آخر الأخبار

استراتيجيات طائرات الحوثيين: كيف يؤثر الابتكار على موازين القوى في المنطقة؟ (ترجمة خاصة)

طائرات مسيرة للحوثيين - إرشيف

طائرات مسيرة للحوثيين - إرشيف

المهرية نت - ترجمة خاصة
الاربعاء, 07 أغسطس, 2024 - 06:58 مساءً

نشر موقع مشروع التحليل المسلح للصراعات والعنف، والذي يهتم بإجراء تحليلات لسيناريوهات النزاعات، مقالًا مشتركًا للكاتب لوكا نيفولا، وهو باحثٌ إقليمي مختص بشؤون الشرق الأوسط، والكاتب فالنتين داوثويل، وهو محلل مختص بشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط، تحت عنوان: الاستراتيجيات الست الحربية بالطائرات المسيرة للحوثيين: كيف يؤثر الإبتكار على موازين القوى في المنطقة؟

 

وبدأ الكاتبان التحليل الذي ترجمه "المهرية نت"، بالإشارة إلى الطائرة الحوثية التي وصلت تل أبيب: "في 19 من يوليو 2024، قطعت طائرة مسيرة حوثية مسافة تزيد عن 2600 كيلومتر، بتحليق مستمر لمدة 16 ساعة للوصول إلى تل أبيب، حيث قتلت مواطناً إسرائيليًا وأصابت ثمانية آخرين على الأقل".

 

ولفتا إلى أن الحوثيين قاموا بإطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ على إسرائيل منذ أكتوبر 2023، "إلا أن هذه هي المرة الأولى التي تتمكن فيها طائرة مسيرة تابعة للحوثي من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، ناهيك عن التسبب في سقوط ضحايا على الأراضي الإسرائيلية".

 

وأشارا أن "هذا الهجوم ربما يعد أحد أكثر هجمات التي شنّها الحوثيون رمزية بالطائرات المسيرة حتى الآن، حيث سلطت الضوء على قدرة الجماعة المتزايدة على الاستفادة من تقنية الطائرات المسيرة".

 

ووفق التحليل "بات استخدام الطائرات المسيرة سمةً واضحة في الاستراتيجيات الحربية الحديثة والنزاعات. ففي حين كان استخدام الطائرات المسيرة المسلحة مقصوراً على عشر دول في عام 2010، اتسعت دائرة انتشارها بشكل كبير لتشمل أكثر من أربعين دولة عام 2024".

 

ويزيد من تعقيد المشهد الأمني العالمي استخدام الجهات الحكومية وغير الحكومية للطائرات بدون طيار التجارية في تنفيذ هجمات، حيث سجل مشروع التّحليل المسلح للصراعات والعنف (ACLED) استخدام هذه الأنظمة في 34 دولة على الأقل خلال عام 2023.

 

تشكّل الطائرات المسيرة عاملاً حاسماً في تحديد مآلات الصراعات الحديثة. وفي سياق الحرب اليمنية، يطرح السؤال: هل غيرت استراتيجيات الحوثيين في استخدام الطائرات المسيرة من معادلة القوى العسكرية بين الأطراف في الصراع اليمني؟.

 

وتابع: على الرغم من دخولها هذا المجال حديثاً، باتت جماعة الحوثي قوة بارزة في الحروب التي تعتمد على الطائرات بدون طيار. فقد أسست الحركة إنتاجاً ضخماً لهذه الأسلحة الجوية عام 2018، مستفيدة من التقنيات الإيرانية، وحققت انتصارات ميدانية مهمة، أجبرت السعودية والإمارات على وقف إطلاق النار في أبريل 2022.

 

واللافت أن الحوثيين فرضوا مؤخراً حصاراً جزئياً على الملاحة البحرية في البحر الأحمر منذ نوفمبر 2023.

 

وأضاف التحليل "يُظهر تحليل شامل للأساليب الحوثية في حروب الطائرات المسيرة كيف يمكن لهذه التكنولوجيا أن تشكل ميزة تكتيكية من خلال استغلال نقاط ضعف الخصم بطرق مبتكرة لتحقيق انتصارات ذات رمزية. ومع ذلك، فإن الحفاظ على فعالية هذه الأساليب يتطلب ابتكارًا مستمرًا".

 

وبعد استعراض الاتجاهات العامة لحرب الطائرات المسيرة الحوثية، يقدم هذا التقرير ست استراتيجيات رئيسية اعتمدتها الجماعة داخل اليمن وخارجه.

 

طائرات الحوثيين المسيرة في حرب اليمن

تحت هذا العنوان بدأ التحليل بالإشارة إلى تسجيل أول هجوم بطائرة مسيرة مسلحة في سبتمبر 2016، وقال: "نفذت قوات الحوثي أكثر من ألف عملية باستخدام هذه الأسلحة، أسفرت عن مقتل أكثر من 700 شخص".

 

"وعلى الرغم من ذلك، كان استخدام الحوثيون للطائرات المسيرة المسلحة محدودًا في عامي 2016 و2017، حيث سُجلت 10 هجمات فقط، جميعها داخل اليمن، ونُفذت هذه الهجمات بطائرة قاصف-1 الانتحارية، التي يُعتقد أنها من أصل إيراني، حيث تعرف باسم طائرة أبابيل-ت. ولم تعلن جماعة الحوثي مسؤوليتها عن هذه الهجمات، مما يدل على أنها كانت في مرحلة تجريبية للتكنولوجيا الجديدة"؛ وفق التحليل.

 

وكانت جماعة الحوثي قد أعلنت عن امتلاكها برنامجاً للطائرات المسيرة في فبراير 2017، وادّعت تنفيذ أول هجوم جوي في أبريل 2018.

 

وفي عام 2019، كشفت عن ثلاثة أنواع جديدة من الطائرات المسيرة الانتحارية هي: صماد-2 وصماد-3 وقاصف-2k. وقدمت طائرة قاصف-2k كنسخة مطورة لطائرة قاصف-1، بينما صُممت طائرتا صماد 1 و2 لتكونا أكثر تطوراً وقدرةً على الوصول إلى عمق الأراضي السعودية.

 

وازدادت وتيرة الهجمات التي تنفذها الطائرات المسيرة الحوثية بين عامي 2018 و2019، مع تحول التركيز على الأهداف داخل المملكة العربية السعودية بدلًا من تلك داخل اليمن، واستمرت على نفس المستوى تقريباً بين عامي 2019 و2020.

 

وسجّل مشروع التّحليل المسلح للصراعات والعنف (ACLED) رقماً قياسياً في هجمات الطائرات المسيرة الحوثية عام 2021، وهو العام الذي شهد كشف الجماعة عن طائرات مسيرة تجارية جديدة قادرة على إسقاط متفجرات صغيرة على الأهداف بدلاً من الاصطدام بها. ومن بين هذه الطائرات طائرة رجوم متعددة الاستخدامات التي أعلن عنها الحوثيون في مارس 2021.

 

يمضي التحليل بالإشارة إلى ارتفاع وتيرة الهجمات التي ينفذها الحوثيون بالطائرات المسيرة في اليمن لتصل إلى ذورتها. وقد أدى توقف القتال في الجبهات الأمامية نتيجة الهدنة، إلى تحول الأطراف المتحاربة إلى اللجوء إلى أساليب قتالية عن بعد بدلاً من المواجهة المباشرة، وهو أمر لا يزال مستمراً حتى الآن.

 

يضيف: "وقد عاد الحوثيون مرة أخرى لاستخدام الطائرات المسيرة الانتحارية بشكل مكثف خارج حدود اليمن في نوفمبر 2023. وفي ظل الصراع بين إسرائيل وغزة، سعت الجماعة لفرض حصار على إسرائيل عبر استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر والممرات المائية في المنطقة، إضافة إلى تنفيذ هجمات مباشرة على الأراضي الإسرائيلية".

 

وقد تجاوزت نسبة هجمات الطائرات المسيرة الحوثية التي استهدفت أهدافاً خارج اليمن ما نسبته 50% منذ نوفمبر 2023 المنصرم.

 

الدفع بالطائرات المسيرة لدعم العمليات البرية الداخلية

وظّف الحوثيون تكنولوجيا الطائرات المسيرة في عدة عمليات عسكرية حاسمة سعياً لإحداث خلل في ميزان القوى على أرض المعركة.

 

ومن الأمثلة على ذلك، الدور البارز الذي لعبته الطائرات المسيرة بين أبريل ويونيو 2018 في إفشال الهجوم المدعوم إماراتياً على الساحل الغربي من خلال تقويض قدراته.

 

وقد شهد شهر أبريل من عام 2018 أول هجوم بطائرة مسيرة داخل اليمن تبناه الحوثيون، حيث استهدف مراكز قيادة إماراتية ومنظومات باتريوت في محافظتي الحديدة وتعز.

 

سجل مشروع التّحليل المسلح للصراعات والعنف (ACLED) أكثر من 60% من إجمالي هجمات الطائرات المسيرة الحوثية في اليمن لتلك السنة في هاتين المحافظتين. ورغم ادعاءات ضباط حوثيين علنياً بأن طائرة قاصف غيرت المعادلة في مواجهتهم مع القوات المدعومة إماراتياً، إلا أن الجماعة وافقت في النهاية على وقف إطلاق النار بعد حصار مدينة الحديدة.

 

وفي عام 2021، شن الحوثيون حملة عسكرية مكثفة في شمال محافظة مأرب اعتمدت بشكل كبير على الطائرات المسيرة.

 

وقد شهدت المحاولة الجديدة للسيطرة على مدينة مأرب - بعد فشل المحاولة الأولى في عام 2015 - استخدامًا مكثفًا للطائرات المسيرة من قبل الحوثيين، حيث سجل مشروع التّحليل المسلح للصراعات والعنف (ACLED) أن 50% من إجمالي هجمات الطائرات المسيرة الحوثية لهذا العام وقعت في هذه المحافظة.

 

تُعد هذه الحملة بمثابة نقطة تحول في ترسانة الحوثيين حيث شهدت نشر طائرات مسيرة متعددة الأغراض. فقد تم استخدام طائرات قاصف لاستهداف مواقع الحكومة الشرعية من مسافات بعيدة، بما في ذلك داخل مدينة مارب، إلى جانب طائرات مسيرة متعددة الأغراض للقتال على ساحة المواجهة من مسافات قريبة. ومع ذلك، فشل الحوثيون في النهاية في السيطرة على مدينة مأرب رغم تخصيصهم موارد هائلة لذلك.

 

شكّلت حملتا الساحل الغربي ومأرب محطات فاصلة بالنسبة للحوثيين. ورغم الاعتماد الكبير والاستخدام الكثيف للطائرات المسيرة، لم يتمكنوا من فرض هيمنة عسكرية على أرض المعركة.

 

والأهم من ذلك، أن دراسة شاملة لهجمات الطائرات المسيرة الحوثية تكشف عن أن الجماعة لا تلجأ تلقائيًا إلى استخدام الطائرات المسيرة في كل حملة عسكرية.

 

فمثلاً، سجل مشروع التّحليل المسلح للصراعات والعنف (ACLED) عدداً ضئيلاً جداً من هجمات الطائرات المسيرة الحوثية في محافظة الجوف الشمالية في عامي 2020 و2021، وهجوماً واحداً فقط للطائرات المسيرة الحوثية في محافظة الضالع عام 2019، رغم الاشتباكات العنيفة بين قوات الحوثي والقوات المناهضة لها.

 

وعلى الرغم من غموض الدوافع التي تدفع الجماعة إلى استخدام الطائرات المسيرة لدعم الهجمات البرية، إلا أنه من المحتمل أن تعطي الجماعة الأولوية لهذا المورد الاستراتيجي للحملات العسكرية التي تعتبرها أكثر أهمية أو التي تكون فيها احتمالات النجاح أقل.

 

ضربات جوية مسيرة عابرة للحدود تستهدف بنى تحتية حيوية للضغط على القوى الإقليمية

في الفترة بين عامي 2018 و2022، تبنى الحوثيون أسلوب الحرب غير المتكافئة مستخدمين الطائرات المسيرة لاستهداف المنشآت الحيوية في السعودية والإمارات.

 

هدفت هذه الاستراتيجية إلى إبراز هشاشة البلدين من خلال استهداف المطارات المدنية ومرافق الطاقة بدلاً من السعي للتفوق العسكري المباشر.

 

ومنذ عام 2018 وحتى مارس 2022، أي قبل دخول هدنة الأمم المتحدة حيز التنفيذ في أبريل 2022، استهدف ما مجمله 43% من الهجمات الحوثية على السعودية المطارات المدنية والبنى التحتية للطاقة. وبالاستفادة من ضعف تحمل الرياض وأبوظبي للمخاطر والانعدام الأمني، تمكن الحوثيون من تحقيق مكاسب استراتيجية متوسطة المدى، أدت في نهاية المطاف إلى قبول الطرفين بوقف إطلاق النار.

 

بدأ التصعيد في حرب الطائرات المسيرة عبر الحدود خلال يوليو 2018، حيث شهدت هجمات رمزية بطائرات مسيرة بعيدة المدى استهدفت منشأة نفطية تابعة لشركة أرامكو السعودية في 22 يوليو ومطار أبوظبي الدولي في 26 يوليو.

 

وفي عام 2019، زادت عمليات الطائرات المسيرة الحوثية ضد السعودية بأكثر من سبعة أضعاف مقارنة بالعام السابق، حيث استهدف حوالي نصف الهجمات المطارات المدنية.

 

اعتمدت معظم الهجمات على مسيرات قصيرة المدى من طراز قاصف-2K، وبرّر الحوثيون استهداف البنية التحتية المدنية على أنه رد انتقامي على "حصار مطار صنعاء" الذي فرضه التحالف العربي بقيادة السعودية. وقد أثبتت هذه الاستراتيجية فعاليتها، إذ كانت معدلات الاعتراض منخفضة للغاية، وتجاوزت نسبة نجاح الضربات النصف في عام 2021.

 

في المقابل، استُخدمت طائرات مسيرة بعيدة المدى من طراز صماد في الهجمات على البنية التحتية النفطية السعودية، وهي طائرات أصعب في التصنيع، مما أدى على الأرجح إلى استخدام الحوثيين لها بشكل أقل.

 

وقد أثبتت هذه الأسلحة فاعليتها العالية، حيث تم اعتراض 20% فقط من هجمات الطائرات المسيرة على البنية التحتية النفطية السعودية بين عامي 2018 و2022. ومن أمثلة تلك الهجمات، الهجوم المشترك بين الحوثيين وإيران الذي استهدف منشآت أرامكو السعودية في بقيق وخريص في 14 سبتمبر 2019. وقد أدى الهجوم إلى توقف أكثر من نصف إنتاج النفط السعودي تقريبًا و5% من إجمالي الإمدادات النفطية العالمية.

 

كشفت العملية عن عدة نقاط قوة للحرب غير المتكافئة بالطائرات المسيرة. منها، هشاشة أنظمة الدفاع الجوي السعودية أمام هجمات الطائرات المسيرة التي تحلق على ارتفاعات منخفضة والتي لا يمكن لأجهزة الرادار رصدها في كل مرة، والاعتماد على أسراب الطائرات؛ وصعوبة تحديد المسؤولية عن الهجمات شبه المجهولة، ما يوفر غطاءً للمهاجمين للإنكار؛ والفارق الكبير في التكلفة بين أجهزة الطائرات زهيدة الثمن وأنظمة الدفاع الجوي المكلفة.

 

تطوير طائرات مسيرة متعددة المهام بتكلفة زهيدة لتوجيه ضربات قاتلة في أرض المعركة

شكّل إدخال طائرات مسيرة متعددة المهام في عام 2021 نقطة تحول في تطوير قدرات الحوثيين على صعيد الطائرات المسيرة، مما أثر بشكل فوري على معادلة القوى في أرض المعركة.

 

وعلى عكس الطائرات المسيرة ذات المهام الفردية المصممة للانفجار عند اصطدامها بالأرض أو بالقرب منها، فإن هذه الطائرات المسيرة متعددة المهام تقوم بإلقاء المتفجرات على الأهداف ثم تعود إلى قاعدتها لإعادة استخدامها في مهام مماثلة، مما يجعلها أكثر فعالية من حيث التكلفة."

 

كشف الحوثيون رسميًا عن طائرتي صماد-4 ورُجُم المسيرة متعددة المهام في مارس 2021.

 

وعلى الرغم من عدم تسجيل منظمة ACLED أي استخدام لطائرة صماد-4، إلا أن البيانات تشير إلى أن طائرة رُجُم، وهي نسخة معدلة من طائرة هيكساكوبتر المدنية الصينية، استُخدمت في أكثر من 25% من هجمات الطائرات المسيرة الحوثية متعددة المهام منذ مارس 2021.

 

كما قام الحوثيون أيضاً بتزويد طائرات مسيرة مدنية من سلسلة Mavic وMatrice  التي تنتجها شركة DJI الصينية بمتفجرات صغيرة.

 

تُعد فئة الطائرات المسيرة التجارية التي تُستخدم كأجهزة متعددة الاستخدام أقل تكلفةً وأسهل في الحصول عليها مقارنةً بالطائرات المسيرة العسكرية.

 

وقد أدى إدخالها إلى ترسانة الحوثيين إلى زيادة هجمات الطائرات المسيرة الحوثية في اليمن بنسبة 50% بين عامي 2020 و2021، حيث تجاوز العدد الإجمالي للهجمات في عام 2021 فقط العدد الإجمالي للهجمات في العامين 2018 و2020.

 

واستمرت هذه الهجمات المسيرة حتى عام 2022. وتُستخدم الطائرات المسيرة متعددة المهام ومنخفضة التكلفة مثل طائرة رجوم، التي يتراوح مداها بين 10 و30 كيلومتراً، في هجمات الجبهات الأمامية المباشرة.

 

ومنذ دخول الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة في أبريل 2022 حيز التنفيذ وتوقف القتال في الجبهات، استخدم الحوثيون الطائرات المسيرة متعددة المهام لمهاجمة القوات المعادية، وذلك بدلًا من المواجهات المباشرة التي توقفت نتيجة للهدنة.

 

وقد بدأ استبدال الطائرات المسيرة الانتحارية الأكبر حجمًا بالطائرات المسيرة منخفضة التكلفة الجديدة تدريجياً في جبهات القتال الداخلية.

 

ومنذ مارس 2021، استخدمت الطائرات المسيرة الانتحارية داخل اليمن خلال هجوم الحوثيين على محافظة مأرب في عام 2021 والهجوم المضاد للحوثيين في محافظة حجة في أوائل عام 2022. وباستثناء هاتين الحالتين، تم الاحتفاظ بالطائرات المسيرة الانتحارية لتنفيذ ضربات أكثر استراتيجية في عمق أراضي القوات الحكومية منذ عام 2021.

 

هجمات مشتركة بالطائرات المسيرة والصواريخ تستهدف عمق جبهات القتال

منذ بداية الصراع عام 2015، استخدم الحوثيون هجمات الصواريخ والقذائف لاستهداف تجمعات عسكرية معادية لها في عمق جبهات القتال، مستغلين عنصر المباغتة.

 

ورغم كثرة هذه الهجمات، إلا أنها أسفرت عن عدد قليل من الضحايا، معظمهم في حوادث تتعلق بصواريخ باليستية من مخزون الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والذي استنفد الحوثيون ترسانته في أواخر 2016 أو أوائل 2017.

 

إلا أنه منذ عام 2018، أعادت تقنية الطائرات المسيرة إحياء هذه الاستراتيجية العسكرية، مما زاد من فعاليتها وقوتها القتالية.

 

كما يعد الهجوم على قاعدة العند الجوية في لحج في 10 يناير 2019، مثالًا واضحًا على هذه الاستراتيجية. حيث استخدم الحوثيون نسخة معدلة جديدة من طائرة قاصف-2K المسيرة، انفجرت فوق عرض عسكري، مما أدى إلى سقوط شظايا على مسؤولي القوات الحكومية.

وقد أسفر الهجوم عن مقتل ثمانية أشخاص، بينهم رئيس الاستخبارات العسكرية، وإصابة عشرين آخرين. وكان لهذا الحدث تأثير رمزي قوي بسبب التكنولوجيا الجديدة المستخدمة واستهدافه لمسؤولي القوات الحكومية بعيدًا عن الجبهات القتالية.

 

استهداف موارد الحكومة المعترف بها دوليًا بالطائرات المسيرة

في عام 2022، مكنت تقنية الطائرات المسيرة الحوثيين من شن شكل جديد من الحرب الاقتصادية عبر عدة هجمات استهدفت المنشآت النفطية اليمنية، مما أدى إلى وقف تصدير النفط من الحكومة الشرعية.

 

تزامن هذا القرار مع فشل المفاوضات حول صرف إيرادات النفط التابعة للحكومة الشرعية. وطالب قادة الحوثيين بصرف رواتب جميع الموظفين الحكوميين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم من عائدات تصدير النفط والغاز مقابل تجديد الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة والتي كان من المقرر انتهاؤها في أكتوبر.

 

وبعد إصدار عدة تحذيرات للشركات المحلية والأجنبية، أصدروا قرارًا بحظر تصدير النفط، وقاموا بتنفيذ القرار من خلال شن سلسلة من هجمات الطائرات المسيرة على ناقلات النفط والبنية التحتية في محافظتي شبوة وحضرموت جنوب اليمن في أكتوبر ونوفمبر 2022 .

 

وعلى الرغم من محدودية عدد هذه الهجمات والأضرار البسيطة التي خلفتها، إلا أنها نجحت في وقف تصدير النفط من الحكومة الشرعية، مما تسبب في خسائر تقدر بأكثر من مليار دولار أمريكي خلال عشرة أشهر.

 

ما يثير الاستغراب في هذه القضية هو توقيت عمليات الطائرات المسيرة الحوثية. كانت التكنولوجيا نفسها متاحة للجماعة لسنوات.

 

ومع ذلك، كان الحوثيون يعتبرون استهداف البنية التحتية النفطية اليمنية خطًا أحمر بسبب المخاطر التي قد تترتب على سمعتهم. علاوة على ذلك، كانت قيمة إنتاج النفط قليلة، قبل عام 2021، مما جعل التضحية بالتأثير الاقتصادي مقابل مخاطر السمعة أقل جدوى للحوثيين.

 

في الواقع، أدت الهجمات إلى إدانات دولية بالإجماع ودفع الحكومة الشرعية إلى تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، مما زاد الضغط على المفاوضات لتجديد الهدنة. وإضافةً إلى ذلك، مهدت هذه الهجمات للأزمة الحالية في البحر الأحمر وأشارت إلى تحول في السياسة الحوثية، مما يبرز تزايد عدم اهتمامهم بكسب الشرعية في نظر المجتمع الدولي.

 

هجمات بطائرات مسيرة بحرية لفرض حصار في البحر الأحمر

منذ اندلاع الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني عقب هجوم 7 أكتوبر 2023، حول الحوثيون تركيزهم العسكري إلى البحر الأحمر، بهدف فرض حصار على إسرائيل ووقف العدوان الإسرائيلي على غزة.

 

وفي تصعيد مستمر، استهدف الحوثيون في البداية الأراضي الإسرائيلية، ثم وسّعوا أهدافهم لاحقًا لتشمل السفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إليها، وكذلك السفن الحربية والمصالح الأمريكية والبريطانية، مما أدى إلى توسع دائرة الأهداف بشكل مستمر وتعطل التجارة العالمية التي تمر بالبحر الأحمر بشكل فعال.

 

اعتمد الحوثيون بشكل كبير على الطائرات المسيرة في عمليات استهداف الشحن الدولي في البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة، حيث تشير سجلات ACLED إلى أن أكثر من 40% من الأحداث التي وقعت بين أكتوبر 2023 ويونيو 2024 شملت استخدام الطائرات المسيرة.

 

ومع ذلك، فإن فعالية هجمات الطائرات المسيرة على الشحن الدولي محدودة إلى حد كبير مقارنة بهجمات الصواريخ. في الواقع، تم اعتراض 75% من هجمات الطائرات المسيرة الحوثية على الشحن الدولي من قبل قوات التحالف الدولي المنتشرة في البحر الأحمر وخليج عدن لمواجهة التهديد الحوثي، مقارنة بنحو 16% من هجمات الصواريخ.

 

علاوة على ذلك، من بين الهجمات التي أصابت أهدافها بنجاح، لم يتم استخدام الطائرات المسيرة إلا في حالة واحدة من بين كل خمس حالات.

 

في الواقع، فإن احتمال إصابة الطائرات المسيرة للهدف يأتي في المرتبة الثانية بعد تكتيكات الحوثيين. حيث يمكن للجماعة تصنيع هذه الأجهزة بكميات كبيرة وبتكلفة منخفضة، وتستخدم الطائرات المسيرة بشكل أساسي لزيادة التهديدات للملاحة البحرية دون التسبب في أضرار مباشرة للسفن.

 

هذه الاستراتيجية تقلّل من ردود الفعل السلبية على سمعة الحوثيين وتجبر التحالف الدولي على نشر أنظمة الدفاع الجوي المكلفة ضد أجهزة زهيدة الثمن نسبياً.

 

بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الحوثيين ينشرون أنواعًا مختلفة من الأسلحة بناءً على الموقع الجغرافي للهدف. حيث أن الطائرات المسيرة تُستخدم بشكل أساسي لرصد الأهداف في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر، الأقرب إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بينما تُستخدم الصواريخ بشكل رئيسي في خليج عدن.

 

ويمكن تفسير ذلك بأن الحوثيين يستخدمون الطائرات المسيرة، نظرًا لبطئها مقارنة بالصواريخ، في المنطقة الأصغر من البحر الأحمر الجنوبي لتجنب معدل اعتراض أعلى في منطقة خليج عدن، حيث سيكون لدى القوات الدولية وقتًا أطول للرد.

 

كيف يستطيع الحوثيون الاستمرار في حرب الطائرات المسيرة؟

في عام 2018، تمكن الحوثيون من الحصول على تقنية الطائرات المسيرة بشكلٍ مطرد، ومنذ ذلك الحين واصلوا تطوير قدراتهم على استخدام أجهزة أكثر تطوراً. كما أظهرته الاستراتيجيات الست المذكورة سابقاً، فإن استراتيجيات الحوثيين في الحرب بالطائرات المسيرة غيرت مسار الصراع في اليمن بشكل كبير.

 

أثبتت هجمات الطائرات المسيرة الحوثية فاعلية كبيرة في تحقيق انتصارات رمزية من خلال الضربات الموجهة، سواء من خلال زعزعة استقرار الحكومة المعترف بها دوليًا أو من خلال الكشف عن نقاط ضعف القوى الإقليمية والدولية.

 

ومع ذلك، كانت الطائرات المسيرة أقل فاعلية بكثير في المعارك البرية، حيث فشلت في تحقيق الأهداف الاستراتيجية أو تغيير ميزان القوى لصالح الحوثيين.

 

أتاحت تقنية الطائرات المسيرة المتطورة للحوثيين تفوقاً تكتيكياً مؤقتاً مكنهم من الحفاظ على خطوة سبق عن خصومهم. تمكنت الجماعة من استغلال نقاط ضعف الخصم ببراعة، وذلك من خلال الابتكار المستمر في مجال الطائرات المسيرة، وتوسيع نطاق الأهداف العسكرية، والاستفادة من ضعف رغبة أعدائها في تحمل المخاطر على أراضيهم ومصالحهم الاقتصادية.

 

يطرح هذا التحليل سؤالاً حول استدامة فعالية ونجاح الهجمات الطائرات المسيرة الحوثية.

 

يتوقف الأمر على عاملين أساسيين. الأول هو قدرة الحوثيين على الابتكار: فما مدى قدرتهم على استحداث أهداف جديدة وتطوير أساليب جديدة؟ ومن المتوقع أن يتراجع وتيرة الابتكار في المستقبل القريب ما لم تتخط الجماعة الخطوط الحمراء كما هدّد المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام.

 

ومع ذلك، فإن التطورات التكنولوجية البسيطة - مثل المحرك الذي زاد من مدى صاروخ صماد 3 مما أتاح الهجوم على تل أبيب في 19 يوليو - تواصل تقديم إمكاناتٍ لأهداف واستراتيجيات جديدة. وفي هذا الصدد، سيظل دور طهران في توفير التدريب والتكنولوجيا المتطورة أمراً أساسياً لنجاح الحوثيين عسكريًا.

 

العامل الثاني هو قدرة الخصم المناهض للحوثيين على مواكبة استراتيجيات الحوثيين وسد الفجوة التي خلفتها الحرب غير المتكافئة. وقد قامت السعودية بالفعل بشراء أنظمة دفاع جوي جديدة، وهناك المزيد، ولكن من غير المحتمل أن تقضي على تهديد الطائرات المسيرة بشكل كامل.

 

من جهة أخرى، تواجه عملية حارس الازدهار صعوبات تتمثل في تكلفة إسقاط الطائرات المسيرة زهيدة الثمن بصواريخ مرتفعة الكلفة. وبشكل عام، يبقى التحدي الأبرز أمام القوى الإقليمية والدولية هو تقبل حقيقة أن المخاطر المصاحبة للحرب غير المتكافئة ستظل إلى حد كبير غير قابلة لتفاديها.

* للإطلاع على المادة الأصلية كاملة من هنا




تعليقات
square-white المزيد في ترجمات