آخر الأخبار
النضوج الفكري وتجاوز المحن
نحن بشر، حيوان مفكر، بأدمغة مرنة، مصقولة علما ومعرفة وتجربة، نعيش تناقضات عدة، يمكن أن تصنع منا نفوس فيها من الحب والكره بمستويات مختلفة، قد تجد أدمغة نضجت بشكل كامل، واستطاعت ان تتفهم الفرق بين الفكرة والحدث، وبين السرعة والتسارع، وهناك أدمغة لم تنضج بعد، ومازالت تعيش في خضم الأحداث المأساوية وتناقضاتها، دون أن تستوعب دروس وأفكار تلك التناقضات، تراها اليوم تحمل مشعل الثأر والانتقام، بقلة وعي تراه حق يراد به باطل.
فالحق بائن والباطل بائن، ورؤيتنا فيهما كبشر بمستويات مختلفة من النضوج.
الخوض في التاريخ، يحتاج لعلم ومعرفة ونضوج، حتى يكون خوضا من باب استيعاب الدروس والعبر، خوض يفضي لوعي من التسامح والسلام الروحي للكيان، القادر على تجاوز المآسي وصناعة حالة من الاستقرار العام الآمن، والعكس هناك خوض من باب المزايدة والمناكفة والمتاجرة بأوجاع الناس، يعزز من حيث يعلم أو لا يعلم حالة من السخط الممزوج بالثأر والانتقام، يجعل من كل فكرة نكرة، وكل منجز مشكلة، بعقل مدبر بالفتن والمحن بصلف وعند.
ما نحتاجه اليوم هو وعي ونضوج لكي نتجاوز ماضينا المثخن بالجراح، نطبب تلك الجراح ونداوي آلامها، ونعالج نتائجها، ونقطع دابر فتنها، لتتوقف تراكماتها المخزية والمعيقة للسلم والسلام الأهلي، لنعيد تعزيز روح التعاون للقضاء على العنف ووقف حالة الصراعات السلبية المعيقة للتقدم والنهوض.
نحتاج أن نركز بعقل فطن في فكرة كل منجز تحقق، مبتعدين عن النظرات السطحية والخوض بالأحداث الدامية، وشخصنة كل شيء، الثورة والتغيير والتحول، والانتفاضات والوقفات الاحتجاجية والمطالب الحقوقية، نشخصها من باب التخندق سياسي أو طائفي أو مناطقي قذر، يبقي الجراح تنزف دما وقيحا وصديدا يعكر صفو حاضرنا ومستقبلنا.
قد يرى الكثير من المزايدين بقضايا الناس أننا نطلب منهم الاستسلام لقوى العنف التي مازالت جاثمة على حياتنا، وتدمي جراحاتنا، وهي نظرة قاصرة تفتقد لوعي ونضوج فكري وعقلي منتج للحلول، مفاده هو إيقاف عجلة العنف التي تدور اليوم بوثيرة عالية بسبب الصراع والعنف المضاد، بسبب الانقسام الحاد، بسبب تسيد النعرات والخصومة الفاجرة، والاتهامات الجاهزة، والمزايدة والمتاجرة بأوجاع الناس ماضي وحاضر.
نحتاج اليوم أسباب حفظ النفس ودرء الفتنة، وتسوية الساحة لبيئة عادلة، تحرج الطرف الآخر وتضعه في زاوية لا يستطيع منها غير أن يسير مع الحق، حيث يصبح الباطل واضح المعالم، ولا مبرر أمامه لاستمرار العنف، بعد أن تثبت الأمور نحو إرساء النظام والقانون، السلم والسلام، ولن يكون ذلك دون تسامح، والنظر في أولويات القضايا، وتأجيل ما هو مؤجج للمشكلات، وتقديم تنازلات نافعة، تؤدي لطريق تدريجي لتحقيق عدالة انتقالية نحو عدالة اجتماعية.
فهل ننضج لمستوى التحديات، ونبتعد عن وحل قذر من المناكفة والمزايدة السياسية، والصراعات السلبية، نبحث في قمامات الماضي العفن، ما يزكم أنوف المجتمع بروائح نتنة، ونستدعي كل مآسينا معيقين حركة التغيير والتقدم والنهوض، ولله في خلقة شؤون.
*المقال خاص بالمهرية نت*