آخر الأخبار

تعز والقتل الحاضر في غياب القتال

الاربعاء, 11 نوفمبر, 2020

 يحدث أن تسألني أمي بين الحين والحين عن الوضع في مدينة تعز ، وأجد هذا السؤال معقدا من وجهين . الوجه الأول يختص بأمي حين تكون هي مصدر السؤال ، وذلك لأن الأم - أي أم- لا تسأل لمجرد المعرفة . هي تسأل عن أوضاع المدينة لتأمن أو تخاف ، وتأمينها يكلف بعض الكذب في هذه الفترة ، في حين أن  مصارحتها بحقيقة القذائف المتفرقة التي تزور حارات تعز بشكل شبه يومي  سيترجم في ذهنها الأمومي إلى صورة أفضع بكثير من الواقع . الصعوبة تأتي من حتمية الاختيار بين إعطائها أمانا كاذبا أو خوفا غير مستحق .
 

الوجه الآخر للتعقيد في هذا السؤال ، يتمثل في صعوبة تحديد طبيعة الوضع الذي آلت إليه المدينة بشكل عام . الحرب حاضرة ولكنها لم تعد مفتوحة كما كانت في البداية . هناك تحفظ من قبل الجانبين . جيش المدينة رهينة قيد مزدوج ماثل في فقر الإمكانيات وفقر الإستقلال في قرار المعركة ، والحوثيون يتحاشون إعادة فتح الجبهة من أجل توفير جهدهم لمعارك أخرى في مأرب والجوف . لكن الموت حاضر رغم ذلك . يمكن للحوثيين أن يوقفوا هجومهم على مدينة تعز مؤقتا ، لكنهم لا يستطيعون التوقف عن قتل الناس . ولعلهم يخشون أن تخمد فيهم غريزة القتل ، فيرسلون من آن إلى آن  قذيفة  نحو أحد الأحياء لتزهق مجموعة أرواح مسالمة . 


مدينة تعز تعيش حربا ، ولكنها لا تشهد معارك حاسمة ؛ وهي تعيش سلاما، ولكنها لا تسلم من القصف والحصار ! هذه الوضعية المربكة والغير متناسقة خطيرة حقا، وهي مصدر يأس كبير بالنسبة للناس داخل المدينة ، ومصدر حيرة وتضليل لمن هم خارجها .


قبل أيام ، سقطت قذيفتان في سوق الأشبط ، وكنت أجلس رفقة بعض الأصدقاء في مكان قريب جدا ، وهناك تابعنا جلستنا باسترخاء كامل دون أن يخطر لأحدنا احتمال أن تكون الكثير من الدماء قد سالت في الجوار ، وحين عبرنا في السوق لاحقا تفاجأنا بالكثير من الزجاج المحطم والكتل الإسمنتية المتناثرة والمخضبة بالدم . صوت القذائف أصبح طبيعيا حتى دخل في الهارمونيكا اليومية والمألوفة للمدينة ، مثله مثل أصوات الدراجات النارية ، وصخب أطفال الحارات ، ومايكرفونات الترويج الخاصة بالباعة .
 

لقد أصبح الموت أو الإصابة تحت القصف الحوثي المزاجي والمتقطع يظهر وكأنه حادث عرضي أكثر مما هو جريمة متعمدة ، وصار القتيل أو الجريح يبدو للناس وكأنه ضحية سوء الحظ أكثر مما هو ضحية جماعة قاتلة تترصد في أطراف المدينة منذ سنوات .


لا شك أن الحوثيين سعداء  بهذه الوضعية التي تمنحهم رخصة القتل وتعفيهم من تكاليف القتال .

المقال خاص بموقع "المهرية نت"

المزيد من يعقوب العتواني
في سنوات الثورة كان هنالك أمل 
الاربعاء, 03 فبراير, 2021
لا نسيان ولا تطبيع أيها الحوثيون!
الاربعاء, 27 يناير, 2021