آخر الأخبار

الفنان الذي وجد في الرصيف وطناً .. من ينتصر لرشيد حريبي ورسالته ؟

الأحد, 06 ديسمبر, 2020

بقي الفنان الراحل «رشيد حريبي» في ذهني أشهرًا طويلة، متشكلًا كنص، قبل كتابته، وحين كتبتُه ونُشر في مجموعتي الثانية "أوسع من شارع أضيق من جينز - 2003"، كان الفنان المتمرد، الذي وجد في الشارع مساحةً أفضل للتعريف بفنه من خلال لوحته الكرتونية، التي يحدد فيها أسعار أغانيه، قد صار صديقي، تجمعُنا مقايل (منتدى الجاوي الثقافي)، وبعض اللقاءات خارجه. وحين قامت وزارة الثقافة بتكريمه في فعاليات صنعاء عاصمة للثقافة العربية 2004، وكنت وقتها عضوًا في مكتبها التنفيذي، كان يستعيد نفسه شيئًا فشيئًا، وكانت أحلامه بإصدار ألبوم غنائي تكبُر، فعملنا في اتحاد الأدباء، وبمبادرة من الشاعر الراحل (محمد حسين هيثم) أمين عام الاتحاد وقتها، على تبني الفكرة، قبل أن تتبخر مع عاصفة المؤتمر التاسع للاتحاد، التي أخرجت هيثم ومشاريعه المميزة من اهتمامات الأمانة العامة.

في خريف 2004، كنا (الصديقان الكبيران "عبد الباري طاهر" و"الدكتور سلطان الصريمي"، وأنا) ـ في دمشق وبيروت ممثلين لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في الذكرى الخمسين لتأسيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وكانت صفتي في الوفد هي شاعر مشارك في الفعاليات ممثلًا لليمن، وعبدالباري هو الباحث في الوفد، والدكتور سلطان رئيس الوفد. وفي صباح الفعالية قررت الاختفاء وعدم المشاركة في القراءات، فخرجت مع باري إلى أسواق دمشق القديمة، وحين عدنا إلى الفندق، وجدنا المرافق مع السيارة بانتظارنا، طالبًا منا الحضور، فقررت الذهاب للفعالية، ومعي نسخ من إصداراتي الشعرية، وكان يجول بخاطري الاعتذار في آخر لحظة هناك، فجدول الفعالية كان مطرزًا بشعراء معروفين من وزن عبدالرزاق عبد الواحد والمتوكل طه وأحمد سويلم، وأنا آخرهم. بقيت في الصف الأخير في قاعة مكتبة الأسد مستمعًا، وملبوسًا بكل توتر الكون، وبعد أن ملأ الشعراء العموديون القاعة بالتصفيق لقصائدهم القومية، سمعت اسمي مطالبًا بالصعود إلى المنصة، ولا إراديًّا وجدت نفسي في المنصة، ومعي مجموعتاي الأولى والثانية: "تكييف الخطأ، و"أوسع من شارع أضيق من جينز"، فأمسكت بالميكرفون مخاطبًا المحتشدين ببضع كلمات، تختصر وضعي وقيمتي كشاعر غير معروف، وقلت سأقرأ شيئًا مختلفًا آملًا فيه توصيل صوتي كمشارك، ولو من الزاوية الأضيق.

بدأت بقراءة قصيدة "عدن" والقاعة صامتة، ألحقتها بقصيدة "صالح الدحان" والقاعة تنصت، ثم قصيدة "نورهان الحضرمية وزوجها المجنون"، والأنظار كلها موجهة إليّ، واختتمت بقصيدة "رشيد حريبي..". هبطت بعدها من المنصة وسط موجة من التصفيق، ومحاطًا بشعراء وشاعرات شباب، يطلبون مني كتبي ونصوصي...، بعدها بفترة كتب الدكتور سلطان الصريمي مقالة في عموده "الطارف" عنونه بذات عنوان القصيدة: "رشيد حريبي.. أو مغني يحمل الأغاني مثل رفات الأسلاف"، في الصفحة الأخيرة من جريدة الثقافية العدد 453 – الأحد 28 / 9/ 2008. الفقرة التالية مقتبسة من ذلك المقال:

"كان الشيباني مترددًا وحذرًا من المشاركة في إحدى الصباحيات التي أقيمت في هذه المناسبة الأدبية العربية العظيمة، لكنه اقتنع في آخر لحظة، فشارك بقصيدته (موضوع هذا العمود)، ولا أبالغ إذا قلت إنه الشاعر الوحيد الذي شارك بقصيدة نثرية، وهدم بها جدار القصيدة العمودية الرتيبة؛ فالشيء الذي لفت انتباه واستحسان جمهور الأدباء والمثقفين السوريين، وأعضاء الوفود العربية التي حضرت من معظم الأقطار العربية للمشاركة في هذه المناسبة، بل إن بعضهم بارك له، وعبَّر عن إعجابه الشديد بقصيدته، ومردّ ذلك في اعتقادي هو ارتكاز القصيدة شكلًا ومضمونًا على مدماك الواقع الاجتماعي، برؤية حديثة وملكة فنية أكثر حداثة، وهذا ما مكّنه من خلق عالمه الشعري الخاص والمتميز، شمل تضاريس وأبعاد القصيدة وصورها الشعرية".

في العام 2009، اتصل بي الصديق مراد هاشم، حين كان مديرًا لمكتب الجزيرة في صنعاء، وقال لي إن القناة انتهت من تصوير مادة عن الفنان رشيد حريبي، ومطلوب أن يُستضاف متحدث عن الفنان على الهواء مباشرة في نشرة الثالثة، حين تُعرض المادة المصورة، وإن رشيد هو من طلبني بالاسم للحديث عنه، وبالفعل ذهبت إلى مكتب واستوديو القناة في الموعد المحدد، وظهرت على الهواء. في البداية لم أسمع السؤال جيدًا، لكني تكلمت عن رشيد وفن الشارع وأثره في الأغنية العدنية واليمنية... إلخ، وخرجت من هذا الشرك أيضًا بأقل الكدمات، وحينما كان يُسأل رشيد لماذا اخترت الشيباني للحديث عنك في "الجزيرة"؟! كان يقول: الشيباني هو الوحيد الذي يفهمني.

مع أحداث 2011، أقفل منتدى الجاوي أبوابه، لوجوده في قلب المواجهات في شارع هائل، فقلّ التواصل مع رشيد، الذي انتقل للعيش في فندق الأهرام بشارع القصر، وكنت ألتقي به من وقت لآخر في شارع المطاعم والتحرير، ويطلب مني تصويره إن كانت معي الكاميرا. وبعد إحدى سفراتي الداخلية إلى خارج صنعاء في العام 2012، تفاجأت بوفاته وحيدًا في غرفة الفندق إلا من عوده الحميم، وكثير من الأحلام.

النص
الأغاني التي أثملت، قبل أربعين عامًا/ (بلاتو) التصوير البدائي في تلفزيون الجنوب العربي/ وأثملت أسطوانات الطرب الخشبي/ ورقَّصت نساء المدينة البحرية.

الأغاني التي جمَّعت السكارى/ وفرقاء السياسة/ وسهَّرت الصيادين/ وملوّني الهجرة على الشواطئ/ وعلى طاولات البارات الشعبية/ أغان لم تبلَ/ وتتحرك على قدمين معضَّلتين لعاشق/ يحملها مثل رفات الأسلاف، في الأزقة والشوارع.

عاشق ليس له غير:

عودٍ قديمٍ بوترين ناقصين/ (حنجرة طرية) لم تتيبس من الدخان/ والبرد وبواقي القات.

(ادفع مئة تسمع أغنية)
عبارة تتصدر إعلان المغني- المعلَّق على ظهره العريض المقوَّس والمؤطر بلونين حائلين على ورق قديم/ إعلان مزيَّن بصورته في الشباب/ لاصقة بصورة فريد وعبدالوهاب.

 (ادفع مئة تسمع)
عدن بخلاخيل الملكة/ لحج بنفحِها الزهري وشرْحَهَا/ عبدالوهاب في جندوله/ فريد في تقاسيمه وبساطه/ أم كلثوم في"رق الحبيب"/ سيد درويش في صباح الصنائعية والفلاحين.

(ادفع مئة)
 لينهض الموتى من قبورهم/ أحمد قاسم/ أسمهان/ فائزة أحمد/ محمد جمعة خان/ عبد الحليم/ علي الآنسي/ رياض السنباطي/ الشيخ باشراحيل/ ...

(ادفع)
لأنك ستصادف المغني في صباح بارد/ يجمِّع بعض متعبي مدينته البحرية/ ومن يجد من المكنِّسين/ على مائدة ملكية من (الخمير والشاهي الملبَّن وسجائر الاسبين).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال خاص بموقع "المهرية نت"

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023