آخر الأخبار
تصدير الموت وإعادة الحياة..اليمن بين أطماع السعودية وأدوار سلطنة عمان
الخميس, 16 أبريل, 2020 - 12:10 صباحاً
على مدى أكثر من 5 سنوات، قتل وأصيب عشرات الآلاف من اليمنيين، وعانت البلاد من ارتفاع معدل الوفيات بأمراض وأوبئة كان يمكن السيطرة عليها، كما تضررت الجوانب الاقتصادية والصحية والسياحية وقطاعات أخرى في اليمن.
وتسببت الحرب التي تقودها السعودية والإمارات في اليمن في وصول اليمن إلى مستوى أسوأ أزمة إنسانية في العالم وفق تقارير المنظمات الأممية، وتجاوزت كلفة الحرب مليارات الدولارات، كما أنها ساهمت بشكل كبير في مزيد من التشظي والانقسامات، وأنشأت مليشيات مناوئة للحكومة الشرعية، في الوقت الذي أضعفت فيه السلطات الرسمية بطريقة أو بأخرى.
أنفقت السعودية مليارات الدولارات على صفقات السلاح، ووفق بيانات حديثة نشرتها "الغارديان" البريطانية منتصف أبريل الجاري، فقد دفعت أكثر من 15 مليار جنيه استرليني لإحدى شركات الأسلحة البريطانية فقط، حيث كانت تستخدم تلك الأسلحة في استهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية للبلاد وفق الصحيفة.
تقول الرياض إنها تسعى إلى إعادة الشرعية في اليمن، فيما تتهم الحكومة اليمنية شريكتها الإمارات بدعم ميلشيات مسلحة للانقلاب على السلطة، وقصف الجيش اليمني، وتشجيع كل محاولات إعاقة التنمية وإعادة الإعمار والاستقرار إلى المحافظات التي يفترض أن تكون تحت سيطرة الحكومة.
كما تروّج الرياض وأبوظبي لـ"أعمال إنسانية"، خاصة في محافظتي المهرة وسقطرى، وهي المظلة التي دخلت بها قوات الدولتين إلى تلك المحافظات، وبدأت بدعم الفوضى، ومحاولات الانقلاب، وانتهكت القوات السعودية حقوق الإنسان، وعطّلت الكثير من الحياة في المهرة، فيما لاتزال الإمارات تبذل كل جهودها بالمال والسلاح لتكرار سيناريو عدن في سقطرى.
على الجانب الآخر، لم تكتفِ سلطنة عمان برفض مشاركة السعودية والإمارات حربهما على اليمن، بل سعت ولاتزال لتقريب وجهات النظر بين اليمنيين، عبر دعم الملف السياسي واستضافة لقاءات للتوصل إلى سلام ينهي الحرب.
استضافت السلطنة لقاءات على المستوى اليمني، إلى جانب استضافة للمشاركين في الحرب (السعودية على وجه الخصوص)، واللاعبين الرئيسيين فيها، كالولايات المتحدة وبريطانيا، بهدف دعم كل المساعي الهادفة لإحلال السلام في اليمن.
وإلى جانب دعم الملف الإنساني، تواجدت السلطنة بقوة في الملف الإنساني، دون صخبٍ أو ضجيج إعلامي، أو استثمار لهذا الملف، وعادت طائراتها وقوافلها التي أوصلت المساعدات إلى المهرة وسقطرى ومحافظات أخرى، بينما حرصت السعودية والإمارات على إبراز القوة العسكرية في المحافظات التي تقول إنها تقدم لها مساعدات إنسانية.
لا حدود ولا حواجز
فتحت سلطنة عمان منافذها وأبوابها لليمنيين، سواء أولئك الراغبين بالسفر لأغراض الدراسة، أو آلاف الجرحى والمرضى الذين يسافرون عبر السلطنة لأغراض العلاج، في ظل إغلاق السعودية المنافذ البرية الحدودية معها، كما أعُلن عن افتتاح المركز العربي للأطراف الصناعية للجرحى اليمنيين في صلالة، مطلع مارس الماضي.
تشير التقارير إلى أن أكثر من مليون مسافر من اليمنيين سافروا خلال الأعوام الماضية عبر منفذ شحن الدولي الحدودي مع سلطنة عمان، فيما تكدّس آلاف المسافرين خلال سنوات الحرب، في منافذ السعودية، ولاقوا معاملة ممنهجة، كما أظهرت تحقيقات تلفزيونية، بثتها قناة "الجزيرة" مؤخراً أن السعودية تتعامل بطريقة غير إنسانية مع المجندين اليمنيين الذين يدافعون عن حدودها الجنوبية.
امتدت الانتهاكات السعودية لتشمل المسافرين اليمنيين عبر المنافذ المشتركة مع سلطنة عمان بعد سيطرة القوات السعودية عسكرياً على المنافذ البرية المدنية في محافظة المهرة، وهو الأمر الذي لاقى رفضاً شعبياً واسعاً، ودعوات من "لجنة اعتصام المهرة"، للمطالبة بانسحاب القوات السعودية من المنافذ في المحافظة.
جسور الخير
على مدى سنوات، استمرت المساعدات الغذائية والدوائية العمانية تصل إلى محافظات يمنية، كما دعمت العديد من مشاريع البنية التحتية والخدمات الأساسية.
وفي يناير 2020 دشنت السلطنة جسراً جوياً من المساعدات الإنسانية إلى محافظة أرخبيل سقطرى التي عانت من وطأة الحرب التي قطعت الطرق إليها، إضافة إلى الأضرار الجسيمة التي خلفتها الأعاصير في المحافظة.
وعلّق المستشار الإعلامي للسفارة اليمنية في العاصمة السعودية الرياض، عارف أبو حاتم، على الجسر الطبي الإغاثي المقدم من سلطنة عمان، لأبناء محافظة أرخبيل سقطرى، للتخفيف من آثار الأزمة الإنسانية التي خلّفتها الحرب والأعاصير.
وقال أبو حاتم، في تغريدة له على "تويتر"، إن الجسر الطبي الإغاثي من سلطنة عمان وصل إلى سقطرى، حيث جاء العمانيون وأوصلوا مساعداتهم، وغادروا دون أن يطلبوا من أحد أن يعلق لهم لوحات (شكرا سلطنة الخير).
وأضاف: أفرغوا حمولاتهم وغادروا ولم ينزلوا معهم مدرعات ودبابات، ولا شركة اتصالات تعمل برقمهم الدولي، ولا فكروا يعملوا نخبة أمنية. واختتم المستشار الإعلامي تغريدته بالقول: هذا هو منطق الدول التي تحترم نفسها وسيادتها.
في أبريل الجاري، قدّمت الهيئة العمانية للأعمال الخيرية أكثر من 24 ألف سلة غذائية لمحافظة المهرة، عبر 100 شاحنة وصلت إلى المنطقة الحرة بمنفذ صرفيت الحدودي، وتضاف إلى المساعدات السابقة التي لم تتوقف خلال سنوات الحرب.
المهرة..المساعدات العمانية والأطماع السعودية
خصّصت سلطنة عمان جزء كبيراً من مساعداتها الإغاثية لمحافظة المهرة الحدودية، التي حظي أبناؤها بالعديد من الامتيازات، ومن ناحية أخرى تعرضوا لانتهاكات عديدة من القوات السعودية وصلت حدّ القتل، وتفريق المتظاهرين بقوة السلاح، والسجن، ومداهمة المنازل، وإقلاق السكينة العامة، واستهداف مناطق مأهولة بالسكان بطيران الأباتشي.
قدّمت الهيئة العمانية مساعدات على مستوى واسع للقطاع الصحي في محافظة المهرة، ودعمت مستشفى حوف الريفي على مستوى الإمكانيات والمعدات ورواتب الموظفين والعاملين لتحسين الخدمة الصحية وتخفيف العبء على المرضى.
وإلى جانب مستشفى حوف، تدعم السلطنة مركز السلطان قابوس الصحي بمديرية شحن، وتعمل باستمرار على تخفيف التحديات والأعباء التي تواجه القطاع الصحي في المحافظة بشكل عام.
ولم تغب السلطنة عن محافظة المهرة في ظل مخاوف انتشار فيروس كورونا، حيث سلّمت، الأربعاء 15 أبريل 2020، مساعدات طبية عبر منفذ المزيونة العماني، تحوي أدوات حماية لمواجهة الوباء.
وسبق أن نظمت الجهات الصحية في السلطنة جلسة تطبيقية وتثقيفية لكادر طبي من أبناء محافظة المهرة في إطار التوعية بطرق التعامل والوقاية من فيروس كورونا، وتأهيل الكوادر الطبية لمواجهة الوباء، وشارك في التدريب أطباء من محافظة المهرة، يمثلون مستشفى حوف الريفي ومركز السلطان قابوس الصحي.
وتدعم السلطنة محافظة المهرة في مجالات التعليم والصحة والكهرباء، والمياه، والطرق، والنظافة، والعديد من المشاريع الخدمية والتنموية الحيوية، إلى جانب المشاريع الإنسانية ككفالة الأيتام وإفطار الصائمين، والمساعدات الغذائية.
في الناحية الأخرى، أدخلت السعودية قواتها العسكرية بأعداد غير مبررة، خصوصاً في المحافظة التي لاتشهد مواجهات عسكرية، وعلى مدى أكثر من عامين، كشفت المظاهرات والاحتجاجات في المحافظة الوجه الآخر الذي لم تشأ السعودية أن تظهره.
نجحت الاحتجاجات في تركيز وسائل الإعلام العربية والدولية الاهتمام على محافظة المهرة، وبالتالي بدأت الأطماع السعودية في المحافظة تتكشف، وتؤكد نية الرياض في مدّ أنابيب نفط للوصول إلى بحر العرب، لكن بطرق غير شرعية، ودون الحصول على موافقة من الجهات الدستورية في اليمن، فيما قال وكيل المحافظة السابق الشيخ علي الحريزي، في لقاء تلفزيوني بثته قناة "المهرية" مطلع أبريل الجاري، إن السعودية تبحث عن أطماع ووجود أبدي في المحافظة.
وفي المهرة أيضاً كشف تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" نُشر مؤخراً، أن القوات العسكرية السعودية نفّذت انتهاكات خطيرة ضد أبناء المهرة شملت الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والاختفاء القسري، والنقل غير القانوني للمحتجزين إلى السعودية.
وأكدت أن القوات السعودية اعتقلت بشكل تعسفي مواطنين قبل أن تحتجزهم وتعذبهم في سجونها بمطار الغيضة، الذي حولته إلى ثكنة عسكرية.
وأثناء مظاهرة في نوفمبر2018، أطلقت مليشيات تدعمها السعودية الرصاص الحي على متظاهرين في محافظة المهرة، ما أدى إلى مقتل متظاهرَيْن اثنين على الأقل وأصابت آخر.
واعتبر مايكل بَيج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها القوات السعودية ضد سكان المهرة هي أمر مرعب آخر يُضاف إلى قائمة الأعمال غير القانونية للتحالف بقيادة السعودية في اليمن.
ومع عدم إغفال ما تسبب به الحوثيون نتيجة انقلابهم على الشرعية في اليمن، إلا أن ما دفعته البلاد من كلفة باهضة للتدخل العسكري السعودي يفوق النقطة الأولى بكثير، ولم يكن اليمنيون على تناقض مع السعودية لولا الانتهاكات والتدمير الذي أحدثته في بلادهم.
ظلت اليمن عموماً والمهرة وسقطرى خصوصاً آمنة ومستقرة، حتى دخلت القوات السعودية والإماراتية إلى المحافظتين فحوّلتهما إلى مناطق صراع وأزمات امتدت لتؤثر على الكثير من اليمنيين الذين ظلّت المهرة متنفساً لهم، والمنافذ إلى السلطنة "ثغرة النور" في ظل إغلاق المنافذ البرية والموانئ والعديد من المطارات.
ومن الناحية الأخرى، لم تكن للسلطنة تأثيرات سلبية على المهرة المجاورة لها واليمن بشكل عام، بل بالعكس ظلت تقف إلى جانب الإنسان اليمني، ولايزال اليمنيون يشيرون إليها باعتبارها شوكة الميزان التي يعوّل عليها لدعم الملف الإنساني ومساعي الحلول السياسية.