آخر الأخبار

سفينة "صافر" .. الرمز الأهم من الحقيقة

السبت, 18 يوليو, 2020

 تطفو السفينة "صافر" على مياه الحديدة ، وتحدق في عيون الصيادين اليمنيين كل صباح مثل وحش اسطوري حي لا يقيده شيء سوى خيوط واهية من الزمن ومجموعة من الصفائح المعدنية الصدئة . يبادلها الصيادون التحديق ، فلا يرون سوى الخطر ، ويرتاعون لمرأى اللعاب الأسود الدبق وقد بدأ يتقاطر من فم الوحش المتأهب لابتلاع كل شيء : بيئتهم ، قوت أطفالهم ، متنزههم ، ملجأهم من جحيم الطقس ، ولون عيونهم .
 
  الحوثيون ينظرون إلى الأمر بشكل مختلف . إنهم لا يرون أمامهم وحشا ، وإن فعلوا فهم في مأمن من الروع لأنهم يقبضون على اللجام . إنهم يرون الخزانات التي تحملها الناقلة ، ويتخيلون المليون برميل وقد عادت إلى صنعاء على هيئة رزم من الدولارات ، فيسقط من حسابهم أي اعتبار آخر . مزيد من الخوف هو سبيلهم لإنجاز الصفقة.
 
تتكثف في مشهد السفينة - القنبلة العائمة كما اشتهرت إعلاميا - بشكل إجمالي، مأساة اليمن العائم والمرشح لاحتمالات الغرق والانفجار بعد أن تعطلت محركاته الوطنية وأخذ يتحلل منذ سنوات فوق المياه المالحة لحرب القراصنة الإقليميين ووكلائهم المحليين ، وجرى اختصار حمولته الإنسانية والثقافية الكبيرة إلى موانئ وبراميل وجزر . 
 
كما أن صورة السفينة "صافر" تعكس نفسها ، بمعنى أو بآخر ، في معظم تفاصيل المشهد اليمني إلى حد أنها تبدو صالحة كرمز يلخص بذكاء  حقائق الوضع السياسي المباشر ، بمعنى أنه لو أمكن التعبير عن المأزق اليمني في فيلم سينمائي ، فإن السفينة ستناسب للبوستر العام للفيلم وأيضا للانتقال بين المشاهد .
 
في هذا الأسبوع ، لاح شبح السفينة العائمة في أكثر من خبر سياسي ، ووجدنا أنفسنا نحدق في عيني الوحش من خلال أكثر من تحذير لأكثر من متحدث رسمي ؛ من بينها تحذير المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية ليزا جراندي حول السفينة نفسها .
 
 
تتواصل المفاوضات بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي في الرياض منذ أكثر من شهر ونصف ، وخلال هذا الشهر احتجز مسلحو الانتقالي شاحنات النقود ، وأسقطوا محافظة سقطرى ، وصولا إلى التهديد الرهيب الذي حواه بيان المجلس ، قبل أيام ، للبنك المركزي "بما لا يحمد عقباه" .
 
 لا سبيل إلى التكهن بهذا الذي لا يحمد عقباه ، لكنه بالتأكيد شيء  سيبدو إسقاط محافظة سقطرى أمرا هينا بالمقارنة معه !
 
ما يلفت الانتباه هو أن الانتقالي ، رغم تجاوزاته المتكررة لاتفاق الرياض ورغم مكاسبه المستحدثة التي انتزعها قهرا كعلاوة  على تلك التي يمنحه إياها الاتفاق  ، لا يزال هو صاحب النبرة الأعلى ، بل إنه يتصرف كما لو أن فرصه لابتزاز الحكومة قد تضاعفت .
 
هناك طريقة لنتخيل  "ما لا يحمد عقباه "، على كل حال . إنه شيء يشبه التسبب بانفجار السفينة العائمة "صافر"  ،  والتي يحتجزها توأم الانتقالي في الشمال ، ويتهدد بها المواطنين والحكومة والعالم.
 
ويمكن أن نتخيل أيضا أن ما حدث حتى الآن ، من إعلان الإدارة الذاتية ، وسرقة أموال موظفي الدولة ، وانتزاع سقطرى ، كانت مجرد تسريبات محدودة من مخزون الكارثة التي سيصبها الانتقالي على رأس الحكومة عند ساعة معينة.
 
هذه المفاوضات الجارية في الرياض تكشف حتى اللحظة أن عناوينها خادعة إلى حد بعيد ، وليس ما حدث في الجنوب هو الإشارة الوحيدة إلى ترتيبات تتخطى كل الكلام المعلن . رئيس إعلامية حزب الإصلاح ، تحدث عن مساع إقليمية ومحلية خطرة لإزاحة هادي من رأس السلطة الشرعية  . وهذا يعني أن سفينة أخرى تعوم بانتظار الغرق أو الانفجار مع كل حمولتها من الديناميت السياسي الذي سيعني تسميما لما تبقى من سيادة وطنية ، وشرعية دستورية أو توافقية ، وخنقا للكائنات والكيانات المقاومة  .
 
تغريدة المسؤول الحزبي أثارت اهتمام الإعلام المحلي كثيرا، غير أن موضع الإثارة، بالدرجة الأولى ، كان هو المسؤول نفسه ، أو وموقعه بشكل أدق ، وليست المساعي الخطيرة لشركاء الشرعية الإقليميين ، لأن مساع من هذا النوع لم تكن مستحيلة الخطور في الخيال الشعبي منذ الغارة الأولى للتحالف ، ثم تموضعت شيئا فشيئا كحقيقة قائمة في أحاديث الناس ونقاشاتهم اليومية منذ  انصدم اليمنيون بعجز رئيسهم عن الهبوط في
 مطار عدن قبل ثلاث سنوات  ، ثم إسقاط عدن في يد الانتقالي ، وإسقاط بن دغر من رئاسة الحكومة ، ثم ظهور شخصية كسلطان البركاني في صدارة مجلس النواب .
 
لو مضينا هكذا في تأمل الوقائع والأخبار، حتى تلك الأقل أهمية منها ، فإن الانطباع نفسه يترسب عقب كل خبر على حدة وفي نهاية الجولة : هذا الوطن يتحلل ويغرق في مفترق خيارات كلها سيئة.
المقال خاص بموقع المهرية نت
 

المزيد من يعقوب العتواني
في سنوات الثورة كان هنالك أمل 
الاربعاء, 03 فبراير, 2021
لا نسيان ولا تطبيع أيها الحوثيون!
الاربعاء, 27 يناير, 2021