آخر الأخبار

جمودٌ يخيم على الواقع الاقتصادي المنهار ويثير تساؤلات حول مستقبل اليمن وأبنائه (تقرير خاص)

المهرية نت - إفتخار عبده
السبت, 21 سبتمبر, 2024 - 07:26 مساءً

في بداية شهر فبراير من هذا العام، عيّن رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، أحمد بن مبارك رئيسًا جديدًا للحكومة خلفًا لسلفه معين عبد الملك، الذي شغل المنصب منذ عام 2018م.

 

وجاءت هذه الخطوة وسط آمال بأن رئيس الحكومة الجديد سيتمكن من تحسين الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تسببت في معاناة كبيرة للمواطنين.

 

وتزامنت هذه التغيرات السياسية مع توترات في البحر الأحمر؛ إذ استهدف الحوثيون السفن التجارية المرتبطة بالاحتلال، ليبدأ العدوان الأمريكي البريطاني غاراتيه على اليمن، وقد ألقت هذه الأحداث الثقيلة بظلالها على الاقتصاد اليمني المنهار.

 

ولم يذكر المجلس الرئاسي وقتذاك سبب هذا التعديل، لكنه وبحسب ما ذكره محللون- سابقًا- فإن المسألة تأتي في إطار توازنات داخلية، وإرضاء لأطراف سياسية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً.

 

وفي نهاية فترة رئاسة معين عبد الملك للحكومة، ازداد استياء المواطنين في المناطق الخاضعة لها بسبب التدهور الاقتصادي الحاد؛ فقد شهد الريال اليمني انهيارًا كبيرًا أمام العملات الأجنبية، مما أدى إلى ارتفاع فاحش في الأسعار التي باتت ترهق كاهل المواطنين.

 

 ورغم إعلان الحكومة وبنكها المركزي في عدن عن بعض الإجراءات التي كان يفترض أن تحدّ من هذا التدهور، إلا أنها لم تغير في الوضع شيئًا.

 

باحثون ومحللون يعبرون عن الإحباط

ورغم أن تعيين بن مبارك قد حمل معه بعض الآمال لدى قلة من أبناء الشعب، إلا أن هذه الآمال سرعان ما تبددت.

 

وقد كانت هناك تطلعات بأن رئيس الحكومة الجديد سيكون قادرًا على معالجة التدهور الاقتصادي، خصوصًا بعد أن أبدى الشعب استياءه مرارًا من الانهيار الحاصل في سعر الريال وارتفاع الأسعار الجنوني، لكنه وبعد مضي أشهر طويلة من توليه رئاسة الحكومة، لا تزال حالة الجمود الاقتصادي تخيم على الواقع المعيشي للمواطنين.

 

الباحث والمحلل الاقتصادي وحيد الفودعي كان أحد هؤلاء الذين عبّروا عن خيبة أملهم من رئيس الحكومة الجديد، ففي حديثه لـ "المهرية نت"، يقول: "منذ أن تولى أحمد بن مبارك رئاسة الحكومة، أجد نفسي، كغيري من الباحثين والمحللين، عاجزًا عن العثور على أي أعمال حكومية واقعية أو أنشطة أو قرارات جوهرية أو إنجازات ملموسة أو خطط وبرامج حكومية تستحق التحليل والتقييم".

 

حكومةٌ غائبةٌ  عن ساحة العمل

يضيف الفودعي: "كيف يمكن لنا كباحثين القيام بوظيفتنا الأساسية، المتمثلة في تحليل وتقييم وتقويم أداء الحكومة وأجهزتها في الجانب الاقتصادي، إذا كانت الحكومة غائبة عن ساحة العمل الفعلي؟".

 

وتابع حديثه موضحًا: "الجمود الذي يخيّم على المشهد الاقتصادي الحالي يثير تساؤلات خطيرة حول مستقبل اليمن، البلد بحاجة ماسة إلى تحريك ملفات متعددة وحيوية، وعلى رأسها الملف الاقتصادي، الذي يشهد تدهورًا مقلقًا خاصة في ظل التدهور الحاد في سعر الصرف وما يترتب عليه من آثار كارثية على معيشة المواطنين".

 

هذه التصريحات تعكس إحباطًا عامًا لدى المحللين الذين يرون أن غياب الحكومة عن معالجة المشكلات الجوهرية يجعل الوضع أكثر تعقيدًا؛ مع استمرار التدهور الاقتصادي، يزداد الضغط على المواطنين الذين يبحثون عن حلول ملموسة من الحكومة.

 

حكومةٌ  تعمل دون موازنة عامة

في هذا الصدد يشير الفودعي إلى "أن غياب الموازنة العامة منذ تولي ابن مبارك مهامه مثّل ضربة قاصمة لقدرة الحكومة على التخطيط المالي وتنفيذ السياسات الاقتصادية بشكل فعال".

 

وأكد" هذا الفراغ المالي جعل الحكومة غير قادرة على التحكم في الموارد المتاحة، ما أدى إلى تعمق الأزمات، وخاصة في مجالات الخدمات الأساسية، والاستجابة للمتطلبات الاقتصادية الملحة".

 

وأردف "حكومة بن مبارك تفتقر إلى التخطيط الاستراتيجي والقيادة الفعالة، مما يجعل من الصعب معالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية والإنسانية التي تهدد استقرار البلاد".

 

استمرار التدهور الاقتصادي يعكس فشل الحكومة

وعن استمرار تدهور قيمة الريال، يقول الباحث الفودعي إن: " استمرار التدهور الحاد في سعر صرف الريال اليمني – إذ ارتفع سعر صرف الريال السعودي من 435 إلى 500 ريال يمني – يعكس فشل الحكومة في تبني سياسات نقدية فعالة لضبط السوق".

 

ولفت إلى أنه"بدلًا من اتخاذ خطوات جريئة لإنقاذ العملة من الانهيار، اقتصرت الحكومة على ردود أفعال غير متكاملة، أغلبها تصريحات إعلامية غير واقعية؛  مما زاد من حجم التضخم وأثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين".

 

آراءُ المواطنين تعكس الإحباط الشعبي

في السياق ذاته، يقول المواطن مروان الشرعبي لـ "المهرية نت"، "عندما تم تعيين بن مبارك رئيسًا للحكومة رأينا فيه الأمل، وتأملنا من خلاله التغيير للأفضل فيما يخص الوضع الاقتصادي، لكنه لم يكن صاحب رؤية مناسبة يرغب بها المواطن في تحسين حياته فخاب ظننا فيه تمامًا".

 

وأضاف الشرعبي "ضعف الرقابة الحكومية وتساهلها أهلك المواطن اليمني؛ فارتفاع الأسعار والتلاعب بها، إلى جانب ضعف فرص العمل وزيادة البطالة، جعل المواطن يصل إلى مرحلة العجز الحقيقي، حتى أنه يعجز عن أن يثق بقادة الدولة المتعبة".

 

وأردف"إن لم يحدث نهوض وارتفاع اقتصادي أو- على الأقل- مساواة بين الخسارة والربح اللذان يعيشهما المواطن، فالكارثة كبيرة والتدهور الاقتصادي الحاصل اليوم هو مرض عضال يصيب الوطن ويضر بالمواطن؛ يميته موتا سريريًا".

 

وأكد"يجب أن تكون هناك رؤية مستقبلية تخدم المجتمع، فأغلب الشعب اليوم يعيش  تحت خط الفقر، لا رواتب ولا فرص عمل، ولا حل لهذا، يجب معالجة كل المشكلات واتخاذ الإجراءات الحازمة والصارمة التي تساعد المواطنين على العيش في ظل حياة كريمة".

 

وتساءل الشرعبي"مالفائدة من تغيير الوزراء في ظل  استمرار الجمود الاقتصادي الذي نعيشه اليوم، نحن بحاجة إلى تغيير الواقع المعاش، فإلى الحكومة بكل مؤسساتها قوموا بمهامكم الموكلة إليكم بكل إخلاص، أو ناموا ولا تستيقظوا".

 

فقدان الأمل

وبحسرة يقول المواطن سلطان أحمد" لقد فقدنا الأمل بكل  قيادة ماضية أو حالية وحتى في القادم، نحن فقط أصبحنا نعتمد على ذواتنا واجتهادنا وسعينا في سبيل توفير لقمة العيش والجهاد من أجل هذا فقط، لكن التغيير في القيادات العليا أو غيرها لم يعد  يغنينا بشيء".

 

وأضاف أحمد لـ "المهرية نت" منذ تولي بن مبارك والأسعار كل يوم في ازدياد والتجار يزيد جشعهم وطمعهم؛ والموجع أننا لم نلمس أي إصلاحات على أرض الواقع ولو بخطاب رادع للتجار المتلاعبين بمعيشة المواطنين".

 

وأردف" كنا نرى برئاسة بن مبارك للحكومة خيرًا سيحل علينا ولو قليلا من حيث الإصلاح الاقتصادي؛ لكن الإنهيار في زمن توليه أصبح أكبر مما كان عليه في رئاسة معين عبد الملك".

 

وتابع" نحن اليوم  بحاجة إلى إصلاح الوضع المعيشي المتدهور ولسنا بحاجة لمزيد من التغييرات، فهذه التغيرات بمثابة تغيير الملابس للأشخاص أنفسهم".

 

حزمة إصلاحات عاجلة

وفي رده على سؤالنا حول ما هي الإجراءات والإصلاحات العاجلة التي يجب على حكومة بن مبارك القيام بها، أوصى الباحث وحيد الفودعي الحكومة بـ "تعزيز الأداء، وتحقيق تقدم ملموس في ظل التحديات الحالية، ينبغي على الحكومة أن تركز جهودها على استقرار الاقتصاد من خلال إعادة تصدير النفط والغاز، وتطبيق سياسات نقدية صارمة لإدارة سعر الصرف، إلى جانب إصلاح شامل للنظام المصرفي".

 

وزاد "كما ينبغي سرعة إعداد ميزانية للدولة تعكس الاحتياجات الحقيقة، ومن الضروري أيضاً معالجة الأزمات الإنسانية عبر تحسين توزيع المساعدات وتعزيز الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة، خاصة في المناطق المتضررة". 

 

وشدّد الفودعي على ضرورة "أن تكون هناك خطة متكاملة لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، مع التركيز على قطاع الطاقة والبنية الأساسية ومكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة والشفافية يعدان من الأولويات الضرورية لضمان فعالية المؤسسات الحكومية وقدرتها على تقديم الخدمات بكفاءة وشفافية."

 

مما سبق، يتضح جليًا أن الأزمة الاقتصادية في اليمن تستمر في التأثير بشكل عميق على حياة المواطنين؛ إذ تبرز الأوضاع المتدهورة كدليل على التحديات الهائلة التي تواجه حكومة  بن مبارك. بينما يأمل العديد من اليمنيين في أن تتخذ الحكومة خطوات جادة لإصلاح الوضع، فإن التصريحات المتكررة التي تصدر عن المسؤولين تعكس عدم القدرة على تحقيق تقدم ملموس.

 

إن ما أكّده الباحث وحيد الفودعي من أهمية التخطيط الاستراتيجي وتطبيق السياسات النقدية الفعالة، يُظهر الحاجة الملحة إلى استجابة شاملة من الحكومة لمواجهة الأزمات المتعددة، بالإضافة إلى ذلك، تعكس آراء المواطنين، الواقع المرير الذي يعيشه المواطنون؛ إذ تزداد الأعباء الاقتصادية مع غياب أي إجراءات حقيقية لتحسين المعيشة.

 

يتطلب المستقبل اتخاذ قرارات حاسمة ترتكز على فهم عميق للاحتياجات الحقيقية للشعب؛ لذا يجب على الحكومة أن تستمع بشكل فعّال لمطالب المواطنين وأن تستجيب بصورة سريعة للواقع الاقتصادي المتدهو؛ لأجل   معالجة القضايا الجوهرية من خلال الإصلاحات الشاملة، بما في ذلك إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، تمثل الطريق نحو تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في اليمن.

 

في النهاية، يبقى الأمل معقودًا على قدرة الحكومة على تغيير المسار وتحسين الظروف المعيشية للشعب اليمني؛ فإن فشلها في القيام بذلك سيؤدي إلى تفاقم الأزمات وزيادة الإحباط لدى المواطنين، مما يستدعي ضرورة التزام الحكومة بتعزيز الشفافية والفعالية في استجابتها للأزمات، واستعادة الثقة من خلال إنجازات ملموسة تنعكس على حياة الناس.




تعليقات
square-white المزيد في تقارير المهرية