آخر الأخبار
نوفمبر والدولة التي ننشد ومرارة الصراع المستمر
لنوفمبر أثر في حياتنا، منذ أن كان شغفنا الطفولي في منتصف الخمسينيات ومشاهد الكفاح المسلح في عدن، ومع اشتداد الصراع المسلح بين المقاومة والمستعمر بعد عملية المطار في ديسمبر 63م، الذي نفذها الفدائي ابن عدن خليفة عبد الله خليفة، واستهدفت رأس السلطة البريطانية في عدن، حيث قتل نائب المندوب السامي وجرح المندوب السامي، وعدد من السلاطين والأمراء الذين كانوا على أهبة الاستعداد للذهاب إلى عاصمة المستعمر لندن للتوقيع على اتفاقية الجنوب العربي، المشروع الذي رفضته عدن، وقواها الحية الرافضة لأي مشاريع من طباخة المستعمر، ويقدمه كبديل للمشروع الوطني الذي كان يتشكل في أذهان الثوار، ويتناولونه في حواراتهم الفكرية والثقافية والجماهيرية، وعلى رأسها المجلس العمالي، الذي خطط ونفذ العملية بالتعاون مع مصر عبد الناصر.
كان للعملية صداها بعد أن رفض المستعمر البريطاني مطالب أبناء عدن الستة وهي:
1. الحكم الذاتي لعدن
2. عدننة الوظيفة العامة، وعدم حصرها على الأجانب الذي يجلبهم المستعمر من بلدان الكومنولث البريطاني من آسيا وأفريقيا، وابن البلد في وظائف خدمية كتبة وعمال فقط، وهذا ما أحدث تفرقة عنصرية، جعلت العرب واليمنيين في مستوى طبقي متدن، بينما الأجانب لهم الأولوية في كل شيء.
3. التمثيل النيابي العادل
4. رفض مطلب الانضمام لاتحاد الجنوب العربي في ظل الاحتلال
5. رفض إقامة أي قاعدة عسكرية في عدن تحوي قنابل نووية.
6. مطالب انخراط أبناء عدن في القوات العسكرية المنظمة.
وكان المجلس العمالي ينظم الاحتجاجات العمالية والجماهيرية للضغط على المستعمر لقبول تلك المطالب، وبعد رفضه الكامل لها، فجر بتلك العملية الكفاح المسلح في عدن والتي كانت الشرارة الأكثر اشتعالا للكفاح، واستمرت وتيرة الكفاح المسلح تشتد شيئا فشيئا، ما دفع المستعمر لجلب مزيد من قواته لعدن، وقوات أكثر شراسة، كنا نشاهدهم منتشرين في أزقة وشوارع عدن بأسلحتهم وقبعاتهم ذات الريشة الحمراء.
يمكن القول إن قنبلة المطار أكثر فعالية وتأثير على وتيرة الكفاح المسلح في المدينة عدن، بعدها لم يتوقف الكفاح واستمر حتى تحقيق الاستقلال.
بشغفنا الطفولي كنا نشاهد الفدائيين، ولم نشعر أن هناك فرقا بين جبهة التحرير والقومية، والمجلس العمالي الذي كان يمثل اتحاد الشعب وبعض القوى العمالية، وبين الرابطة وغيرها من الفدائيين، كانت عدن تحتويهم تحت مظلة ديمقراطية وانتخابات تشريعية، وجماهير تهتف لهم، وهي تتطلع للتحرر من مستعمر، نحو بزوغ فجر الدولة الوطنية التي يفترض أن يحكمها ابن البلد، كانت نموذجا لها، باستيعاب الكل بمختلف أطيافهم وأعراقهم وثقافاتهم وتوجهاتهم السياسية.
صدمنا بالحرب الأهلية التي غيرت مسار ذلك الكفاح، وتحولت البندقية التي كانت موجها لصدر المستعمر، لصدر رفاق الكفاح، وشعرنا بحجم المؤامرة، وخاصة بعد انتصار طرف مارس أبشع الانتهاكات بحق رفاقه في الكفاح، مؤامرة استمر دابرها يعمل حتى فكك الطرف المنتصر، وفتت ما تبقى من قوى حية، وفكر للدولة الوطنية التي ننشد، انخرط الكل في الصراع الذي توارثه الأبناء والأحفاد.
ومع الأسف ما زال البعض منغمسا بأحداث المؤامرة، وتائه بين شخصياتها وحكاياتها المريرة، مستمتعا بدور الضحية، ومشكلا مع من ارتبطت مصالحه بالمؤامرة حلقة الصراع الذي ما زال يدور اليوم، وما زلنا نعيش مرارة وعلقم ذلك الصراع، حيث صار التسامح والسلام شعارا نتغنى به في الحفلات والخطابات، وما زالت البندقية موجه لصدر الأخ والرفيق والشريك، وما زلنا نطالب بالثأر والانتقام، وكلا يدعون الآخر للاعتراف، في مخاض عقيم دمرنا فيه جسور الثقة، وصدعنا اوصر العلاقات، وزدنا في الفجوة بيننا لحد أصبح الوطن اليوم مجرد كانتونات صغيرة، ومطالب مناطقية طائفية عقيمة.
انظر لعدن فقط، ستجد ما لم يتصوره العقل، صراخا وعويلا واتهامات وتخندقا مع القوي ضد الضعيف، وضعيف لا يريد أن ينهض مستمتع بدور الضحية، قابعا تحت ظروف وجدت بسبب عدم قدرته على النهوض، عسكرة القبيلة اليوم في عدن تحولت بديلا للدولة، وهي من توجه النظام والقانون، ومن لا قبيلة له لا حق له، ولا قانون سينصفه، القبيلة هي السلطة وهي الكفاءة وهي الجاه، وللأسف أقولها إن اللصوص والفاسدين والناهبين والقتلة والمجرمين محميون اليوم بقبائلهم.
من سخريات الواقع أن قبليا يحرك القضاء لينصفه، وقبيلي آخر يحرك القبيلة لتوقف حكم القضاء، مسؤول مالي اختلف مع وزارته تدخلت القبيلة لتصلح بينهما، فهل سيموت حلمنا بالدولة المدنية على أيدي القبائل، كما تم اغتيال فرحة الاستقلال في 30 نوفمبر من بندقية القبيلة؟!
المقال خاص بالمهرية نت