آخر الأخبار

مليشيات دبلوماسية ...!

الخميس, 08 ديسمبر, 2022

 في بداية حياتي الاكاديمية عملت مدرساً للإعداد اللغوي، فكنت أتحدث مثل التلفزيون، كما وصفتني أختي ذات مرة، قال لي أحد الطلاب: أين تدرس ؟ قلت له أدرس دراسات عليا، فضحك الطالب ساخراً، ثم قال: أنا أدرس دراسات سفلى!
 
وبين الدراسات العليا والسفلى كتبت الكلمات الجديدة كفيلسوف قادم إلى عالم اللغة، إلا أن المهن والوظائف التي وجدتها في تقرير الخارجية اليمنية أشعرتني بخيبة أملي في الفلسفة التي أفتخر بها.
 
اليمن أصل العرب هكذا قال المؤرخون، لذا نجد المصطلحات العربية واضحة في لهجاته، وعلماء اللغة يدينون بالفضل لتراث اليمن اللغوي، الذي أثرَى اللغة بالعديد من المفردات والمصطلحات وهي إضافة قيمة للمصطلحات الدبلوماسي والتوطين اللغوي ، أهمها قوائم المهن للبعثات في الخارج.
 
معنى ضابط في المعجم اللغوي رئيس الفرقة الموسيقية أو هو ضابط الإيقاع، إلا أن دلالته في العمل السياسي هو رجل القانون!
 
وفي معجم المصطلحات العسكرية يوجد عسكري وجندي ومساعد وضابط وقائد، وفي البعثات الدبلوماسية اليمنية مختلفة تماما عن قواميس العمل الدبلوماسي، هذا يعني أننا أمام ظاهرة حديثة ومدهشة من التوليد اللغوي ندعوا فقهاء اللغة للوقوف أمام هذا التحول الخطر في تاريخ اللغة الحديث.
 
لدينا ملحق عسكري ونائبه ومساعد الملحق العسكري أيضاً، والأهم هو أن لدينا ضابط ارتباط، لم أفهم مهنته ولا طبيعة عمله، لكنها في معجم المصطلحات العسكرية خدمة ميدانية بين الوحدات العسكرية، بين الجوية والبحرية مثلاً، لكنها في اليمن تعد عملا دبلوماسيا...!
  
العمل الدبلوماسي اليمني أسهم في توفير الكثير من التخصصات وظهور العديد من المصطلحات والتسميات، فهناك ملحق أمني، ونائب الملحق الأمني، ومنسق أمني، ومساعد المنسق الأمني، وضابط أمني وملحق شرطي ومساعد شرطي ونائب ملحق شرطي، إلخ، أي والله هذا ما هو حاصل!
 
 
شرطي وأمني وعسكري، وضابط ارتباط وممثل رئيس الوزراء وكلها مهام أمنية وعسكرية في بلد يعاني حروب وصراعات!، إنه لأمر مريب يدعو للتساؤل والعجب، لم هذا العبث؟ ولمصلحة من؟
 
المشهد الدبلوماسي اليمني يشبه حركة التحرير الفلسطينية التي نشأت للتصدي للاحتلال، فهو الهدف الأساس من وجودها، لكنها تحولت إلى سلطة سياسية هدفها توفير الوظائف لأعضائها وليس للدفاع عن القضية الفلسطينية، إذ بلغ عدد مكاتب التمثيل لها حوالي 3000 مكتب تمثيل وتنسيق في العاصمة بيروت لوحدها، وكلها مكاتب خاصة بمنظمة التحرير الفلسطينية، بالإضافة إلى مكاتب في بغداد وصنعاء والسودان وتونس والجزائر ودول الخليج العربي.
 
وهنا نجد أن أكثر من خدم الاحتلال الإسرائيلي بطريقة غير مباشرة وتسبب بإحداث شقوق في البيت العربي هو السلطة الفلسطينية، وكأن مهمتها خدمة دولة الاحتلال أكثر من خدمة قضيتها التي جاءت لأجلها.
 
واليمن اليوم يعيش حالة من الضياع انعكست على السلام الاجتماعي وعلى المستقبل، فالتعليم والصحة والأمن وبقية الخدمات الأساسية خارج العملية السياسية وخارج الاهتمام، وكأن مهمة السلطة السياسية هي التعيينات، بينما مهمة قادة الوحدات العسكرية هي إعادة التموضع فقط!
 
اليمنيون خسروا الوطن بإساءتهم له، وفقدوا شرفهم الحضاري والسياسي، وظهرت المليشيات المسلحة كنتاج لغياب المسؤولية في هذا الوطن العريق والغني بثروته البشرية والمادية، لكنه جوهرة بيد فحام .
 

المزيد من د. شكيب صالح
من وحي الكوارث
الخميس, 16 فبراير, 2023
فبراير وموسم الربيع
الإثنين, 06 فبراير, 2023