آخر الأخبار
تعز.. ومفاوضات المعابر!
الحوثيون ليسوا جماعة ومليشيا فحسب، بل جماعة لها تاريخ دموي، حيث استباحت دماء الناس وممتلكاتهم وأقواتهم قديما، خلال فترات حكم سلالتهم.
وحديثا نجدهم يسيرون على خطى أجدادهم، ويطبقون ذات رؤيتهم، بأساليبها وأبعادها، فمنهجهم في الحاضر متصل بماضيهم وتاريخهم، دليل ذلك ما يقومون به اليوم من أفعال وانتهاكات عديدة، تخالف الدين والأعراف والقيم الإنسانية.
آخر تلك الشواهد ما يجري من مفاوضات في العاصمة الأردنية عمّان بشأن فتح الطرق في مدينة تعز، والمنافذ الرئيسية للمدينة، بعد فتح منافذ وموانئ جوية وبحرية للعالم الخارجي، تمثل ذلك بفتح مطار صنعاء الدولي والسماح بالسفر بجوازات صادرة من غير الحكومة الشرعية، وميناء الحديدة البحري كذلك، أما طرق مدينة تعز فهي منافذ داخل مدينة يمنية، تم زراعتها وتفخيخها بالألغام!
هكذا يتعامل الحوثي مع مدينة تعز، غزاها ودمرها وحاصرها وطوقها بالألغام وبالقناصة الذين مازالوا يستهدفون أبناءها حتى اليوم!، على مرأى ومسمع المجتمع المحلي والإقليمي والدولي!!!
بهذا يؤكد الحوثي كل يوم انقلابه على الدولة وحصاره لمدينة تنشد السلام والتعايش، كما يؤكد تعامله مع أبناء الوطن كمحتل يغلق المنافذ والمعابر من وإلى داخل المدينة.
المفاوضات حول منافذ وطرق ومعابر تعز تشبه تلك المفاوضات بين فلسطين وإسرائيل، حول القدس الشرقية ومقر العاصمة الفلسطينية والجدار العازل، بينما يتم فصل قطاع غزة عن أي مفاوضات بين الجانبين، وكما تتحكم إسرائيل بالمعابر لمرور الأفراد والبضائع من وإلى قطاع غزة.
الحوثي من المشاورات والمفاوضات والمناورات يبدي عدم استعداده لتقديم أي تنازل من أجل المدنيين في تعز، كحق إنساني لهم.
تعز.. مدينة ذات كثافة سكانية وثقل سياسي واقتصادي وعسكري، فهي ترتبط بالحديدة غربا وعدن جنوبا وصنعاء شمالا، لذا فإعادة الحياة لهذه المدينة يوجد نوعا من التوازن في المعادلة السياسية.
لم يصل الحوثيون إلى عدن إلا بعد أن أحكموا السيطرة على تعز قبلها، حيث تم إغلاق مداخلها غرباً وجنوباً وشرقا، بالإضافة إلى قطع طريق رئيسي داخل مدينة تعز (الحوبان-المدينة)، وبعملهم هذا تم تقسيم المدينة إلى قسمين، وزرع سياج من الألغام وترك الناس يختارون طرقا وعرة وجبلية تسببت في حوادث عديدة، يصلون إلى قلب المدينة خلال ما يزيد عن ست ساعات بعد أن كانوا يقطعونها في 10 دقائق! وكأن مهمة الحوثي إغلاق الطرق فقط، أما فتحها فمسألة لا تخصه ولا تعنيه!
لا ندري لماذا يتم التعامل مع تعز كقطاع منفصل، ففي مسار المفاوضات التي تمت كانت خارطة المشاورات ذات شقين أحدهما داخلي والآخر خارجي، لذا استفاد الحوثي من هذه السياسة بفصل مفاوضات الداخل عن مفاوضات الخارج، رغم أنه المتسبب الرئيس في كل ما حدث ويحدث من انقلاب وحرب ودمار وأزمات.
المفاوضات بين الحوثيين ودولتي التحالف ركزت على فتح الموانئ الجوية والبحرية باعتبارها قضية إنسانية، وغاب عن هذا التفاوض ملف تعز الإنساني، حيث عدت قضية تخص الأطراف في الداخل اليمني!
يشار إلى أن السلطة الشرعية قدمت تنازلات على حساب الأمن القومي اليمني، حيث تم فتح المعابر والموانئ دون عودة موظفي الدولة لتلك المعابر والمنافذ، كما تم اعتماد الجوازات التي صدرت من صنعاء وبغياب تام عن إشراف وزارة الداخلية.
القضية الأساسية للحوثيين هي فتح ميناء صنعاء الجوي وميناء الحديدة البحري، أي ليس للحوثي أي قضية أخرى، فهو يريد السفر وحرية التنقل ويريد النفط ليزداد قوة ولكسب المزيد من نقاط القوة والشرعية والمشروعية في المستقبل.
لقد ذهب وفدا التفاوض إلى عمّان العاصمة الأردنية، ولدى وفد الحكومة الشرعية قضية واحدة هي تعز، أما وفد الحوثي فقد ذهب وليس لديه ما يناقشه، فالقضايا الرئيسية التي تعنيه قد تحققت.
إن المتابع والقارئ لتاريخ الصراع في اليمن يجد أن مسار التفاوض اختلف بعد ميلاد المجلس الرئاسي، من خلال مفاوضات الرياض وهي يمننة الحرب، وربما إيقاف التحالف تماما لمشاركته فيها.
لهذا يمكن القول إن تفاوض الحوثيين مع التحالف كرس لقضايا رئيسية تخصهم وهي فتح المطارات والموانئ وترحيل الملفات الأخرى ليتم مناقشتها بين الحوثيين وسلطات عدن، وهذا ما تم فعلا، فمفاوضات الأردن كانت بداية هذه الحلقات.
وعلى كل حال تبقى تعز هي قضية القضايا، فمنها انطلقت شرارة ثورة 26 سبتمبر 1962 ضد الحكم الكهنوتي السلالي و11 فبراير عام 2011.