آخر الأخبار
سقطرى.. بداية شرارة ثورية في سبيل طرد الاحتلال الإماراتي (تقرير خاص)
قوات إماراتية في اليمن - رويترز
الجمعة, 26 أبريل, 2024 - 09:23 صباحاً
مع تواصل العبث الإماراتي المستمر في جزيرة سقطرى اليمنية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، يستمر الرفض الشعبي من أبناء الأرخبيل بعدما تكشف النقاب عن مخطط أبوظبي لفرض السيطرة على مفاصل الجزيرة في إطار مساعيها الحثيثة لإحكام قبضتها على الجزر اليمنية.
ففي منتصف هذا الأسبوع قام المئات من المجندين في أحد معسكرات التدريب التي استحدثتها الإمارات مؤخرا، بإغلاق بوابة المعسكر، والقيام بضرب أحد الضباط الإماراتيين، وطرد العناصر الإماراتية من المعسكر ومحاصرته ، وفقا لمصدرين محلي وعسكري لموقع" المهرية نت ".
تمرد على المحتل
وبالرغم من بقاء جزيرة سقطرى آمنة لفترة طويلة بفضل موقعها الجغرافي الذي ينأى بها عن الاضطرابات في الأراضي اليمنية، فإن شظايا الحرب- التي أعلنها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات- وصلتها، حيث باتت اليوم تخضع للسيطرة المباشرة للإمارات التي تفرض نفوذها العسكري عليها بشكل كامل بعد الانقلاب العسكري على القوات الحكومية عبر ذراعها المجلس الانتقالي في عام 2020.
ويشرف الضباط الإماراتيون على القوات العسكرية في الجزيرة، والمتواجدين في مناطق عسكرية مغلقة، كما أنها عملت على إنشاء قاعدة جوية لها غرب مطار سقطرى تحت إشراف ضابط إماراتي، وقد برز الحضور العسكري المباشر في الجزيرة بقوة في مايو/ أيار 2018، حين أقدمت الإمارات على إرسال قواتها بشكل مفاجئ إلى مطار سقطرى بلا تنسيق مع الجانب الحكومي، وفقا ما صرح به الباحث السياسي سعد الوجيه".
وقال الوجيه في حديثه لموقع "المهرية نت ": جندت أبو ظبي في البداية نحو 1000 شاب من الجزيرة، خضعوا لتدريبات مكثفة في الإمارات لعدة أشهر وجرى توزيعهم على نقاط عسكرية في الأرخبيل، في الوقت الذي تجاهلت فيه مئات الشباب السقطري الذين تلقوا تدريبهم عن طريق السلطات الشرعية ".
وأضاف:" ما حدث يوم الإثنين الماضي من تمرد الجنود على الضباط الإماراتيين مؤشر خير، وبداية في طريق رحيل المحتل، حيث عرف الجنود أن هؤلاء مستعمرون، ولا بد من أن الرسالة وصلت إلى أبو ظبي، بأن عليها الاستعداد لرحيل من الجزيرة اليمنية ".
وأردف: ما قام به الجنود اليمنيون ضد الضباط الإماراتيين، هو صورة مصغرة لما يحدث لها في الأخير، وهو الذي تخشاه الإمارات، الأمر الذي يبدد ما تخطط له الإمارات من أن تصبح منطقة خليج عدن والبحر العربي كلها تحت سيطرتها بدءا من سقطرى في الجنوب وصولا إلى سواحل الجنوب اليمني في الشمال، مرورا بجزيرة ميون بباب المندب ناحية الشرق، إلى ساحل القرن الإفريقي والصومال غربا".
سيطرة عسكرية لمستعمر
منذ اشتعال الحرب، ومع التدخل العسكري السعودي في اليمن في مارس عام 2015، ومحاولة الإمارات الدخول كلاعب أساسي في المشهد بجانب السعودية، بدأت أبو ظبي في نسج خيوطها لإحكام السيطرة على الجزر الواقعة في المنطقة الجنوبية لليمن والمطلة على الخليج العربي، لا سيما ميناء عدن وجزيرة سقطرى.
فبعدما قفزت عاصفة الحزم من ساحة معركتها الأصلية المفترضة- أي جبهات القتال ضد الحوثيين في شمال اليمن- إلى قلب هذه البقعة الهادئة والساحرة من العالم "سقطرى"، حيث عمدت الإمارات إلى تحويلها إلى قواعد عسكرية واستخباراتية.
وتعمل الإمارات بشكل متسارع ومتواصل على إنشاء القواعد العسكرية، وكان آخر ما كشف عنه تحقيق استقصائي لمنصة إيكاد في مطلع العام الحالي، ما اعتبرها التحقيق "تطورات متسارعة في القاعدة الإماراتية في جزيرة عبدالكوري اليمنية، إحدى جزر أرخبيل سقطرى".
وذكر التحقيق أن: "أول هذه التطورات تمثل في ظهور لسان بحري في الجزيرة طوله 129 مترا وعرضه 8 أمتار، كما رصدنا ظهور صناديق بضائع في هذا اللسان البحري، وفي الطرق الترابية الممهدة نحوه، التي نرجح أنها تحمل المعدات والأدوات المهمة من أجل بنية القاعدة التحتية خاصة، ومن أجل الجزيرة عامة".
وأوضح أنه "تبين أن عمليات بناء هذا المهبط وتشكيله تمت بعد أحداث 7 أكتوبر في غزة”. كما رصد التحقيق“ زيادة بنحو 120 مترا في طول المدرج الرئيسي في القاعدة، ليصبح طوله بعد الاستحداث الأخير 3 كم".
ولم يكن بناء المدرج الوحيد للتحركات الإماراتية في المنطقة، إذ إنها تأتي بالتزامن مع العديد من الخطوات التي خطتها الإمارات في هذا المربع، منها إنشاء القواعد العسكرية في جزيرة ميون بباب المندب وأخرى غربا في ساحل أرض الصومال المطلة على مياه خليج عدن وباب المندب، وفقا لما صرح به الأكاديمي اليمني إبراهيم الفصيح.
وفي حديثه لموقع" المهرية نت "يقول الفصيح إن:" طبيعة العمل المتسارع للإمارات في جزيرة سقطرى يكشف أنها تخدم أبو ظبي من شقين: الأول: في كون الجزيرة مركزا ملاحيا اقتصاديا يتمتع بموقع مميز في سواحل اليمن والقرن الإفريقي، والثاني: إنها تخدم تكاملها العسكري الدفاعي الإستراتيجي مع قواعد عسكرية أخرى توجد بها قوات أمريكية، مثل قاعدة الريان جنوب اليمن، وقواعد عملت الإمارات على تطويرها وبنائها خلال الأعوام القليلة الماضية، مثل قاعدة ميون عند بوابة باب المندب، وقاعدة المخا المطلة على البحر الأحمر ".
ولم يستبعد الفصيح أن يكون لإسرائيل دور في ما تقوم به الإمارات من عسكرة لجزيرة سقطرى، إذا ما ربطناها بأحداث مشابهة قرب باب المندب.
ففي عام 2020، قبل عام من بدء تشغيل المدرج التي تعمل الإمارات عليه الآن، أفاد باحثون على مواقع أمريكية وفرنسية أن "الإمارات تعمل على خطة لإنشاء قواعد تجسس في جزيرة سقطرى اليمنية"؛ لمراقبة الملاحة الدولية في المحيط الهندي، بما في ذلك التحركات الإيرانية، لذلك الإمارات هي محتل يخدم محتل ، وكما سيرحل الاحتلال الإسرائيلي من فلسطين، سيرحل الاحتلال الإماراتي عن سقطرى اليمنية، وفق الفصيح.
تجاذبات المستعمرين منذ القدم
من البداية، أحضرت الإمارات الدبابات والمدفعية الثقيلة إلى الجزيرة، ومن ثم طردت العمال اليمنيين من مهبط الطائرات والميناء، ونتيجة لذلك، خرج سكان الجزيرة، إلى الشوارع مطالبين بطرد أبوظبي ، وكل هذا يفسر بأن الإمارات دولة محتلة وعليها الرحيل كما رحل من سبقها من مستعمرين، وفق الباحث اليمني فواز المجيدي.
وفي حديثه لموقع" المهرية نت "يقول المجيدي:" الأخبار المتداولة عن تمرد جنود، وقيامهم بضرب ضابط إماراتي ومحاصرة معسكر تدريبي، هي البداية والشرارة التي تحرق المستعمر، وتطرده كما طردت الحملات الاستعمارية السابقة.
وأضاف: "المستعمر الإماراتي ليس الأول الذي يأتي إلى سقطرى، ولن يكون الأخير، فقد شكلت سقطرى هدفا للحملات الاستعمارية، منذ العهد الروماني إلى الاستعمار الحديث مع جيوش البرتغال وبريطانيا، والجميع رحل عنها وبقاء أبنائها"
وتابع: كانت الجزيرة تحت حكم سلاطين المهرة في جنوب شرق اليمن لمدة طويلة، إلى أن أنتزعها منهم الاحتلال البرتغالي ثم البريطاني منذ بداية القرن 16 للميلاد، وبعد فشل محاولات البريطانيين شراء الجزيرة بالكامل، قبل السلطان بنظام الحماية فيها أواخر القرن 19 للميلاد، لينتهي نظام حكم السلطنة في الجزيرة عام 1967 مع انضمامها إلى اليمن الجنوبي المستقل ثم اليمن الموحد".
وأردف: "برغم كل محاولات الإمارات توظيف أدوات القوة الناعمة واستمالة السكان عبر برامج الدعم في التعليم والصحة والشغل، فإن كل اليمنيين لا يرون في الدخول الإماراتي إلى سقطرى إلا محاولة اعتداء على سيادتهم، ومحاولة لإخضاع جزء من أراضيهم للوصاية، خاصة أن الأمر يتعلق ببقعة استراتيجية وسط المحيط الهندي، فالسيطرة على هذه الجزيرة تعني السيطرة على واحد من أهم المعابر الدولية، وكما رأينا الجنود ينتفضون هذا الأسبوع، سنرى جميعا أبناء سقطرى وهم يطردون الإمارات وأدواتها من الجزيرة عما قريب".
والموقع الجيواستراتيجي لجزيرة سقطرى جعلها في قلب الأطماع الاستعمارية، لا لقيمتها الجمالية أو السياحية فقط ، بل أيضا لقيمتها الجيوسياسية، وقد عادت إليها اليوم عن طريق وكلاء المستعمرين الجدد في المنطقة، الذين يريدون إعادة ترتيب أوراق المنطقة.