق، تتحمل المملكة العربية السعودية بإعتبارها قائدة التحالف العربي مسؤولية مضاعفة، فاليوم أكثر من أي وقت مضى، يحتم عليها التحرك على مسارين متوازيين:
الأول: اتخاذ خطوات حاسمة لوقف التصعيد العسكري في حضرموت، الذي يشكل تهديدًا للسلم الاجتماعي، ويعيد إنتاج الاصطفافات المناطقية التي عانى منها الجنوبيون مرارًا.
الثاني: العمل على تحفيز مجلس القيادة الرئاسي للقيام بدوره القيادي بعيدًا عن تأثيرات الأذرع العسكرية التي تسعى لتمرير أجندات لا تخدم المصلحة الوطنية، بل تكرس واقعًا غير مقبول في حضرموت.
إن مجلس القيادة الرئاسي لا يعمل في الفراغ، بل يستمد استمراريته من الدعم السياسي واللوجستي الذي يحصل عليه من المملكة، مما يفرض على السعودية مسؤولية أخلاقية وسياسية في ضمان توازن هذا المجلس، وحمايته من أي انحراف وهو ما أشتكى منه الحضارم واعتبروه سببآ فيما حصل ولازال بمحاباة المجلس لعيدروس الزبيدي وترك الحبل على الغارب لهذا الرجل في تفتيت البلاد وتنفيذ الأجندات الخارجية.
حضرموت اليوم، ليست مجرد مساحة على خارطة اليمن، بل هي جوهرتها ودرّتها الثمينة. وسقوطها في مستنقع التصعيد العسكري الذي يقود إلى الإحتراب سيفتح الباب على مصراعيه أمام الانفجار الشامل والتفكك الكامل للبلاد.
اليمن اليوم في مفترق طرق، وعلى القوى الوطنية أن تتحمل المسؤولية في الحفاظ على ما تبقى من محافظات ومناطق لازالت تؤمن بالدولة وترفض المليشيات والأجندات الخارجية.
* نقلًا عن حسابه على فيسبوك