آخر الأخبار
معركة الضباب
هي حرب بلا أهداف ومآلاتها المخفية تبدو ظاهرة، أن معابر تعز وفتح طرقها وإغلاقها ليست قضية سياسية أو أمنية، بل قضية إنسانية خالصة، لذا نجد إسرائيل تحاصر الضفة الغربية بالجدار العازل، باستثناء عبور الناس، وفي غزة بإغلاق المنفذ التجاري فقط، بينما معبر رفح مفتوح على مدار العام!.
الحوثي لا يشبه إسرائيل بل أكثر إسرائيلية، وهذا ما قلته لخطيب القدس عكرمة صبري قبل أسبوع، أن اليهود أفضل حالاً وأكثر إنسانية ربما رغم قبحهم، مقارنة بالحوثيين، فهل بالإمكان يا شيخ أن تأخذوا الحوثيين مقابل أن يكون نصيبنا اليهود، فضحك..حقا إن شر البلية ما يضحك!.
يحاول الحوثي إغلاق مدينة تعز من منفذ الضباب، وهو المنفذ الوحيد، وقد ينجح في ذلك، وعندها تصبح دعوة مجلس القيادة الرئاسي لفتح منفذ الضباب بدلاً من فتح معابر تعز.
الضباب ليس منفذاً إنما حالة غموض، فالحرب لم تعد تعني الناس، لأن قاداتها مرتهنون للخارج، يخدمون أجندة لا تخصهم ولا تعبر عن انتمائهم.
مرة أخرى يعود الحوثي إلى تعز ولكن من منفذ الضباب، إذ يحاول الحوثي الوصول إليه وقد ينجح، بينما قوات الانتقالي جنوباً تحاول الوصول إلى المهرة وحضرموت كاستحقاق أمني يخص التحالف العربي.
المجلس الرئاسي صار غطاءً شرعياً لكل هذا التمزق والتشرذم، فاليمن تتقاسمه مليشيات والمجلس الرئاسي هو الغطاء القانوني لكل هذه الانتهاكات.
تعز هي خصم المجلس الانتقالي والحوثي على السواء، فالحوثي هو القوة العسكرية التي خدمت دول التحالف كثيراً، وتعز هي استحقاق أمني لهذه الجماعة الانقلابية، وفقا لما تقوله وتروج له!.
الشمال هو سلطة الحوثي وهو استحقاق له أيضاً، كما تقول قياداته، بينما الجنوب للمجلس الانتقالي، أي أن هدف الانتقالي والحوثي واحد، وهو تقاسم اليمن ودولته وقد يحدث هذا قريباً، فالانتقالي ليس قوة عسكرية، بل مليشيا ومرتزقة تحقق أهدافاً لا تخصها كالحوثيين تماماً.
الحوثي يتمدد بالحرب وينكمش بالسلام، كما أن المجلس الانتقالي يتشابه مع الحوثي من حيث هذه التركيبة الجينية، أي أنهما خصماً للسلام.
إن فرص السلام يرفضها الحوثي والانتقالي على السواء، لأن تركيبة هذه القوى مخالفة للتركيبات الطبيعية، فهما خصمان للحياة والسلام والتسامح.
اللاعبان الأساسيان في الساحة اليمنية هما الرياض وأبو ظبي، أما المجلس الرئاسي والانتقالي فمقاولان شرعيان للتحالف، بما فيهم جماعة الحوثي!.
اليمن بلد ممزق، وليست هذه المرة الأولى التي يتمزق فيها اليمن، فالوصف القرآني كان واضحاً (ومزقناهم كل ممزق)، لكن في بعض محطاته كان فيها استقرار ورخاء.
الحالة اليمنية اليوم هي حالة حرب منذ أن بدأت الجمهورية اليمنية، وتحقيق فرص السلام لليمن هو فاضح لتلك الجماعات التي لن تستمر كثيراً، فيما لو تحقق السلام، لأن حالة الحرب هي مصدر دخل لجميع الأطراف!.
سيقاتل المجلس الانتقالي نفسه، وسيقاتل الجيش الوطني، وربما يقاتل الحوثيين ولا أتوقع ذلك، وقد ينقسم إلى قسمين، ليس لأنه يريد الانفصال، بل لأن الحالة الطبيعية لهؤلاء هي الحرب، وقضيته الأساسية هي دفن الأحياء، دون أكفان وتوفير لمن تبقى منهم فرص وظيفية للعمل كمقاتلين.
نحج التحالف في تحقيق أهدافه في اليمن، فالحوثي والانتقالي والجماعات الأخرى كانت في خدمة أجندته التي لا أفهمها، فضلاً عن المتابعين للحالة اليمنية، كما لا أفهم إن كان حصار تعز ومنع أقواتهم هي لخدمة أهداف التحالف أيضاً.
معركة الضباب ليس هدفها تعز ومنافذها، إنما هي حرب يمنية بدأت شرارتها في مارس 2015، لإعادة الشرعية التي لم تعد بعد، بل ولم يعد لها وجود، كل ما عملته أنها شرعنت الفوضى وللواقع الهش!
دولتا التحالف قوضت السلام الاجتماعي في اليمن وأنتجت التطرف، فالحرب اليمنية انحرف مسارها ولم تعد تخدم طموح الناس في تحقيق العدالة والسلام والتنمية، كما أنها حرب لم تراع القوانين الإنسانية، فالجرحى والقتلى حقوقهم ضائعة.
معركة الضباب منعطف خطر آخر، بنتائجها قد تمسي اليمن من نصيب تلك المليشيات، وهو الهدف الاستراتيجي لدولتي التحالف، لكن، مهما يكن الأمر ومهما عملت المليشيات في تنفيذ أجندة الدول الداعمة لها، فاليمن حتما سيعود، بعد أن يشيخ المرتزقة والأذناب وبعد أن يصدأ السلاح وتسيل الدماء وتتوقف مصادر التمويل في أبو ظبي والرياض، وتلوى أذرع مهندسي السلاح، الذين قدموا من طهران أيضاً.
اليمن ليس مجلس انتقالي وليس مليشيات، بل هو ديوان حضارة وباكورة عمران، هو إنسان الخلود، وإرث الإنسان السامي ولغته ودينه وهو الهُوية والهوى، فاليمن دار السلام.