آخر الأخبار
تغيّر الوضع العسكري في الحديدة يخلق تحولات جديدة بين الحكومة والحوثيين
صورة أرشيفية
الأحد, 28 نوفمبر, 2021 - 09:28 صباحاً
خلقت التغيّرات المفاجأة للوضع العسكري في محافظة الحديدة خلال الأسبوعين المنصرمين تحولات جديدة في مسار الحرب والسلام في جبهات الصراع المسلح بين الحكومة اليمنية والانقلابيين الحوثيين في محافظات تعز ومأرب وشبوه وغيرها، والتي ساهمت في تحريك المياه الراكدة في بعض جبهات المواجهات وبالذات في المناطق الحدودية بين محافظات الحديدة وتعز وإب، على الساحل الغربي اليمني.
وقرأت النخبة اليمنية عملية الانسحاب المفاجئ بدون قتال للقوات المشتركة الموالية لدولة الإمارات من محيط مدينة الحديدة التي تسيطر عليها ميليشيا جماعة الحوثي الانقلابية منتصف الشهر الجاري، من زوايا مختلفة، تباينت بين التخوين والتكتيك العسكري، وذهب البعض منهم بعيدا للحديث عن امكانية أن تكون هذه العملية محصلة لإبرام «صفقة» بين إيران والإمارات.
واوضحوا أن المستفيد الأكبر من هذه الصفقة جماعة الحوثي، حيث قطفت ثمرتها بسيطرة ميليشياتها الكاملة على المناطق التي تم الانسحاب منها، في «مقابل محتمل» وهو انسحاب ميليشيا الحوثي من المناطق الجنوبية لمحافظة الحديدة المحاذية لمدينة المخا، التابعة لمحافظة تعز، حيث تتخذ منها قيادة قوات الساحل الغربي مركزا لها بقيادة العميد طارق محمد عبدالله صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي صالح، وهي جزء من القوات المشتركة في الساحل الغربي التابعة لدولة الإمارات ولا تخضع مطلقا لسلطة الحكومة الشرعية.
الإعلامي اليمني عبدالله دوبلة وهو من أبناء محافظة الحديدة قال لـ«القدس العربي»: «أظن أن الانسحاب متعلق بالقوات المشتركة ذاتها التي كان وضعها العسكري غير مريح في محيط مدينة الحديدة، خاصة مع اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة ومع الفيتو الدولي الذي يمنع دخول القوات الحكومية إلى مدينة الحديدة، وهذا التموضع قد يعطي هذه القوات وضعية أفضل دفاعيا، على محور هذه القوات وهو محور مدينة المخا، جنوبا».
وأضاف «أعتقد أن أغلب هذه العمليات تتمحور حول فكرة حماية مدينة المخا، فالمواجهات الحالية المتمركزة في مناطق الخوخة وحيس وشمير المحيطة بمدينة المخا كلها تتمحور حول حماية تمركز القوات التهامية في مدينة المخامشيرا إلى أن انسحاب القوات المشتركة أو إعادة التموضع أو حتى العمليات العسكرية تنطلق من هذه الفكرة.
وتساءل عما إذا كانت هناك صفقة أبرمت بين الإمارات والإيرانيين والحوثيين أسفرت عن هذا الانسحاب العسكري المفاجئ للقوات المشتركة الموالية للإمارات من محيط مدينة الحديدة أم لا، وأجاب «لا أستطيع الجزم، لكن ما أستطيع تأكيده هو أن هذه العمليات العسكرية من إعادة التموضع تخدم وضع هذه القوات لتأمينها وتعطيها وضع أفضل لحماية هذه القوات في مساحة لا تتعدى 30 كيلو مترا، ما بين البحر والجبل، وأنا لا أرى أن هذه العملية بمعزل عن هذا الموضوع».
إرهاصات لخروج التحالف من اليمن
إلى ذلك كشف رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث عبدالسلام محمد، لـ«القدس العربي» وهو مستشار وزارة الإعلام في الحكومة الشرعية، ان هذه التحركات العسكرية المفاجأة قد تكون في إطار إرهاصات محتملة لخروج التحالف من اليمن، حيث أن السعودية والإمارات يريدان الانسحاب من اليمن بأقل الخسائر، وإيران تريد ان تسيطر على مأرب، والمجتمع الدولي يريد إيقاف الحرب في اليمن، وهذه المرتكزات نتج عنها حراك عسكري على الأرض.
وأوضح أن «إيران والحوثيين صعّدوا عسكريا في مأرب، لإسقاط المدينة، والإمارات تريد أن تخرج من اليمن مع ضمان حماية من خلال عقد صفقة ظاهريا ولو وهمية وكأنها من تحت الطاولة مع جماعة الحوثي، لكن الأمور تمضي باتفاق بين الإمارات والسعودية، فتم على ضوء ذلك انسحاب القوات المشتركة الموالية للإمارات من جنوب الحديدة».
وأضاف «يبدو لي أن السعودية ترى في أن هذا الانسحاب يحرك المياه الراكدة، ويشتت تركيز الحوثيين على مدينة مأرب، لأن السعودية تريد الخروج من اليمن، لكنها في ذات الوقت لا تريد سقوط مأرب في أيدي الحوثيين».
وأكد محمد ان هناك الكثير من التوهّمات التي تطرأ الآن مع المستجدات الراهنة، تتعلق بالسيطرة الكاملة للحوثي على محافظة الحديدة، وسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات على محافظة شبوة، فيما يتاح فرصة جديدة للسلام في محافظة مأرب التابعة للحكومة الشرعية برعاية دولية.
وأشار إلى أن المجتمع الدولي ينظر إلى انسحاب القوات المشتركة من محافظة الحديدة قد تدفع باتجاه عملية السلام، أو الذهاب إلى طاولة المفاوضات بشأن إحلال السلام في اليمن، لأنها بمثابة «لقمة كبيرة» وضعت في فم الحوثي «قد تشبعه» وتدفعه لعملية سلام أو الذهاب لعملية السلام.
وكشف أن كل هذه التحركات العسكرية والدبلوماسية الراهنة من كل هذه الأطراف المحلية والدولية «تلعب بعيدا عن إرادة الحكومة الشرعية في اليمن، حيث ان الشرعية مغيبة تماما عن هذا الأمر».
وبشأن الوضع الميداني، هل يمكن الاستفادة من هذه التحركات أم لا، قال رئيس مركز أبعاد «أعتقد أن تحرك الجبهات الشرقية للساحل الغربي التهامي في محافظة الحديدة مهمد جدا، ويمكن من خلالها الضغط أكثر على الحوثيين للتراجع أكثر إلى الخلف في مناطق بعيدة عن الساحل، وهذا بالضرورة سيؤدي إلى تخفيف الضغط الحوثي على مدينة مأرب».
وأشار إلى أن هذا الضغط على الحوثيين هناك سيمنح أيضا متنفسا للتحرّك من قبل قوات المحور العسكري لمحافظة تعز، التابع للحكومة الشرعية، لتحرير الأرض كاملا هناك وفك الحصار الحوثي المفروض على مدينة تعز منذ منتصف 2015 ومنها خلق لُحمة بين القوات المقاتلة على الأرض بجميع أطيافها المتعددة الولاءات للخارج والداخل الذي انعكس على الوضع العسكري الميداني.
سخط كبير ودعوة لتجاوز الاختلافات
من جانبه شن عضو مجلس النواب اليمني شوقي القاضي، جام غضبه على قوات الحكومة الشرعية في محافظة مأرب وعلى القوات المحسوبة على التحالف العربي في محافظة الحديدة بقوله ان أولئك سلّموا نِهْم والجوف والبيضاء ومديريات من مأرب للميليشيات الحوثية بمبرر «الانسحاب التكتيكي» وهؤلاء يسلمون مديريات الحديدة والساحل للميليشيات الحوثية بمبرر «إعادة التموضع» قد قلنا لكم «المشكلة في فساد وخيانات موميا الشرعية والتحالف، ومالم يصطف أحرار اليمن وأبطال الجيش والقبائل والمقاومة فإن (التكتيكات) و(التموضعات) ستسلم ما تبقى من اليمن للميليشيات الحوثية وغيرها».
مشيرا إلى أن من وصفهم بـ«الكومبارس» و«الدُّمى المتحركة» التي قال إن «أزرار مفاتيحها في أبوظبي ومختلف العواصم الخليجية فلا تعوِّلوا عليهم لأنهم أعجز عن القيام بأي شيء على الأرض».
وفي ظل هذه الأجواء المفعمة بالمتناقضات في اليمن حذّر رئيس مجلس الشورى، النسخة الحكومية، دكتور أحمد عبيد بن دغر، وهو رئيس الوزراء السابق، من مغبة الاختلافات البينية وخطرها على وحدة صف الشرعية في مواجهة الانقلابيين الحوثيين فقال «نحن جميعًا نحتاج إلى سياسات تغادر خصوماتنا التي شكلت سببًا أساسيًا لخسائرنا أمام الحوثيبن، وأمام إيران».
وشدد على أن «المسؤولية الأولى إنما تقع على عواتقنا نحن اليمنيين، عندما ندرك أن اليمن في وحدته ونظامه الجمهوري هي قضيتنا الأولى والكبرى والمركزية، وأنهما جوهر الصراع».
وأوضح أن قواعد اللعبة تتغير اليوم في المنطقة، فخصوم الأمس لم يعودوا خصومًا، وتكتسب العلاقات بين دول المنطقة أبعادا جديدة، ويخطب الجميع ود الجميع، «ولا يمكننا في الشرعية أن نبقى مجرد صدى لهذه التحولات، لنذكر ونتذكر أن في ذمة الشرعية بيعة للشعب اليمني، وقسمًا مغلظة».
تحركات دبلوماسية واسعة
دبلوماسيا ضاع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ في زحمة هذه الأحداث العسكرية المتسارعة على الأرض، والتي لم يستطع أن يبني على أي منها رؤية جديدة لمشروع سلام شامل ودائم في اليمن، يرضي جميع الأطراف، حيث يقوم بجولات مكوكية في دول المنطقة والعالم للقاء بالمسؤولين اليمنيين في الداخل والخارج ولقاء صناع القرار في عواصم تلك الدول المهتمة بالشأن اليمني، اختتمها أمس الأول بزيارة لموسكو.
وذكر مسؤول حكومي يمني ممن التقوا بمبعوث الأمم المتحدة منتصف الأسبوع المنصرم في القاهرة لـ«القدس العربي» أنه لا يحمل أي رؤية لحل الأزمة اليمنية سوى محاولة إقناع أطراف الصراع بالجلوس إلى «طاولة المفاوضات» وهناك فقط يمكنهم مناقشة الخطوط العريضة لمشروع رؤية لإحلال السلام في اليمن، على عكس توجهات سلفه مارتن غريفيث الذي ظل طوال فترة عمله باليمن لنحو ثلاث سنوات يعكف على صياغة رؤية لمشروع حل الأزمة اليمنية، والتي «تبخّرت جميعها» قبل أن يتمكن من إقناع أطراف الصراع على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشأنها.
وفي ختام زيارته لموسكو الجمعة أعلن مبعوث الأمم المتحدة عن قلقه البالغ بشأن التصعيد العسكري في محافظة مأرب والساحل الغربي بالحديدة، مسلطًا الضوء على المخاطر الكبيرة التي قد يجلبها المزيد من التصعيد هناك.
وقال غروندبرغ في بيان رسمي نشره موقع مكتبه على الإنترنت «إننا نواجه إمكانية حصول تصعيد عسكري ممّا سيضاعف حتماً معاناة المدنيين». وشدد على ضرورة «مضاعفة الجهود الدولية، كأمر أساسي، لإقناع جميع الأطراف بضرورة تسوية الخلافات عبر طاولة المفاوضات».
وكان غروندبرغ ناقش مع نائب وزير خارجية روسيا فيرشينين سيرغي فازيليافيتش ونائب وزير الخارجية والممثل الرئاسي الخاص لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف (الحاجة الماسة) إلى «تسوية سياسية شاملة وجامعة للنزاع في اليمن».
وبالتزامن مع ذلك كان وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك قام مؤخرا بتحركات دبلوماسية شاملة في دول المنطقة والدول الغربية، لجلب التضامن مع الحكومة الشرعية ورفع رصيدها في المحافل الدولية، بعد أن حققت جماعة الحوثي الانقلابية رصيدا كبيرا على الصعيد العسكري ميدانيا، بالإضافة إلى محاولته الإطلاع عن كثب على النشاط الدبلوماسي للبعثات اليمنية في الخارج، التي تشهد جمودا ملحوظا، نتيجة لأن أغلب أعضاءها من الموالين لنظام الرئيس السابق علي صالح، والذين يميل بعضهم إلى صفوف الحوثي نتيجة مصالح مشتركة بينهم.
وكان بن مبارك شرع مباشرة عقب عودته من الجولة الدولية إلى إصدار قرارات بترشيح سفراء في عواصم الدول التي كانت تشهد سفارات اليمن فيها فراغا دبلوماسيا كبيرا، بينها سفارتا واشنطن وأنقرة، وغيرها، ومن المقرر أن تشمل قراراته إصلاحات وتعيينات دبلوماسية في العديد من السفارات اليمنية.
حضور الوضع الإنساني الصعب
إنسانيا وحقوقيا حضرت الأوضاع الإنسانية الصعبة بشدة في محافظات الحديدة ومأرب في خضم هذه المتغيرات العسكرية الراهنة والتي أسفرت عن وقوع حالات نزوح داخلية بشكل كثيف لم تستطع معه المنظمات المحلية والدولية المعنية بذلك من احتوائها أو التخفيف من معاناة المتضريين منها.
وأعلنت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في بيان لها نهاية الأسبوع المنصرم أن جماعة الحوثي المسلحة أطلقت صواريخ مدفعية وبالستية عشوائيا على مناطق مأهولة بالسكان في محافظة مأرب، ما أدى إلى سقوط ضحايا بين المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وإلى موجة نزوح جديدة منذ أيلول (سبتمبر) المنصرم.
وقالت المسؤولة عن الملف اليمني في «هيومن رايتس ووتش» أفراح ناصر، إن «المدنيين والنازحين في مأرب عالقون في مرمى النيران منذ نحو سنتين، ويعاني بعضهم من الحرمان القاسي». مضيفة أن «هجمات الحوثيين العشوائية المتكررة على المدنيين ومنع وصول المساعدات الإنسانية أصبحت نمطا مخزيا يُضاف إلى السجل الحقوقي المزري للجماعة».
في غضون ذلك دعت منظمة «رايتس رادار» لحقوق الإنسان، التي تتخذ من أمستردام مقرا لها، في بيان الخميس، المجتمع الدولي إلى التدخل الجاد والعاجل لوضع حد للانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين في محافظة الحديدة، وإنقاذها من حالة الانتقام الجماعي الذي طال سكانها خلال الفترة الأخيرة.
وطالبت مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ بـ«المساهمة بشكل مباشر في تفعيل الرقابة الدولية (إنسانياً وحقوقياً) في محافظة الحديدة وذلك للاطلاع عن قرب على الوضع الإنساني فيها وما يتعرض له سكانها خصوصاً المناهضين لجماعة الحوثي، التي استغلت الوضع لممارسة حالات انتقام جماعية منهم، حيث لا تسمح بأي صوت معارض لها في مناطق سيطرتها ومنها محافظة الحديدة». ودعت إلى تفعيل الدور الرقابي الدولي على ما يعيشه سكان مدينة الحديدة التي تحولت إلى ما يشبه «السجن المفتوح» وتفتقر تماماً للحريات الأساسية نتيجة القمع الذي تمارسه جماعة الحوثي بحق السكان وفي مقدمتهم السياسيين والصحافيين والنشطاء ووسائل النشر، «ما أدى إلى هجرة ونزوح أكثر من 95 في المئة من صحافييها وناشطيها وتوقيف المواقع والصحف والأنشطةالإعلامية الحزبية والأهلية».
وشهدت محافظتا الحديدة ومأرب موجات نزوح كبيرة وغير مسبوقة قدرت بعشرات الآلاف من الأسر التي أجبرتها التصعيدات العسكرية هناك أو وقوعها في خطوط التماس على النزوح الداخلي بحثا عن ملاذات آمنة أو الهروب من العمليات الانتقامية التي تقوم بها ميليشيا الحوثي في المناطق التي تسيطر عليها.