آخر الأخبار

"الزيدية في إيران والعراق واليمن".. رؤية متكاملة لتاريخ حافل بالعقبات والحوادث

غلاف الكتاب

غلاف الكتاب

المهرية نت - العربي الجديد
الجمعة, 10 يوليو, 2020 - 02:46 صباحاً

صدر حديثًا عن سلسلة "ترجمان" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب "الزيدية في إيران"، وهو ترجمة مصطفى أحمد البكور العربية لكتاب محمد كاظم رحمتي بالفارسية "زيديه در ايران". هذا الكتاب بحث علمي يسعى لبسط رؤيةٍ متكاملةٍ لتاريخ الزيدية في إيران والعراق واليمن، على الرغم من أنّ الأخبار المتوافرة عن هذه الفرقة ما زالت مشتّتة ومبهمة.

 

يركّز الكتاب على التأثير الإيراني في تاريخ الزيديّة، وإبرازه كونه أكبر من مجرّد ناقل للتراث الزيدي أو الرّابط بين مقلبيه في العراق واليمن، وعدَّه فاعلًا ومطوِّرًا له في أثناء مراحل خطرة من تاريخ هذه الفرقة الحافل بالعقبات والحوادث. ويتألف الكتاب (404 صفحات بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من خمسة فصول وثلاثة ملاحق.

 

مصادر تاريخ الزيدية

 

في الفصل الأول، "مدخل إلى مصادر تاريخ الزيدية"، يتطرق المؤلف إلى المصادر الأصليّة لدراسات الزيديّة، ويهدف إلى تسهيل عمل الباحثين في هذا الباب، لهذا اتّسم بنوعٍ من التفصيل. يتناول المؤلف في هذا الفصل بدايات الكتابات التاريخية عن الزيدية، والمؤرخين العراقيين وجهودهم الفردية في التدوين عن حركات العلويين مثل أبي مِخنف لوط بن يحيى الأزدي وعلي بن محمد المدائني، ومؤلفات علم الأنساب وأهميتها في دراسات الزيدية، وتدوين السِّيَر وأهميتها في تدوين تاريخ الزيدية في اليمن.

 

يقول رحمتي: "في هذا النوع من الآثار، والتي غالبًا ما يكون مؤلّفها أحد مقرّبي الإمام الزيديّ، وفي معظم الأحيان الكاتب الشخصي للإمام، موضوعات في تأييد مشروعيّة ذلك الإمام وسرد إجماليّ لأحوال حياته قبل ادعائه الإمامة، والتفصيل فيها بعد ذلك الادّعاء، وكذلك عرض خصائصه التي جعلته يستحقّ لقب الإمام. والحقّ أنّ أهم خصائص السِّيَر المكتوبة لدى الزيديّة هو إمكانيّة معرفة أسباب معارضة الإمام المدّعي للإمامة من خلال تلك الموضوعات التي يؤكّد عليها كُتّاب تلك السِّيَر. إنّ الأخبار المجموعة في هذا النوع من الآثار هي عبارةٌ عن روايات مستقاة من الشهود المرافقين للإمام، أمّا في المتون الزيديّة اللاحقة فقد تمّت الإفادة أيضًا، فضلًا عن هذه المصادر، من الوثائق والرسائل الحكوميّة المكتوبة، وذلك تبعًا لعمل المؤلِّف الذي يمكن أن يكون كاتبًا رسميًا للإمام".

 

نشأة الزيدية

ويتناول رحمتي، في الفصل الثاني، "نشأة الزيدية"، تشكّلَ الزيديّة، ويبحث في المراحل الأولى لظهورها ونشأتها، متحدثًا عن زيد بن علي في مذهب الشيعة الإمامية، والزيدية بعد شهادة زيد بن علي، والمجموعات الزيدية الأولى في الكوفة، وأبي الجارود زياد بن المنذر وأهميته، والقاسم بن إبراهيم الرسّي ودوره في تكوين علم الكلام وعلم الفقه الزيديَين، وتأثيره في تكوين الفقه الزيدي، عارضًا بعض آراء الرسّي الكلامية.

 

في باب زيد بن علي في الشيعة الإمامية، يقول رحمتي: "لعلّ الرؤية المتفاوتة لزيد بن عليّ في مسألة الإمامة، ولا سيّما في قضية النصّ الخفيّ في مقابل النصّ الظاهر، واعتقاده وجوب القيام، هي أهمّ نقاط الاختلاف بينه وبين الإماميّة، ففي مؤلّفات الزيديّة وردت أقوالٌ منسوبةٌ إلى زيد بن عليّ ذكر فيها الشيعة الإمامية باسم الرافضة، كما أنَ ثمّة روايات في المذهب الزيديّ تمّ فيها مبايعة الإمام الباقر عليه السلام لأخيه زيد، وهناك رواياتٌ ورد فيها أنّ القيام هو شرطٌ للإمامة، ويغلب على الظنّ أن هذه الروايات قد اصطنعها زيديّة الكوفة والعراق. وفي مذهب الإماميّة وردت أحاديث في ذمّ زيد بن عليّ، ولا سيّما اعتقاده باستحقاقه للإمامة، وقد نقل المسعوديّ خبرًا مفاده أنّ الإمام الباقر أجاب على استشارة زيدٍ إياه في القيام، بتحذيره من ذلك، بسبب خيانة الكوفيّين".

 

إمارات طبرستان العلوية

 

أما الفصل الثالث، "نشأة الإمارات العلوية في طبرستان"، فيتناول فيه رحمتي وصول الزيدية إلى طبرستان وديلمان (الديلم)، والحسن بن زيد وتأسيس إمارة العلويّين في طبرستان، والإنجازات العمرانية والمذهبية للحسن بن زيد، وإمارة الداعي الصغير محمد بن زيد، والناصر الأطروش والبداية الجديدة لحكومة علويّي طبرستان، والتراث الثقافي للناصر الأطروش والمدرسة الفقهية الناصرية، والحسن بن القاسم المشهور بالداعي الصغير، والإمارة المحلّية للثائرين في هُوسَم، وأبا عبد الله المهدي لدين الله، والمؤيد بالله وإمارته على لنجا وهُوسَم، وينتهي إلى ترجمة آخر الأمراء العلويّين الزيديّين في الديلم، أبي طالب يحيى بن أحمد بن الحسين المؤيّد بالله أحمد بن الحسين الهارونيّ.

 

يختم رحمتي هذا الفصل بالقول: "تتجلّى السمة المهمّة لمرحلة إمامة أبي طالب في الوحدة السياسيّة بين زيديّي اليمن وزيديّي إيران، وقد استمرّ هذا الاتحاد في المرحلة التالية، لكن عدم وجود رجل من السادات الزيديّة الإيرانيّة ممن يمتلك مقوّمات الإمامة أدّى إلى اتّباعِ زيدية إيران الأئمة الزيديّة في اليمن. والحق أنّه بعد تشكيل الدولة الزيديّة الثانية في اليمن على يد المتوكّل على الله أحمد بن سليمان، والذي قام عام 532ه وادّعى الإمامة، فإنّ زيديّة إيران قبلوا إمامته؛ الأمر الذي استمرّ في مرحلة إمامة الإمام التالي للمتوكّل على الله أي عبد الله بن حمزة الذي بويع في عام 594ه".

 

تراث ثقافي علوي في طبرستان

 

يتطرق رحمتي، في الفصل الرابع، "التراث الثقافي للعلويين في طبرستان"، إلى الأَخَوين الهاروني ومكانتهما في مذهب زيديّة طبرستان، والمجتمع الزيدي في الريّ، وكتاب الاعتبار وسلوة العارفين للشجري وأهميته، والمدارس الفقهية لزيدية طبرستان، وزيدية خراسان، والعلاقات الثقافية بين الزيدية والإمامية والإسماعيلية.

 

بحسب المؤلف، "ووفقًا للمعلومات الموثّقة كلّيًّا، فقد كانت مدينة الريّ من المراكز المهمّة لمسيحيي إيران، وكان يقطنها الأساقفة، وفي أثناء القرون الإسلاميّة الأولى حافظت على مكانتها المذهبيّة بوصفها مركزًا من المراكز المهمّة للزردشتيّين، ولعلّ ما يثبت ذلك بقايا المحارق الزردشتيّة التي ما تزال باقيةً حتّى الآن، إلا أنّه لسوء الحظّ ضاع التراث المسيحي والزردشتي المكتوب هناك، ولم يتمّ العثور حتّى الآن على أيّ أثر أو بقايا له. أسهمت هجرة علماء الزيديّة إلى الرّيّ منذ القرن الثاني في استقرار كثير من الجماعات الزيديّة فيها، ولعلّ ما رفع من مكانة المجتمع الزيديّ هنالك هو وصول آل بويه إلى السلطة، وإقامة الصاحب ابن عبّاد فيها وانتعاش المدينة في تلك الحقبة، ودعوة علماء المعتزلة المشهورين إلى تلك المدينة، كالقاضي عبد الجبّار المعتزليّ".

 

الدولة الزيدية في اليمن

 

في الفصل الخامس والأخير، "الدولة الزيدية في اليمن"، يعرض المؤلف لأهمّ الشخصيات العَلَويّة المُهاجِرة، وتيّار انتقال التراث الثقافي لزيدية إيران إلى اليمن في القرن السادس، والدور الذي أدّاه القاضي جعفر بن عبد السلام المِسوَري، وأهمّيّة المذهب الزيديّ الإيرانيّ في التحوّلات الفكريّة لزيديّة اليمن، متحدثًا عن الهادي إلى الحق وتأسيس الدولة الزيدية في اليمن، والتراث العلمي للهادي، ووفاة الهادي وبداية الاضطرابات بين زيدية اليمن، والعلاقات الزيدية اليمنية - الإيرانية بعد المنصور بالله.

 

يكتب رحمتي: "من الأمور اللافتة في زيديّة إيران واليمن ذلك الارتباط الواسع بين هذين المجتمعين الزيديّين؛ فالعلاقات بينهما دافئة، على الرغم من وجود مسافة كبيرة بين الطرفين، وقد شهدت هجرات متبادلةً لكثير من علماء الزيديّة الإيرانيّين واليمنيّين بين كلّ من إيران واليمن. وكما رأينا، فإن بعض السادات الزيديّة أعلنوا قيامهم وثورتهم وادّعوا إمامتهم بعد انتقالهم من موطنهم الأصليّ إلى ربوع الطرف الآخر".

 

ثلاثة ملاحق

 

في ختام الكتاب ثلاثة ملاحق؛ كان قصد المؤلف من إيرادها استكمال بعض الموضوعات السالفة وترميمها. يبحث الملحق الأوّل في مجتمع السادات، ولا سيما الزيديّة النيسابوريّة، وأمّا الثاني، فيتناول أهمّيّة التراث الزيديّ الإيرانيّ، وانتقاله إلى اليمن في القرن السادس، وذلك اعتمادًا على إجازة واردةٍ في مخطوط كتابٍ تمّ العثور عليه مؤخّرًا، ويعود لأبي رشيد النيسابوريّ، وهو موجودٌ في مكتبة جامع صنعاء الكبير، وفيه متن إجازةٍ تلقاها عالمٌ زيديٌّ يمنيٌّ في نيسابور من عالمٍ زيديٍّ إيرانيٍّ.

 

أمّا الملحق الثالث، فهو عبارة عن نماذج من أهمية التراث الزيديّ في دراسات تاريخ الإماميّة في القرنين الثالث والرابع الهجريين.

 




تعليقات
square-white المزيد في ثقافة وفنون