آخر الأخبار

في ذكرى عيد الجلاء.. ما زلت أتذكر بحث البريطانيين عن الجريح الحي

الجمعة, 27 نوفمبر, 2020

53 عاما منذ إجلاء آخر جندي بريطاني من عدن , ذكرى 30 من نوفمبر 1967م , اليوم والتاريخ واللحظة التي لا تنسى , مرسومة في الذاكرة , مصبوغة في النشء , و مدبوغة بالذهنية وفكرة الحرية والاستقلال , والطموح والتطلع لدولة السيادة والإرادة , الدولة الوطنية والقرار الوطني والهوية اليمنية , عشناها بكل جوارحنا , في عمر يتجاوز مرحلة الطفولة لينتقل لمرحلة الشباب , عنوانها حرية واستقلال منجز  .



كنا شهودا لمرحلة الكفاح المسلح , ومعارك ذلك الكفاح وشخوصه , لا يمكن أن أنسى ذلك اليوم الذي فتحت فيه باب المنزل , ليدخل والدي حاملا على أكتافه صديقه عبده حبشي , وهو جريح ينزف دما , وسرعة عملية الإنقاذ وتطبيب الجروح , وتنظيف الدماء , وتهريبه من الباب الخلفي لمكان آخر , كانت والدتي تتحرك في كل الاتجاهات لتنهي المهمة في أسرع وقت ممكنا , وانتظرنا مهاجمة الجيش البريطاني ذات القبعات الحمراء , وهم يبحثون عن الجريح في الحي .


أحد المشاهد التي شكلت شخصيتي , وكونت أفكاري الثورية والتحررية , وشغف الاستقلال , فكان 30 نوفمبر بالنسبة لجيلنا وأجيال ما بعدنا   يوما مجيدا , وحلما عتيدا , وباب للحرية فتح , والاستقلال أنجز , كنت في مسقط رأسي ومكان نشأتي , ومرتعي حي المعلا , جبل شمسان ملجأ للثوار , عرفتهم , وعرفت بعد اكتملت مداركي , أنهم من جميع الأطياف , حركة القوميين , و جبهة التحرير ، وتكررت إلى مسامعي حزب الشعب , والمجلس العمالي , وكثيرا هي المكونات السياسية والفدائية في عدن , يجمعهما استقلال الجنوب اليمني .


في يوم الاستقلال 30 نوفمبر توشحت عدن بفرحة وسعادة وبهجة , واكتست بقناديل مضيئة كحبات لؤلؤ ومرجان تترابط خيوط أنوارها معا مشكلة منظرا بديعا يسر الناظرين ويسعد الزائرين , لتعبر عن إزاحة مرحلة من العتمة والظلام , وأقيمت الاحتفالات والمهرجانات , ومواكب من سيارات النقل تنقلنا لمكان خطاب قيادة الثورة , وبدأت تتشكل صور الدولة الوطنية , بتحويل مدينة الاتحاد ,لمسمى مدينة الشعب , وشاهدنا ولأول مرة الفرقة النحاسية العسكرية وهي تعزف نشيد الثورة النشيد الوطني , وأتذكر إضاءة جبل شمسان ليلا من عمارة المرحوم / أحمد مرشد , بكشافات ضخمة من مخلفات الجيش البريطاني , كانوا يستخدمونها في البحث عن الفدائيين ,وفي ذلك اليوم إضاءة عدن فرحة برحيلهم.



 المؤسف أن هذا الحلم بدأ يترنح , بتفكك قوى الكفاح المسلح , ابتدأ من الحرب الأهلية التي اندلعت بعد الاستقلال مباشرة بين , الجبهة القومية , وجبهة التحرير , ومع تطور الصراع , واختراع مسميات الاتهام , وتعليق المشانق , وفتح أبواب السجون والمنافي , وتناحر أيدلوجي , دفعنا فيه ثمنا غاليا للحلم العتيد , إلا أن ما وصلنا اليه اليوم من سقوط وانهيار , قيمي وأخلاقي ووطني , نكران للهوية والتاريخ والأصالة, والارتماء في حضن التبعية والارتهان لأجندات الرجعية والتخلف , فقدنا فيه حلمنا وطموحنا , و تقزم التطلع لننحصر في جغرافيا ضيقة , بضيق المساحة والحرية , وفقدنا استقلالنا الذي لم يعد منجزا , ولازلنا نخوض معركة الاستقلال , استقلال الذات والفكر من التبعية والارتهان لغير الوطن والوطنية .



قال أحد المغمورين من ثوار  ذلك الزمان العتيد  , عن أي استقلال يمكن أن تكتبون , و وقعنا اليوم يقدم مثالا واضحا وجليا , عن فشل ذريع لنخب ما بعد الاستقلال , في تجذير فكرة الاستقلال في الذهنية الجامعة , الجامعة التي تفككت بكل سهولة ويسر , بمجرد سقوط أعمدتها الثقافية والفكرية , وسيطرة القوة والعنف على تلك الذهنية , التي تمكنت من تفكيك كل معنى للحرية والاستقلال والوطنية والهوية , وعادة وبكل قوة مشاريع استعمارية بمبررات و شعارات  تدعي الوطنية .


تحول جزءا من جيل المعاناة , المسكون بدور الضحية , الذي طحنته الصراعات والمعارك العبثية , واستسلم لليأس والانتقام , لمشكلة مثير لعدد مهول من المشكلات , بتحميل أسلافه   ثقل معاناته , ثأراته وأحقاده وتراكمات , مقيدا شباب اليوم , صراعات  ومعارك الأمس ,أثقل الحاضر بهموم الأمس , وحقن الشباب نعرات وكراهية , جعله غير قادر على أن يكون جيل اليوم , وصاحب المصلحة الحقيقية في التغيير والحرية والاستقلال والسيادة والارادة الوطنية.


على الشباب أن يتحرر من تلك القيود , شباب اليوم , صاحب المصلحة الحقيقية في المستقبل المنشود و الوضاء , الماضي عبر ودروس , والمستقبل هو الغاية , لن يكون مستقبلا بوسائل وعثرات الماضي , الماضي مسكون بالشياطين ودهاليز وظلمة ومتاهات , والمستقبل أمامكم مفتوحا  إن صدقت النوايا , وتحررت النفوس ,من مخلفات الماضي العفن , ليكن نوفمبر العام القادم بحلة جديدة عنوانها الحرية والاستقلال لوطن يستوعب كل أبنائه بمختلف أطيافهم ومشاربهم الفكرية والسياسية.

المقال خاص بموقع المهرية نت