آخر الأخبار
تحميل الثورة وزر الانقلاب!
من اليسير ملاحظة كيف أن ذكرى الفاجعة الوطنية 21 سبتمبر قد تحولت عند كثير من اليمنيين إلى مناسبة للوم ثورة الحادي عشر من فبراير وذمها باعتبارها كانت المقدمة الحقيقية للفاجعة!..يتجلى في هذا الموقف مستوى متقدم جداً من التدليس والسعي لاستغلال حالة اليأس والسخط الشعبي من أجل تمرير أكاذيب معاكسة بشكل فاقع لحقائق التاريخ القريب، فما من وقت أنسب للكذب والتضليل من هذه الفترة الحالكة التي تعاني فيها ذاكرة اليمنيين من إجهاد كبير، وتغرق نفوسهم في شعور متضخم بالذنب بسبب ما آلت إليه أوضاع البلاد .
ومن اليسير أيضاً تحديد الجهة التي تغذي هذا التضليل لأن محاولة تحميل الثورة وزر الانقلاب الحوثي تقترن دائماً بالنواح الصاخب على عهد علي صالح، وتمجيد ما يصورونه كموسم من الرفاه الاستثنائي عاشه اليمنيون تحت ظل "الزعيم" وخسروه للأبد مع الثورة عليه!.
لعله من حسن حظ ثورة فبراير أن تبتلى بخصوم لا يراعون القدر الأدنى من العقلانية والمنطق ولا الأخلاق في مساعيهم لذمها؛ وإلا كيف يعقل أن يحاولوا إسقاط حقيقة أساسية ومباشرة من مشهد 21 سبتمبر، وهي أن علي صالح كان أهم صناع هذه الكارثة؟!..الأمر هنا يتعدى مجرد التحريف إلى محاولة عكس كلي للحقائق، وهو ما يزيح عن أنصار الثورة عبئاً ثقيلاً في سياق مقاومة هذه الحملات وكشف الباطل الماثل فيها بوضوح.
وإذا كنت قد أشرت مطلع المقال إلى تبني كثير من اليمنيين لموجة ذم فبراير 2011؛ فلا بد من التوضيح هنا أن الدافع إلى ذلك هو الإرهاق وعقدة الشعور بالذنب أكثر مما هو الانسياق خلف حملات مكشوفة وسافرة الغباء من هذا النوع.
على الرغم من ذاكرتهم المجهدة وكل آلامهم، فإن اليمنيين لا يمكنهم نسيان الابتسامة الشهيرة لعلي صالح عشية سقوط صنعاء في سخرية فاضحة من فاجعتهم، وكأنه كان يقول للناس " أنا وراء كل هذا "!.
ما الذي يمكن طمسه أو نسيانه في واقعة تسليم عشرات المعسكرات التابعة لصالح طوعياً للمليشيا على طول الطريق من صنعاء إلى عدن، وظهور المشايخ القبليين الموالين لصالح في مقدمة صفوف الحوثيين، وانخراط أدواته الإعلامية في الدعاية الحوثية بشكل فاضح؟!.
وكيف يمكن التخلص من عشرات الخطابات والتصريحات الخاصة بصالح وهو يثني على الحركة الحوثية ويغازل السيد؟!..وإجمالاً، كيف يمكن شطب ثلاث سنوات من التحالف الرسمي بين صالح والحوثيين؟.
إنها مهمة مستحيلة ولا شك، ولكن أنصار صالح، أو أنصار جثته بمعنى أوضح، لا يكترثون لكل هذا طالما أن الزمن بالنسبة لهم قد توقف عند الثورة على نظام زعيمهم في 2011!.
وإذا كان من المستحيل قلب حقائق التاريخ القريب المتعلق بنكبة 21 سبتمبر الذي بالكاد يمكن تسميته تاريخاً لقرب عهده، فإن محاولة التعمية على الواقع الراهن أكثر استحالة مع حقيقة أن ثورة فبراير وقواها هي من أخذ على عاتقه مهمة التصدي لمشروع الحوثيين الذي دخل حيز التنفيذ في 21 سبتمبر 2014.
بما أن هناك إجماعاً على اعتبار هذا اليوم نكبة على الوطن، لماذا تتوقف مساهمة أنصار صالح على النواح واللوم، ولا تتجاوز ذلك إلى موقف إيجابي فاعل إزاء الواقع الذي فرضه دخول الحوثيين صنعاء وتمددهم في المحافظات؟.
من غير المعقول أن يتركز سخط "العفاشيين" كله على ثورة فبراير باعتبارها الثغرة التي تسلّل منها اللص الحوثي، ولا يحتفظون بأي نصيب من هذا السخط على اللص نفسه، رغم ما في هذا التشبيه من تبسيط.
خلاصة القول أن أي محاولة لإدانة نكسة الحادي والعشرين من سبتمبر من خلال إدانة الحادي عشر من فبراير هي تعبير عن انحطاط عقلي، وتصبح تعبيراً عن انحطاط أخلاقي أيضاً حين يُراد منها تمجيد صالح وإظهاره كنقيض مثالي للحوثيين؛ وإذا حدث أن لاقت هذه المحاولة حظاً من النجاح، كما هو واقع الحال للأسف، فذلك لأن الكثير من الضرر النفسي قد فعل فعله في اليمنيين.