آخر الأخبار
العربي الأخير
قال لي مسئول خليجي التقيته في لندن قبل سنوات في معرض حديث عن الثورة السورية، إن الثورة السورية بدأت سلمية ثم لما بدأ النظام في قمعها عسكرياً بدأ المنتفضون بالدفاع عن أنفسهم، وبدأت قلاع النظام بالتهاوي واحدة بعد الأخرى حتى أصبحت بلدات ريف دمشق وجزء من أحيائها بيد الثوار، حينها تدخلت السعودية والإمارات وقاما بتأسيس جيش محمد، وجيش عمر، وجيش الراشدين، وجيش الشام ولم يتركوا رمزاً سنياً إلا وأسسوا باسمه جيشا..
كانت إيران وحزب الله قد سلموا في البداية بالأمر بأن هذه ثورة، ويجب أن نتكيف معها لكن مع تأسيس تلك الجيوش واختلاط الحابل والنابل قرروا التدخل إلى جانب النظام، بنفس الوقت تسرّبت أمريكا بعد داعش لتحتل الشرق السوري، ثم جاءت روسيا بقضها وقضيضها لتحتل الساحل السوري، أما تركيا كان نصيبها الشريط الحدودي الشمالي لقطع الطريق على الأكراد لعدم إقامة دويلة في تلك المناطق، ولم تكن إسرائيل بعيده عما يجري وعن تلك الجيوش التي انصهر بعضها لاحقاً فيما سُمي بالنصرة، وهي فرع تنظيم القاعدة بسوريا.
هكذا أُجهضت الثورة السورية، ولحفظ ماء وجه أوباما بعد استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة هجّر الثوار وعائلاتهم من ريف دمشق وحمص وحلب إلى محافظة إدلب المحاذية لتركيا، وكانت تلك بداية لتهجير وهروب الملايين من السوريين من بلادهم إلى تركيا ومنهم من ركبوا البحار والفيافي إلى أوروبا في أكبر عملية تهجير لشعب عربي من بلاده في التاريخ بعد تهجير أهل فلسطين في 48 و67، ثم كانت السعودية والإمارات أول الدول التي أعادت علاقاتها الدبلوماسية ببشار الأسد.
تذكرني تجربة تدخل الأعراب في سوريا بتدخلهم في اليمن بعد تدمير أول معسكر للجيش الوطني في العبر، وقتل ضباطه وجنوده في بداية (العاصفة)، ثم تأسيس عدة جيوش قبلية ومناطقية ودينية شمالاً وجنوبًا، وبدل أن يتم الدفع بتلك الجيوش نحو صنعاء دُفعت نحو عدن لتصفية الحكومة الشرعية، ثم تم إسقاط الرئيس الشرعي في الرياض، والإتيان بقيادة تمثّل تلك الجيوش المليشياوية فيما سُمي بمجلس القيادة، وحكومة شكلية تقوم ببعض المهام الإدارية وتضفي مشروعية على الوضع المليشياوي القائم، في المقابل تم منع تحرير الحديدة، وضرب القوات وقد وصلت نقيل بن غيلان ثم السماح بتسريب الأسلحة للحوثي، ثم فتح المفاوضات معه، وغدًا ستقوم الدولتان بتسليمه اليمن وكأنك يابوزيد ما غزيت.
بالأمس نشرت صورة للسيد حسن نصرالله، وهذا أمر له علاقة بالمذبحة الرهيبة التي تجري في غزة لعل هذا الرجل يكون العربي الأخير الذين ينصر هؤلاء المظلومين بعد أن تخلى عنهم العرب أجمعين؛ بل وتواطئ بعضهم مع العدوان الصهيوني على غزة. انبرى البعض لنقد ما طرحته.. البعض أفهمهم فهم يصطادون في الماء العكر، أما البعض الآخر من الذين لم أكن أعتقد أن لديهم هذه الحساسية الشديدة فقد استغربت ما بدر منهم وكأني أتيت بالموبقة الكبرى، وذهبوا بعيدًا بتفسير الأمر وكأنه انحياز للحوثي. لست هنا للدفاع عما طرحت، لكن لكي أؤكد مجدداً أن موقفي من السعودية والإمارات وإيران والحوثي منذ أول يوم (للعاصفة) واضحًا لم يتزحزح، ودفعت ثمناً غاليًا لهذا الموقف الذي جاء خارج سياق الموجه التي كانت ولازالت سائدة مع سلوك الدولتين، ولازلت أرى في الحوثي خطراً طائفياً يحيق باليمن كما هي الجيوش المناطقية والقبلية والحزبية في الجنوب والشمال.. الجبواني لا يملك إلا وجه واحد وتحيّزاتي سياسية لمصلحة اليمن، وليست إيدلوجية طائفية كما هو الحال في صنعاء أو مناطقية كما هو الحال في عدن.
* نقلاً عن حسابه في منصة (إكس)