آخر الأخبار
كيف جرى شلال الدماء نتيجة الاغتيالات في عدن بعد وصول الزبيدي وشايع؟ (تقرير خاص)
الإثنين, 26 أغسطس, 2024 - 05:19 مساءً
بين الحين والآخر يطفو على السطح جانب من الجرائم التي دأبت مليشيا المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً على ارتكابها في مناطق سيطرتها، ولعل واحدة منها هي جرائم الاغتيالات. لم يعُد هذا الملف سراً لكن انكشاف المزيد يؤكّد حجم ما تمارسه المليشيا؛ والذي لم يكن ليستمر ويتوسّع لولا غياب العقاب.
هذه المرة كشفت اعترافات موثّقة في محاضر رسمية في نيابة الاستئناف بمحافظة الضالع دوّنت عام 2021؛ يتحدث فيها أحد أفراد العصابة عن تنفيذ عملية اغتيال؛ والتي دائماً ما يشارك فيها عدد من المنفذين توكل إلى كل شخص مهمة، من مراقبة المكان والمجني عليه، وصولاً إلى التأكد من وفاته، ودفع المقابل للمنفذين.
تظهر الاعترافات التي أدلى أحد أفراد العصابة، للأجهزة القضائية بمحافظة الضالع، أن شلال شايع المعيّن بقرار من رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي رئيسًا لجهاز مكافحة الإرهاب؛ يدير تلك العصابات ويدفع لها، مقابل تنفيذ عمليات اغتيال بحق شخصيات اجتماعية ودينية وسياسية وعناصر بالمقاومة في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية.
ووفق الاعترافات يوجّه شائع، الذي شغل سابقاً منصب مدير أمن عدن، أفراد العصابات المنظمة؛ وقد وردت في الاعترافات أسماء عناصر قيادية في العصابة بينهم "أبو كاظم"، سامح النورجي أحد المتهمين في قضية اختطاف المقدم علي عشال الجعدني.
"طلبوا مني الانضمام إلى الخلية وقالوا إنها تتبع شلال شائع، وبعدها ذهمنا إلى منزله في جولدمور والتقينا به؛ وأكّد لنا أن هذا العمل (الاغتيالات) من أجل الجنوب"... جزء مما ورد في الاعترافات، وكانت الخلية تنفذ الاغتيالات الموكلة إليها ثم تعود إلى إحدى الشقق السكنية المحددة لها.
توضح الاعترافات أيضًا أن عناصر الخلية تلقوا تمويلاً لعمليات الاغتيالات، ودفعت لهم مبالغ تتراوح بين 1500-2000 ريال سعودي كراتب شهري، وبين الخلايا من يكونوا عناصر رئيسية وآخرون "احتياط"، وبعضهم توكل إليهم مهام تنفيذ اغتيالات في حال فشل عناصر أخرى..
في عام 2020 أعلنت رابطة ذوي ضحايا اغتيالات عدن "رفع دعاوى عبر مكاتب محاماة دولية لتقديمها إلى المحاكم الدولية بعد ثبوت تعثّر سير إجراءات العدالة داخلياً".
وقالت الرابطة حينها "بمناسبة الذكرى الخامسة لاغتيال محافظ عدن الأسبق اللواء جعفر محمد سعد إن العدالة لم تتحقق في قضية اغتياله رغم مرور خمس سنوات على وقوعها وإعلان أمن عدن القاء القبض على القتلة".
كان هذا البيان يظهر على الأغلب غياب الثقة في الأجهزة الأمنية والقضائية، لكن الاعترافات جاءت لتؤكد أن من كان على رأس الأجهزة الأمنية ظل لسنوات يدير ملف الاغتيالات، ويستخدمه لاستهداف الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية مستفيداً من حالة عدم المحاسبة في ظل الدعم الذي يوفّره التحالف السعودي الإماراتي للمليشيات منذ بدء تشكيلها.
لم تظهر الاغتيالات وتنتشر وتبدو الجهات المنفذة لها كعصابات منظمة إلا في ظل التواجد الإماراتي، والدعم الكبير الذي قدمته أبوظبي لمليشيا المجلس الانتقالي بمختلف تشكيلاتها، ودائماً ما ظهرت أسماء قيادات وعناصر منتسبة تلك التشكيلات في محاضر اعترافات للجناة.
أنشأت الإمارات مليشيا، وقدمت لها كل أشكال الدعم، وصولاً إلى جلب خلايا أجنبية ومرتزقة لتنفيذ سلسلة من الاغتيالات طالت عدداً من قيادات التجمع اليمني للإصلاح، والخطباء، والسياسيين والشخصيات الاجتماعية.
وفي الفترة ما بين 2015 و2018، تمت تصفية نحو ثلاثين عضواً في حزب الإصلاح وحده، وتقول تقارير حقوقية إن الفترة من 2015 إلى 2020 شهدت أكثر من 200 عملية اغتيال معظمها في محافظة عدن؛ وهو ما أكدته "منسقية مناصرة ضحايا الاغتيالات في عدن".
كما أوضح تقرير لمنظمة سام للحقوق والحريات بعنوان "القاتل الخفي"، أصدرته في يناير 2019م أن محافظتي عدن وتعز فقط شهدتها أكثر من 300 عملية اغتيال مابين 2015-2018م.
يشير التقرير ذاته أن موجة الاغتيالات بدأت في عدن بعد استعادتها من الحوثيين في يوليو 2015م بوقت قصير، وشهد يناير 2016 وحده 18 عملية اغتيال، بعد عمليات محدودة في الأشهر التي سبقته، وكان ذلك متزامناً مع تعيين عيدروس الزبيدي محافظاً لعدن، وشلال شائع مديراً للأمن في المحافظة.
* 5 فئات استهدفتهم عمليات الاغتيال في عدن وفق منظمة سام
موجة الاغتيالات تلك استمرت لسنوات، ولا تزال بين فترة وأخرى تظهر بعض خيوط تلك الجرائم؛ ويقول حقوقيون إن الأجهزة الأمنية أداة من أدوات الاغتيالات طالما أنها أظهرت حرجًا وعجزا في متابعة وكشف مرتكبي تلك الجرائم.
في 6 ديسمبر 2015 اغتيال محافظ عدن حينها جعفر محمد سعد، وبعد أشهر أعلن مدير أمن المحافظة حينها شلال شايع القبض على المتهمين، لكن إلى اليوم تم تناسي ملف الجريمة، ومثله ملفات أخرى لاغتيال أئمة وخطباء وضباط وأفراد في المقاومة ومنتسبي القضاء وقيادات في حزب الإصلاح؛ إذ دائمًا ما تنتهي التحقيقات إلى طريق مسدود أو تقيد ضد مجهول.
وفي تصريحات سابقة لـ "المهرية" قال المحلل السياسي محمد بلفخر إن العاصمة المؤقتة عدن تشهد استهدافاً ممنهجاً للعلماء والدعاة وأئمة المساجد وأساتذة الجامعة والقيادات الأمنية والعسكرية النظيفة.
وأضاف بلفخر، أن المدينة تشهد هذه الجرائم المتتالية والمنظمة وسط صمت مطبق ممن يحكمون العاصمة المؤقتة، مضيفاً: "أركان الدولة من مفكرين وعلماء تهدم!، فكيف يفكر الانتقالي في بناء الدولة".
من جانبه قال رئيس منظمة سام للحقوق والحريات توفيق الحميدي إن الجهة التي تسيطر على الأرض مسؤولة عن أي انتهاكات، و"من المهم أن نرى تحقيقاً وطنياً يكشف الجهات التي تقف خلف مسلسل الاغتيالات".
وأضاف: "لايمكن أن تقيد كل تلك الجرائم ضد مجهول، وبحسب بيانات الجهات الأمنية أنهم كشفوا عمليات معقدة مثل عملية استهداف مطار عدن، دون أن يكشفوا تفاصيل متعلقة بجرائم الاغتيالات".
وتابع: الجهات الأمنية إن جاز التعبير هي أقل سلطة من الجهات النافذة، وهناك جهة واحدة يشار إليها في كل الانتهاكات، والجهات الأمنية غير قادرة على إنصاف من يشتكي، وبالتالي لايمكن أن ننسب هذا الملف إلى الانهيار الأمني.
من المحافظ جعفر محمد سعد، إلى الشيخ سمحان عبد العزيز الراوي أحد أبرز قياديي المقاومة الشعبية والمعروف باسم الشيخ راوي، ومدير إدارة تحفيظ القرآن الكريم بمكتب التربية والتعليم في عدن إيهاب باوزير، والشيخ عبدالرحمن مرعي العدني، وغيرهم العشرات الذين استهدفتهم عمليات الاغتيال، وأكدتها التحقيقات والاعترافات، والتقارير المحية والدولية.
على خلفية انتشار جرائم الاغتيالات أشار تقرير فريق الخبراء الأممي الصادر في يناير 2019م إلى مسؤولية قوات المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًا عن عمليات اغتيال عدد من علماء الدين والناشطين السياسيين وقيادات في حزب الإصلاح بعدن خلال الفترة الماضية.
ومطلع العام 2024 نشرت "بي بي سي" تحقيقاً عن المرتزقة الأجانب الذين تولوا تنفيذ عمليات اغتيال في اليمن بتمويل إماراتي، وتحدث في التحقيق جندي سابق في البحرية الأمريكية، أصبح في ما بعد رئيساً لشركة أمنية خاصة، قال إنه كان واحداً من العديد من الأميركيين الذين استأجرتهم الإمارات لتنفيذ اغتيالات؛ وقال إن مهماته شملت اغتيال السياسي في حزب الإصلاح أنصاف مايو.
باغتيال العشرات بدا واضحاً أن ملف الاغتيالات كان يدار بشكل واسع، ويسعى لإخلاء الساحة للمليشيا المدعومة إماراتياً، ليس بذريعة ما قاله أحد الجناة في الاعترافات أنه "من أجل الجنوب"؛ بل لتهيئة الجنوب لأجندة لا يتفق معها من تعرّضوا للاغتيال.