آخر الأخبار
أيوا..أنا "فاضي شوية" يا حمزة نمره !
قبل عامين أطلق حمزة نمرة أغنية "داري يا قلبي"، وقد ترددت هذه الأغنية في كل مكان حولي، وحفظها جميع أصدقائي، وشعرت حينها أن في هذا النجاح الكاسح تكريماً لجهدي الشخصي الكبير في التسويق لحمزة ولونه الغنائي طوال السنوات السابقة وسط بيئة بالكاد تعرف عنه شيئاً.
في الحقيقة لم يكن اختياري الدائم لحمزة نمرة في كل مرة يفتح فيها النقاش حول التفضيل الغنائي صادراً عن قناعة واعية أو حتى مجرد استجابة عفوية لذوقي الشخصي، بل إنني في أحيان كثيرة كنت أقول "حمزة نمرة" فقط لأني أعرف أن من يحاورني لم يسمع به أو له من قبل، وهكذا ألفت انتباهه إلى أنني امتلك ذائقة متفردة وخارجة عن المألوف! لم أكن أعترف حتى لنفسي بأني متناقض جداً في هذا الأمر، وتابعت محاولاتي النرجسية لفرض حمزة على أصدقائي، وفي نفس الوقت الاحتفاظ به كعلامة على ذوقي المتفرد!.
الآن، وقد أصبح حمزة نمره موضع تفضيل غالبية الأصدقاء، وخسرت أنا تماماً ذلك الامتياز الخاص الذي تمتعت به طويلاً عبر تمييز هذا الفنان، وتمييز نفسي من خلاله، لا زلت أجد أنه متفرد على أكثر من وجه، ليس أفضل المغنيين بالنسبة لي، ولكنه متميز، ولا أقول ذلك فقط بدافع النرجسية أو البحث عن حيلة جديدة لاستعراض تميز ذوقي، والله على ما أقول شهيد!.
حتى الآن، لحظة كتابة هذه السطور، لم أستمع لأغاني الألبوم الجديد الذي أخذ نمره يطلقها، كالحمائم، واحدة واحدة منذ شهر، وذلك لأني لم أجد الوقت الكافي لفعل ذلك. هذا لا يعني أنني مشغول جداً لدرجة أن وقتي لا يسمح بأغنية مدتها 5 دقائق على أكثر تقدير، فأنا أصلاً لا أفعل شيئا في حياتي اليومية أكثر من الاستماع للأغاني! ما أقصده هو أنني، حتى الآن، أجلت الاستماع لأغاني ألبوم "مولود سنة 80" إلى حين أجد الوقت والمزاج الذي يحتاجه تذوق إنتاجات حمزة نمره بالذات.
ما عدا استثناءات قليلة مثل أغنية " داري يا قلبي " التي تسحر الأذن مباشرة، ومثلها أغنية " فاضي شوية"، وهي الوحيدة التي استمعت لها من الألبوم الأخير، معظم أغاني حمزة نمره تحتاج إلى نوع من التمرين من أجل تذوقها والافتتان بها. الإبداع فيها لا يظهر من مجرد زيارة عابرة، فهي تتمتع بكبرياء خاصة تأبى عليها أن تعطي من المتعة إلا بقدر ما تعطى من اهتمام المستمع. هذه علامة على جهد كبير يبذله نمره لأغانيه، بالمقارنة مع الإنتاج الغنائي السائد الذي يأتي معلباً جاهزاً للاستهلاك مستغلاً المزاج الخامل والمخيلة المرهقة للمستمع .
منذ ألبومه " إنسان"، وهو المحطة التي اكتشفته فيها أول مرة، أظهر حمزة نمره نواياه في طرق مساحات جديدة على مستوى الكلمات والموسيقى، فأحدث بذلك الكثير من الدهشة لدي لأني كنت معتاداً على قالبين غنائيين، لا أتوقع لهما ثالثا: الديني والدنيوي: الأناشيد الإسلامية التي نشأت عليها كطفل لأب إسلامي، والأغاني التي كنت أسترقها خفية من خلال "راديو سوا" أو عندما أنفرد بالتلفاز وحدي. الأولى موضوعها الجهاد الإسلامي عادة، والثانية موضوعها الحب أو - بالأحرى- العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة.
تزامن اكتشافي لحمزه نمره من انطلاق أحداث الربيع العربي، وكنت أستمع لأغانيه مثل "إنسان" و "احلم معايا" و "التغريبة" و "يا طير" و "ابن الوطن" وغيرها في ذات الوقت الذي كان فيها الثورات العربية تملأ الشاشات وتملأ الأحاديث اليومية؛ ولأن حمزة نمره كان من مؤيدي الثورة، فقد كنت أجد في أغانيه التجسيد الفني لروح الثورات الشبابية .
على سبيل المثال، في إحدى أغانيه إبان الثورة، يدندن حمزة :
كنا مش حاسين بقيمة
والأمل موضة قديمة
بس في ثانية افتكرنا
إن بلدنا دي عظيمة
ارفع راسك انت مصري .
كانت مثل هذه الكلمات البسيطة، الهادئة، والتي تخاطب واقعاً مباشراً، فيها ما يمتع وما يتحدى الذوق المألوف. أغاني جديدة في ظلال واقع جديد فرضته الثورات.
منذ ذلك الحين، توالت أغاني حمزة نمرة، وكانت رائعة على الدوام، وتحاكي أحاسيسنا كشباب في كل مرحلة بوفاء وأناقة وجرأة. مع بداية انهيار الثورات وظهور الثورات المضادة، كانت هناك أغنية "واقول لك إيه" التي تعاتب - كما أشعر بها أنا على الأقل - الثوار على نزاعاتهم البينية المجنونة، وعندما انتصرت الثورات المضادة تماماً، لم يزايد حمزة نمرة علينا بأمل متكلف لا سبيل إليه، فغنى لنا "يا مظلوم" التي يؤجل فيها المعركة إلى الحياة الآخرة، ثم جاءت بعد ذلك الأغنية الشهيرة "داري يا قلبي" يتعقب فيها الانهيارات النفسية لجيل الثورة، ويصف ما يستبد بهم من حزن لا سبيل لإخفائه، ويصف ما أصبحوا يميلون إليه من العزلة والاختفاء بعد ذلك الخروج الكبير إلى الميادين والشوارع في 2011 .
الآن سأذهب للاستماع إلى أغاني الألبوم الجديد "مولود سنة 80"، وكنت قد استمعت سابقاً إلى أغنية "فاضي شوية" واستطعت أن أفهم أن حمزة نمرة يحاول استدراجنا شيئاً فشيئاً خارج العزلة الذي فرضها اليأس منذ سنوات .
* المقال خاص بموقع "المهرية نت"