آخر الأخبار
معول تدمير إرث عدن
تدمير الإرث الثقافي والحضاري لعدن , لا يقل خطورة عن تدمير وقتل الإنسان فيها , اليوم عدن تتعرض للتدمير مع سبق الإصرار والترصد في إرثها وتراثها الحضاري والثقافي والمدني , كل ما شيده البناة الخالدون على مر التاريخ في عدن , بات في مهب ريح الحقد والكراهية والتخلف والظلام الذي يكتسي عدن اليوم.
حرب 2015م هي امتداد للحروب العبثية على عدن , فقدت فيها عدن صوت أثير قناة عدن الفضائية وإذاعة عدن , أثير بمذاق عدن الذي افتقده الناس مع إشراقة كل صباح , وتراتيل الأغاني العدنية ( صباح الخير من بدري .. أمانه شلها يا طير .. وصحي اللي نوى هجري .. وقله يا صباح الخير ) وغيرها من تلك التراتيل التي تمثل شخصية عدن وأيقونتها .
حرب وحدة الطيف السياسي والاجتماعي في عدن , في مقاومة شرسة , قدمت ملاحم بطولية ,حققت نصرا أسطوريا , بتكلفة باهظة من دماء طاهرة من أخير شباب عدن , تعرفهم شوارع وحواري عدن بالاسم , فما الذي حدث , وأثار الفتنة ؟ , فتنة لازالت إلى اليوم تزهق أرواح وتهدر دماء شباب , عماد مستقبل البلد .
تمكن منا الطامعون , من الخاصرة الرخوة , تم الحقن , وبثوا نفس عفن من الكراهية والنعرات , ووجدوا مبرراتها بعذر أقبح من ذنب , تقبلتها عقلية تلك الرخوة , واشتغلوا على نفسيتها , بإعادة شريط الذكريات الأليمة , وشيطنة الآخر , وتمكنوا من تمزيق النسيج , وإدارة معارك يتقاتل فيها الأطياف , فاشتعلت الجبهات , وتوفرت المبررات , وصرفت صكوك الوطنية الزائفة , في شيك محاربة الإرهاب المفتوح لكل ثأري وحاقد متعطش لهدر دماء الآخرين المختلفين عنه ومعه , بينما الإرهاب معركة فكرية , يمكن إدارتها بمهنية وعقلانية , وتجريدها من العنف وضبطها بنظام وقانون وقضاء عادل .
كان لابد من إعادة تموضع النفوذ , والتخلص من كل وطني غيور , عصي على التوظيف , باستخدام ثلة من القتلة ومصاصي الدماء , فنقلب حال عدن من تحرر الارتهان والتبعية و معارك عبثية , فيها ازدهرت أحوال من باع في وقت جاع فيه البسطاء والشرفاء .
واستمر العبث يطال صوت مهم من إرث عدن الصحافة الورقية , و صحيفة 14 أكتوبر الغناء , استنزفت فسادا حتى أنهكت , وتركت بعد أن أفرغ مخزونها التشغيلي , وتركت خاوية على عروشها , مرتعا للغربان والجردان , لتحكي فشل الذهنية المناطقية والجهوية , استقدمت أطفال القرية لإدارة صروح ثقافية كصحيفة أكتوبر الغناء , والله وحده يعلم حالها الآن , وكم تحتاج من ميزانية لإعادة التشغيل , والخوف ان يكون مصيرها مصير مطبعة صوت العمال المدمرة .
ثم أتى الدور على الاتحاد العام لعمال عدن , الصرح النقابي والتاريخ النضالي , وإرث عدن الثقافي والمدني والسياسي , الذي يحكي تاريخ عدن العمالي , والنقابات الست , من ثم تاريخ الحركة العمالية نواة الحركة الوطنية في اليمن والمنطقة , كان قد فقد مسرحه العمالي الذي تحول لمساكن عشوائية , ومدرسة الحركة العمالية , التي دمرت و بسط على أرضيتها , واليوم يدمر المبنى الرئيسي للاتحاد , ويتعرض للتجريف الثوري بدون وعي ثوري , المساس بمسيرة قرن من تاريخ وإرث نقابات عدن , يتعرض للتدمير الممنهج , سرقة آثاثه ومحتوياته , العبث بأرشيف و وثائقه التاريخية ,وإهمال متعمد , دون مسئولية من قبل الباسطين عليه , بل مبنى تم البسط عليه وطرد قياداته المجربة , وصار بدون قيادة حكيمة ومسئولة , جماعات تتصارع على قيادته , وقيادة النقابات فيه , والكل يتنصل من المسؤولية عن حماية وصيانة محتويات المبنى والأرشيف , وهو استمرار إفراغه من قيمته الحضارية , وأهميته المدنية , ومن ثم الانقضاض على الموقع , في زمن البسط والنهب على أراضي و متنفسات ومعالم عدن , حينها لا ينفع الندم عندما نفقد أهم معلم تاريخي يحكي لنا حقائق التاريخ ويخلد بناة عدن وتاريخها وإرثها , والله المستعان.
المقال خاص بموقع المهرية نت