آخر الأخبار

السقايات.. ملاذ آمن للتخفيف من أزمة المياه في ريف اليمن (تقرير خاص)

السقايات في الريف اليمني

السقايات في الريف اليمني

المهرية نت - رهيب هائل
الإثنين, 19 أغسطس, 2024 - 08:59 صباحاً

" كانت أسرتي تعاني كثيرًا في البحث عن المياه أيام الشتاء، وتذهب إلى مناطق بعيدة، تستغرق ساعات طويلة، حتى اضطررت إلى بناء سقاية ( خزان طبيعي) لخزن مياه الأمطار من سطح منزلي والاستفادة منها في فصل الشتاء "بهذه العبارة بدأ المواطن" سفيان شرف". شرح قصته في بناء سقايته الخاصة.

 

ويسكن" شرف"- 72عامًا- في مديرية سامع التابعة لمحافظة تعز، مع أسرته المكونة من ستة أفراد، وسط منزل مكون من طابقين.

 

ومنذ عقود يعاني سكان الريف من شح المياه بشكل مستمر لا سيما أيام الشتاء؛ إذ تتقلص نسبة المياه الجوفية في العيون، وتختفي من بعض الآبار القريبة لمنازلهم ما يضطرهم إلى الذهاب إلى مناطق بعيدة في الأودية لجلبها فوق الدواب" الحمير" أو على رؤوس النساء، وفقًا لمواطنين.

 

ومع تنامي السكان ومحدودية المياه الجوفية وشحتها، تحتاج الأسر إلى نِسب كبيرة من الموارد المائية، لا سيما في المناطق الريفية، والتي تشكل 70%من مساحة اليمن. 

 

وبحسب تقرير لمنظمة “الفاو” فإن حوالي 15 مليون يمني لا يحصلون على مياه شرب آمنة، ومابين 70-80% من النزاعات تدور حول المياه باليمن، وأن نصيب الفرد السنوي من المياه 83 لترًا مكعبًا سنويًا، مقارنة بالحد المطلق 500 لتر مكعب.

 

وصنف التقرير اليمن بأنه أفقر دولة من حيث الموارد المائية، علاوة على أنه يعيش أسوأ أزمة إنسانية.

 

ومع اشتداد أزمة المياه في الأرياف حاولت العديد من الجهات الحكومية والمنظمات الدولية التدخل في بناء مشاريع مياه وخزانات خاصة للمواطنين وحققت نجاحا ملموسا لا سيما في المناطق التي تعاني من الجفاف.

 

ومنذ عام 2008م نفذ الصندوق الاجتماعي للتنمية ما يقارب 50ألف خزان مياه "سقايات" في مختلف مديريات محافظة تعز، ماعدى المديريات الساحلية التي تستفيد من مشاريع الآبار الممكننة، بالإضافة إلى مشاريع حصاد المياه في مدينة تعز". بحسب مدير الصندوق الاجتماعي للتنمية فرع تعز" مروان المقطري".

 

وبسبب أهمية السقايات شرع العديد من الموطنين في بنائها بأنفسهم، وبإمكانياتهم الخاصة، واستغرقوا في ذلك سنوات طويلة، جراء قلة نسبة الدخل لديهم وغياب الدعم من الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، في مناطقهم.

 

يواصل" سفيان شرف" حديثة لـ" المهرية نت" قائلاً:" استغرقت وقتًا طويلًا في حفر السقاية بجوار المنزل وبنائها تقريبا عام ونصف، وخسرت الكثير من النقود وبعد فترة سقفتها بصبة خرسانية، ويبلغ عرض السقاية 3 أمتار وطولها 6 أمتار بشكل مستطيل، وعمقها 4 أمتار".

 

وأضاف" تمتلىء السقاية كل صيف من مياه الأمطار من سطح منزلنا فقط، وتستخدمها أسرتي طوال العام مع توزيع بعضًا منها إلى الجيران والأقارب وغيرهم من المحتاجين".

 

*تخفيف المعاناة

 

وتابع" السقاية خففت معاناة أسرتي بشكل كبير، كونها بجوار المنزل، وحجمها مناسب لخزن كميات كبيرة من الماء وقد تكفي أسرتي مع المواشي لمدة ثلاثة أعوام إذا امتلأت بالكامل".

 

وأفاد بأن" الصندوق الاجتماعي والمنظمات الخارجية عملوا على دعم بعض القرى في الأرياف من خلال توفير لهم الأسمنت والحديد، وأجر العمال لكن قريته لم يصل لها هذا الدعم".

 

ووجه رسالة إلى ملاك السقايات بأن "يخزنوا الماء قبل أن يتعرض إلى أشعة الشمس، لأنها تؤثر على الماء وتصبح المياه غير نقية ومليئة بالبلهارسيا، خصوصا إذا كانت من مياه الأمطار، وأن يعملوا على تنظيفها سنويا".

 

ويعد سفيان شرف واحدًا من مئات المواطنين الذين شيدوا سقاياتهم، بإمكانياتهم الخاصة، دون أن يتلقوا دعما من الحكومة أو الجهات المانحة.

 

ويواصل حديثه " مروان المقطري" مع موقع" المهرية نت" قائلا:" برنامج السقايات الخاصة التابع لوحدة" المياه والبيئة" كبير جدًا، وحقق نجاحا ملموسا، ل50 ألف أسرة تسكن في 18 مديرية جبلية تقريبا، وبحسب تقديرنا فإنه يتم حجز اثنين مليون وخمسمائة ألف متر مكعب من المياه سنويًا ".

 

*توفر مياه نقية

 

وأضاف" السقايات الخاصة حققت فوائد كبيرة، إذ تقرب المياه للسكان بجوار منازلهم وتوفر وقت للفتيات والأطفال للذهاب إلى المدرسة وتوفر مياه نقية، تجنبهم الإصابة بأمراض الكلى والجهاز البولي، فقد حرص الصندوق على تقديم فلتر منزلي ومشنات للمياه بالقرب من الخزانات".

 

وأوضح "المقطري" بأن" الصندوق الاجتماعي أصبح لا يستطع الاستجابة لمطالب السكان بسبب قلة التمويل وكثرة الطلبات من مئات القرى، وأصبح السكان فيها مستعدين لحفر سقاياتهم الخاصة وينتظرون فقط تدخل الصندوق". 

 

وأكد بأن" المناطق الريفية تعاني من أزمة مياه شديدة، ويستغرق الكثير من السكان ساعات طويلة، لجلب الماء، ويمرون بطرق جبلية خطيرة والتي قد تودي بحياتهم ".

 

ومضى قائلًا:" المياه من إحدى الحقوق التي يجب على الدولة توفيرها للسكان وإحدى الحقوق التنموية وحقوق الإنسان ونتمنى أن تعمل الكثير من الجهات على توفيرها لجميع الناس بشكل وافٍ".

 

 

بدوره، يقول المهندس" طارق رزاز" مدير عام الهيئة العامة لمياه الريف في محافظة تعز"إن:" اليمن لا يزال يعاني من شح المياه بشكل كبير ووصلت المعاناة في بعض المدن إلى الحصول على الماء مرة في الأسبوع أو مرتين في الشهر، أما في المناطق الريفية المعاناة أشد من ذلك حيث يستغرق الفرد في جلب المياه إلى أكثر من أربع ساعات ذهابًا وإيابًا".

 

 

وأضاف لـ" المهرية نت" بحسب آخر تقرير للأمم المتحدة عن الوضع المائي في اليمن لايزال هنالك ما يقارب 15مليون نسمة يعانون من عدم الحصول على مياه نقية وصالحة للشرب علمًا بأن الهيئات والمنظمات الدولية لم يغطوا سوى28%من احتياج السكان لمياه الشرب".

 

 

وأشار إلى أن" الدولة ممثلة بوزارتي ( المياه والبيئة، والتخطيط والتعاون الدولي) والهيئة العامة لمياه الريف وبدورهم كجهات مخططة ومتخصصة في مجال المياه وجهوا الصندوق الاجتماعي للتنمية والمنظمات وبعض المجتمعات المحلية على تخصيص اعتمادات من أجل التدخل في حصاد المياه باعتبارها الطريقة التي توفر مياه متجددة ورخيصة للمجتمعات الفقيرة"

 

 

 وأفاد بأن" هذه التدخلات لم تكن تهدف إلى توفير مياه نقية صالحة للشرب بل كانت تلبي احتياجات المجتمعات المحلية في توفير المياه وسهولة الحصول عليها بغض النظر عن جودتها" 

 

 

وتابع "سعى الصندوق الاجتماعي لتحسين الاستفادة من هذه المياه حيث جرب تنفيذ فلترات عامة لتنقية المياه لكنه لم ينجح لأن الناس اعتادوا الحصول على المياه بدون مقابل بينما الفلترات العامة تحتاج إلى مبالغ لتغطية تكاليف التشغيل والصيانة".

 

*الخيار الأمثل

 

وأردف" بعد فترة لجأ الصندوق الاجتماعي للتنمية وبعض المنظمات والمجتمعات المحلية إلى خيار السقايات الخاصة كونها ستوفر مياه نقية وبالقرب من المنازل وتم تجربة مشاريع خزانات المياه الخاصة في بعض المناطق الجبلية في محافظتي تعز و إب ومن نتائج هذه المشاريع تم تطوير سياسة التدخل في السقايات الخاصة للمواطنين وتقديم لهم بعض الدعم".

 

وأكد "رزاز" بأن " السقايات توفر مياه نقية لملاكها، وتخفف عنهم المعاناة في البحث عن المياه أيام الشتاء، كونها بالقرب من المنازل، وتجنبهم الإصابة بالأمراض التي تسببها المياه الملوثة والمكشوفة، وتوفر الوقت للنساء والأطفال في مواصلة التعليم".

 

 

وأشار إلى أن" السقايات الدائرية أفضل من المربعة أو المستطيلة، من حيث توفير المساحة، والتكلفة، وترابط الأحجار فيها، ويجب أن تكون مدروسة بحيث تفي احتياجات المستفيدين في الشتاء أيام الجفاف".

 

وشدد على ضرورة أن ينفذ فلتر خشن للسقايات الخاصة، وتوعية السكان بضرورة كلورة وتنقية المياه، وتعريفهم بالأمراض التي تسببها بشكل عام".

 

 

*تدهور الأوضاع 

 

 الأوضاع المعيشية الصعبة أعاقت الكثير من الأسر بالأرياف عن بناء سقاياتهم الخاصة، ويضطرون إلى قطع مسافات كبيرة في طرق وعرة وخطيرة، تأخذ منهم أربع إلى خمس ساعات في سبيل جلب الماء.

 

 

في ذات السياق، تقول المواطنة" أم راضية". 40 عاما إن:" أسرتها المكونة من ستة أفراد أغلبهم أطفال، تعاني بشكل كبير في الحصول على المياه لاسيما أيام الشتاء، وتضطر إلى الذهاب مع العديد من نساء القرية إلى مناطق بعيدة ووعرة تستغرق ساعات كبيرة في الحصول على 60 لترا من المياه يوميًا".

 

 

وأضافت لـ" المهرية نت" نذهب يوميا إلى جلب الماء بشكل مستمر، لأن أسرتي تستهلك نسبة كبيرة منها في الطبخ وفي غسل الثياب، والأواني وأداء مناسك الصلاة، لاسيما يوم الجمعة من كل أسبوع".

 

وتابعت" يوجد في جوار منزلنا منطقة محددة لبناء سقاية، لكن الظروف المعيشية الصعبة، وعدم توفر الأعمال، لم نستطع بنائها، كونها تكلف أسمنت وأحجار وحديد وأجر للعمال، ونحن بالكاد نوفر لقمة العيش".

 

بدوره، يقول "فائد غالب" -42 عامًا- (جندي في الجيش الوطني) يسكن في قرية القشعة في عزلة القحاف بمديرية جبل حبشي مع أسرته المكونة من 12فردا إن:" أسرته تعاني بشكل كبير في سبيل الحصول على المياه في الشتاء، وتستغرق أكثر من ساعة في الحصول عليه وتستخدم أسرته أكثر من 100لتر يوميا بالإضافة إلى حاجة المواشي للمياه".

 

وأضاف لـ" المهرية نت" حاولت بناء سقاية خاصة بأسرتي لكن مع حدوث الحرب عام2014م توقفت عن تلييسها وصب سطحها جراء تدهور الظروف المعيشية ومحدودية دخلي والذي أصبح لا يعادل مائة ريال سعودي في الوقت الحالي".

 

 

وأشار إلى أن " الصندوق الاجتماعي للتنمية في عام 2009م قدم لبعض الأهالي في قريتهم، أسمنت وحديد لصب أسطح خزاناتهم الخاصة، فيما الكثير منهم لم يحصلوا على هذا الدعم".

 

 

وأفاد بأن" السقايات الخاصة تخفف معاناة السكان في الأرياف، وتوفر لهم مياه نظيفة، وقريبة خاصة مع استمرار تنامي السكان وشحة المياه في العديد من المناطق".

 

واختتم حديثه قائلًا:" نتمنى من المنظمات والجهات المانحة والحكومة الشرعية، تقديم يد العون للمواطنين وتوفير لهم على الأقل الأسمنت والحديد لبناء وتلييس وصب سقاياتهم الخاصة".

 




تعليقات
square-white المزيد في تقارير المهرية