آخر الأخبار
حصاد حضرموت في 2024.. حراك قبلي متصاعد على وقع الاستقطاب السياسي الحاد
خلال احتشاد قبائل حضرموت - أرشيفية
الجمعة, 20 ديسمبر, 2024 - 04:37 صباحاً
شهد الحراك القبلي في حضرموت تصاعدًا ملحوظًا خلال العام 2024، نتيجة لتفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة، مع تزايد الانقسام السياسي بين الأطراف المختلفة في البلاد، خصوصًا بين الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، بدأ العديد من القبائل في حضرموت بتعزيز دورها في المشهد السياسي والأمني.
وخلال 2024، تصاعدت حدة الاستقطابات السياسية في المحافظة الغنية بالثروة النفطية، وكثرت تشكيلات المجالس القبلية ذات الدوافع السياسية، ما أثار مخاوف المجتمع من تحويل المحافظة إلى ساحة للصراع بين القوى الإقليمية (السعودية والإمارات)، إذ يسعى كل طرف لدعم طرف موجود على الأرض.
هذا الصراع ظهر أيضاً، في الجانب السياسي والعسكري مع سعي كل طرف لاستكمال سيطرته على بقية المحافظة، واستغلال الثغرات الناتجة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، مثل انقطاع الكهرباء وتعثر تسليم المرتبات، الأمر الذي جعل من حضرموت ملعباً للاستقطابات من خلال التشكيلات والكيانات التي يجري تشكيلها في ظل غياب كيان جامع أو دور للأحزاب السياسية وبرامجها ورؤاها.
إذ تسعى الكثير من التكتلات القبلية في حضرموت، إلى الحفاظ على الاستقلالية في مواجهة محاولات السيطرة من قبل الأطراف المتنازعة في الحرب اليمنية، وذلك بهدف الحفاظ على مصالحها المحلية وتوجيهها بعيدًا عن الصراعات السياسية بين الحكومة والمجلس الانتقالي.
يعسك هذا الحراك القبلي في حضرموت، رغبة تلك المكونات في زيادة الضغط على الأطراف السياسية، سواء الحكومة أو المجلس الانتقالي الجنوبي، للموافقة على مطالب القبائل في منحهم مزيدًا من الحكم الذاتي في المنطقة، إضافة إلى توسيع دورها في إدارة شؤون المحافظة، خصوصًا في مجالات الأمن والاقتصاد، هدف تحقيق الاستقلالية والتمتع بموارد المحافظة، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والتنافس بين القوى السياسية.
سير الأحداث
في أواخر شهر يوليو 2024 وبعد عدة بيانات تصعيدية أعلنها مؤتمر حضرموت الجامع وحلف قبائل حضرموت، وفي خضم زيارة رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي، قرر المؤتمر الجامع مقترنا بحلف قبائل حضرموت -وكلاهما يرأسهما الشيخ عمرو بن حبريش- الذهاب إلى تصعيد ميداني في محاولة إيقاف تدفق المحروقات إلى ساحل ووادي حضرموت.
الحلف شرع في الاحتجاج عن طريق نصب خيام اعتصام في المنطقة المرتفعة الوسطى الواقعة بين ساحل ووادي حضرموت في أعلى الهضبة الجنوبية، والقيام باستحداث نقاط مسلحة للتفتيش والمراقبة من جانب عناصر تابعة لحلف قبائل حضرموت.
وكان الحلف حينها يهدف إلى الضغط على أعضاء المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية، لغرض تحقيق حزمة من المطالب الأساسية، إضافة إلى منع تصدير النفط إلى الخارج عبر ميناء ضبة النفطي، على الأخبار المنشورة والمسربة بأن هنالك صفقة سياسية بين جماعة الحوثي والشرعية تقرر في أحد بنودها السماح بتصدير النفط عبر ميناء ضبة من قِبل الشرعية، وهو الأمر الذي أثار غضب وعبر الشيخ عمرو بن حبريش عن رفضه ذلك الإجراء في تصريح له جاء فيه: (المخزون النفطي الحالي في خزانات ميناء ضبة والمسيلة حق من حقوق حضرموت، ولن نتنازل عنه، على أن تسخر كامل قيمته لشراء طاقة كهربائية لحضرموت)
عام الظلام في حضرموت
التحركات المتصاعدة في حضرموت، أدت إلى إرباك في السوق المحلي للمحافظة من حيث ندرة وجود مادة الديزل في بداية الأمر، ومن ثم انقطاع كبير لخدمة الكهرباء على عموم المحافظة، وهذا الأمر جعل السلطة المحلية بالمحافظة تبدو في حالة ضعف وعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها الأساسية تجاه المواطن.
كما أنها أدت إلى رفع درجة التوتر السياسي في المحافظة بين السلطة المحلية بقيادة مبخوت بن ماضي، ووكيل أول بتزعمه التحرك القبلي والاحتجاج الميداني ونصب النقاط القبلية على خط المسيلة بالقرب من مقر شركة بترو مسيلة المنتجة للنفط في عموم المحافظة في الوقت الحالي.
ومع احتدام الصراع والخلافات، ازدادت حدة الوضع الاقتصادي بشكل ضخم داخل المحافظة، بسبب ندرة مادة الديزل المتوقف عن المرور نتيجة تقطعات حلف القبائل مما أدى إلى زيادة سعر الديزل في السوق المحلية، وهو ما رفع من ساعات انقطاع الكهرباء ما بين 10 إلى 20 ساعة في اليوم ما فاقم الضغط الاقتصادي الضخم جداً الذي صار على عاتق المواطن.
وتسبب الانقطاع الطويل للكهرباء، في حالة من الغليان والغضب الشعبي صد السلطة المحلية، وقد أدى ذلك إلى اندلاع احتجاجات واسعة في معظم مديريات المحافظة.
تصاعد المطالب
في يوليو/ تموز 2024، عقد حلف قبائل حضرموت اجتماعًا استثنائيًا لقاداته في الهضبة ، ومنح “الرئاسي” مهلة 48 ساعة لتحقيق مطالبه المتعلقة بتثبيت حق حضرموت في الثروات النفطية والتمثيل السياسي، متوعدا في حال عدم تلبية مطالبه” بوضع اليد على الأرض والثروة”.
وعقب انتهاء المهلتين بدء الحلف بالتصعيد بدءًا مما اسماها “المشاركة الميدانية” وانتشار مسلحيه في الهضبة، والسيطرة على مداخل ومخارج قطاعات الإنتاج النفطي، بالتوازي مع استمرار الاستنفار والتحشيد القبلي، وتواتر الوقفات الاحتجاجية، وصولًا إلى إقامة تمركز لمسلحي الحلف غرب المكلا عاصمة المحافظة في الخامس من سبتمبر/ أيلول.
وفي 27 تشرين الأول/أكتوبر أكد الحلف استمرار التصعيد حتى "تحقيق الحكم الذاتي" لحضرموت باعتباره "حاجة ملحة"، كان ذلك بهدف زيادة الضغط على الأطراف السياسية، سواء الحكومة أو المجلس الرئاسي، للموافقة على مطالب القبائل في منحهم مزيدًا من الحكم الذاتي.
ولم تُجْد الوعود التي ساقها رشاد العليمي لسكان حضرموت في تهدئة كل شيء خلال زيارته الأولى والثانية إلى هناك، ما دفعه إلى اتّخاذ قرار في أغسطس بتشكيل لجنة رئاسية خلت من تواجد أي أعضاء فيها من المحسوبين على مليشيا المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً، ما دفع بعضو المجلس فرج البحسني إلى التحامل على العليمي ومهاجمته.
وفتح البحسني النار على العليمي عبر حسابه في منصة إكس قائلا: “لا جدوى ولا فائدة من تشكيل لجان لحل مشاكل حضرموت لذلك الشكل يا فخامة الرئيس رشاد العليمي”، فذلك يُعتبر تمييعًا لقضايا المحافظة وضياعًا للوقت، وأيضًا فشلًا في مواجهتها بجدية.
تصاعد صراع النفوذ
مثلت حادثة مقتل جنديين سعوديين في نوفمبر2024، على يد مجند في قوات الجيش في اللواء 135 مشاة التابع للمنطقة العسكرية الأولى التي تتخذ من مدينة سيئون بمحافظة حضرموت، أحدث فصول التنافس المحموم، إذ سارع "المجلس الانتقالي" إلى استغلالها للمطالبة بطرد قوات المنطقة العسكرية الأولى، والتي يتهمها بأنها موالية للإخوان المسلمين، من وادي وصحراء حضرموت واستبدالها بقوات النخبة الحضرمية التابعة له والمدعومة من الإمارات.
وفي مواجهة التوجهات الانفصالية للمجلس الانتقالي في حضرموت، سارعت السعودية إلى تعزيز نفوذها التاريخي في المحافظة، من خلال تكيل تشكيل مجلس حضرموت الوطني الذي تم إشهاره، في يونيو/حزيران من العام الماضي، باعتباره الحامل السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري والأمني الممثل لأبناء حضرموت في الداخل والخارج. وفي أكتوبر الماضي عُقدت في الرياض اجتماعات هيئة رئاسة المجلس لاستكمال بنيته التنظيمية، وأُعلن عن تشكيل أمانته العامة وتسمية رئيس هيئة الحكماء (عبد الله مبروك بن عجاج النهدي).
تخوفات دولية
وفي تطور لافت على صعيد الأزمة في حضرموت المتصاعدة، تلقى رئيس حلف قبائل حضرموت، الشيخ عمرو بن حبريش، في شهر سبتمبر، اتصالًا مرئيًا من سفير الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، غابرييل مونورا فينيالس.
ووفق بيان، نشره الحلف آنذاك، فإن “المحادثة تناولت تطورات الأوضاع في المنطقة، والجهود الرامية لتحقيق السلام في البلاد، والدور الذي يضطلع به حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع وتبنيهما القضايا الحقوقية المشروعة، ورفع المظالم وإيجاد الشراكة العادلة”.
وأكدَّ ابن حبريش: “أهمية أن يكون للأشقاء والأصدقاء ومن بينهم الاتحاد الأوروبي دور أساسي في دعم الاستقرار وتعزيز العملية السياسية والوصول إلى سلام دائم” في إشارة إلى ترحيبه بتدخل دولي لإيجاد تسوية للأزمة القائمة.
كما أن بن حبريش سبق، وأن التقى بالسفير الأمريكي إلى اليمن، ستيفن فاجن، خلال زيارته إلى محافظة حضرموت في أكتوبر من هذا العام، في محاولة اعتبرها مراقبون، "سعوديّة" لمنح واشنطن، تأثيرًا مباشرًا على التطورات في حضرموت.
ويرى مراقبون، أن هذه التحركات الدولية تعكس أهمية حضرموت ودورها في الخارطة السياسية اليمنية، ونجاح الحراك القبلي في إيصال الرسالة الاحتجاجية والتصعيدية للمجتمع الدولي، ومؤشرًا عن مدى التعقيد الذي وصلت إليه الأزمة في الآونة الأخيرة، ودليلًا على تخوف المجتمع الدولي من تحول هذه الأزمة إلى معوق جديد أمام أزمة التسوية السياسية في البلاد.