آخر الأخبار

اسم تسعيني آخر غادر باكراً .. محمد المنصور الذي عرفت !

الأحد, 29 نوفمبر, 2020

تعود معرفتي بالصديق محمد يحيى المنصور إلى العام 1988، حين كان طالباً في كلية الآداب، وكنتُ حينها طالباً في كلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء، وكانت حديقة كلية الآداب هي المكان الدائم  لتجمعنا، مع كثير من أبناء جيلنا من الأدباء والمثقفين.. كانت لديه مجموعته القريبة  من الشعراء أمثال " عبد الرحمن الحجري وخالد زيد الشامي وعلي الشاهري  وعبد الكريم الوشلي ومحمد القعود وعادل البروي وغيرهم، وبالمقابل كنا  نشكل " كمال البطاطي وعبد الناصر مجلي وسلطان عزعزي ومختار الضبيري وعبد الوكيل السروري  وأحمد شاجع وآخرين وأنا مجموعة مقابلة،  وكان المشترك بين المجموعتين الصديق الشاعر محيى الدين جرمة . وصل أمر المجموعتين في التنافس النبيل   إلى حد تشكيل جماعتين أدبيتين متنافستين؛ اختاروا لجمعيتهم اسم  حميري تاريخي من مستلهمات الشاعر عبدالرحمن الحجري  هو "سبَّان"، وانتظمنا نحن في إطار "جماعة الغد الأدبية".
 
كان يجمعهم مقيل  محمد في بيته العتيق المجاور لوزارة الخارجية في منطقة القاع، وكان يجمعنا مقيل كمال البطاطي في منزله الكائن بين الدائري وشارع هائل، وكان مقيلنا المشترك، كمجموعتين، هو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في التحرير وتالياً في جولة سبأ. كانت الفعاليات الشعرية التي نقيمها في أندية صنعاء الرياضية مثل ناديي (الوحدة والأهلي) مساحة باكرة للتنافس، قبل أن تنتقل إلى صفحات جريدة الثورة والملحق الثقافي، وبعد الوحدة إلى جرائد التنظيمات والأحزاب التي تكاثرت كفطر، بفعل التعددية وحرية الإعلام.
 
مع انطفاء سنوات عقد الثمانينات كانت البلاد مقبلة على حدثها التاريخي الكبير وهو دخول شطريها  في وحدة اندماجية في السنة الأولى لسقوط اليقينيات الأيديولوجية، التي تحكم شعارات الحرب الباردة، مطلع التسعينيات، فبدأت السياسة تأخذنا إلى مستقطباتها النشطة آنذاك .. أغلب مجموعتنا كانت أقرب إلى الحزب الاشتراكي، وحزب التجمع الوحدوي والتنظيم الناصري، ومجموعتهم أقرب إلى المؤتمر الشعبي العام والبعث وإلى الأحزاب الوليدة مثل حزب الحق  الذي انظم إليه محمد المنصور ،وكان قريب منه أيضاً في ذلك خالد زيد الشامي وعبدالكريم الوشلي. علاقتنا التنافسية الثقافية وتقاطعاتنا السياسية لم تغير من علاقتنا كأصدقاء. تخرجنا من الجامعة معاً في صيف 1991، والتقينا، في المتابعة، في مكتب الخدمة المدنية في الصافية الذي تولى توزيعنا لأداء خدمة التدريس كوظائف مؤقتة في وزارة التربية والتعليم، تحولت إلى وظائف مستديمة لم أزل مكبلاً بها حتى الآن.. تم توزيعي إلى محافظة صنعاء التي تولت  بدوها توزيعي  إلى مدينة عمران التي كانت في ذلك الوقت من أعمال صنعاء ، وأختار هو العودة إلى قريته في الشاهل ناحية المحابشة في  حجة.. قبل أن أعود إلى صنعاء بعد عام تقريبا قضيت نصفه مدرساً في مدرسة الزبيري برفقة صديقي المعتق النبيل علوي السقاف، وهو عاد  إلى صنعاء بعد ثلاثة أعوام تقريباً.
 
صحونا ذات صيف في 1994 على كارثة كبرى فعلت فعلها القاسي في حلم اليمنيين الكبير، لم نزل ندفع ثمنه حتى الآن. وبعدها بعام تقريباً غادرَنا عبد الرحمن الحجري  في حادثة مؤلمة، وغادر عبد الناصر مجلي إلى أمريكا، وكمال البطاطي إلى المكلا، وعبد الوكيل إلى القرية. ومات عادل البروي،  ومختار الضبيري،  وأحمد شاجع، وتشتت آخرون.
 
واصلنا السير فيما تبقى من سنوات التسعينات، في بناء تجاربنا المهنية والإبداعية، وأتذكر أنه في ربيع العام  1997، عقد فرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين  في عدن وقت كان يرأسه الصديق الراحل د عبد الرحمن عبد الخالق  شراكة مع مؤسسة العفيف الثقافية بصنعاء في عهد مؤسسها الراحل الكبير أحمد جابر عفيف، بمقتضى هذا الاتفاق تتولى المؤسسة  تكاليف سفر وإقامة أدباء من صنعاء إلى عدن لإحياء فعاليات ثقافية ينسق لها الفرع، وتستضيف بدورها أدباء من فرع عدن يصعدون إلى صنعاء لأحياء فعاليات في مقر المؤسسة، وأول أديبين سافرا إلى عدن ضمن هذا الاتفاق كانا محمد المنصور ومحمد عبد الوهاب الشيباني، بوصفهما شاعرين تسعينين من اتجاهين  فنيين مختلفين، ولهما مزاولتهما النظرية عن أبناء جيلهما، ويمكن لهذه القراءات أن تشكل سانداً للقراءات الشعرية  التي سينفذانها في عدن.
 
في تلك الرحلة البديعة أعدت اكتشاف محمد المنصور الإنسان الوديع والمثقف الرفيع، وأعدت اكتشاف عدن المدينة التي بدأت تتطبع بالمظاهر المدنية بعد جائحة صيف 1994، بعد أربع سنوات من زيارتي الأخيرة لها أواخر العام 1993. أقمنا في مقر الاتحاد في خور مكسر وشاطرنا الصديق مصطفى غيلان لياليه، واكتشفنا أصدقاء جدد منهم عبد العزيز بن بريك الذي تولى تزويرنا المدينة ومعالمها بسيارته الشخصية.. أذكر من تلك الرحلة أننا وجدنا ذات ليلة بحاراً أرتيرياً بديعاً، ظل يقرأ لنا شعراً بالأمهرية ويغني لنا أغانٍ بالسواحلية لا تمل، وكنت في لقاءتنا التالية نتذكره بكثير من الشجن.
 
ومع نهاية عقد التسعينيات  بدأنا نعمل في منابر ثقافية وصحف سياسية، فكان محمد أحد القائمين الكبار على "صحيفة الأمة"  الناطقة  باسم حزب الحق، والتي كان لها مقيلها البديع الذي استقطب الكثير من شعراء ظهروا بعدنا أتذكر منهم محمد اللوزي وجميل حاجب وعمار النجار وعلوان الجيلاني وآخرين، وعملت أنا محرراً للشئون الثقافية  في "مجلة معين"  و"صحيفة الشورى"  و"مجلة الموقف"، وبدأت أحرر عموداً أسبوعياً في "جريدة الثقافية" ؛ وفي أبريل 2001 صرت عضواً في المجلس  التنفيذي للاتحاد بعد أربع سنوات قضيتها في الهيئة الإدارية لفرع الاتحاد في صنعاء، وفي تلك المرحلة كان  الراحل الكبير "محمد حسين هيثم"  أميناً عاماً للاتحاد، وبمبادرة منه  بدأت عملية نشر كتب الأعضاء الأدبية، فأصدرت مجموعتي الأولى " تكييف الخطأ" وأصدر محمد " سيرة الأشياء"، كإصدارين مثلا حينها اتجاهين في كتابة القصيدة الجديدة. تناولاتنا الثقافية الكثيفة في تلك الفترة اتخذت طابعاً تعزيزياً لهذا المنحى الكتابي في الشعر، فكان هذا مشتركاً جديداً بيننا.
 
أخذه العمل السياسي بعيداً إلى مجاهله، فندرت كتابته الشعرية والأدبية بشكل عام، رغم أنه كان يؤكد لي أنه يعكف على تجهيز مجموعة شعرية ثانية، وكتاب لدراساته الأدبية والثقافية.
 
ظل تواصلنا قائماً حتى العام 2013، حين كانت هيئات أحزاب اللقاء المشترك تجمعنا في لقاءات تنسيق سياسي، كنت فيها أمثِّل "حزب التجمع الوحدوي اليمني"، وكان محمد يُمثِّل الأطر العليا لحزب الحق.
 
لم نلتقِ بعدها  إلا في مناسبات عابرة، كان آخرها  قبل أكثر من عامٍ في مركز الدراسات والبحوث اليمني، حين كان وزملاء له على موعد مع الدكتور عبد العزيز المقالح، وقتها أخبرني أنه مرَّ بظرف صحي قاسٍ، عرفت أنه لم يشف منه، حين سمعت بخبر وفاته ظهر الجمعة 20 نوفمبر عن أربعة وخمسين عاماً، وبعد وفاته مباشرة كتب الشاعر محمد اللوزي يرثيه بقوله :
الشاعر محمد المنصور الذي فارق الحياة اليوم إثر مرض في الرئتين " يكابده" منذ أكثر من عام كان قد كتب في ديوان "سيرة الأشياء"  قصائد عن الموت، و عن رئتيه اقتطعُ من قصيدة له ما يلي:
لأن الوقت منشار
تجرحنا السنون
يرحل الموت عن العالم
حين لا يهتم به أحد
رئتاي مخبأ لروائح ذابلة
تنطفىء الشمعة لتفسح مكاناً للظلام
الجرح طابع بريد لرسالة الألم
كل جرح يذكر صاحبه بأمنية ما
لمحمد المنصور الصديق والشاعر الرحمة ولروحه السلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال خاص بموقع "المهرية نت"

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023