آخر الأخبار
سفينة "صافر" .. الرمز الأهم من الحقيقة
تطفو السفينة "صافر" على مياه الحديدة ، وتحدق في عيون الصيادين اليمنيين كل صباح مثل وحش اسطوري حي لا يقيده شيء سوى خيوط واهية من الزمن ومجموعة من الصفائح المعدنية الصدئة . يبادلها الصيادون التحديق ، فلا يرون سوى الخطر ، ويرتاعون لمرأى اللعاب الأسود الدبق وقد بدأ يتقاطر من فم الوحش المتأهب لابتلاع كل شيء : بيئتهم ، قوت أطفالهم ، متنزههم ، ملجأهم من جحيم الطقس ، ولون عيونهم .
الحوثيون ينظرون إلى الأمر بشكل مختلف . إنهم لا يرون أمامهم وحشا ، وإن فعلوا فهم في مأمن من الروع لأنهم يقبضون على اللجام . إنهم يرون الخزانات التي تحملها الناقلة ، ويتخيلون المليون برميل وقد عادت إلى صنعاء على هيئة رزم من الدولارات ، فيسقط من حسابهم أي اعتبار آخر . مزيد من الخوف هو سبيلهم لإنجاز الصفقة.
تتكثف في مشهد السفينة - القنبلة العائمة كما اشتهرت إعلاميا - بشكل إجمالي، مأساة اليمن العائم والمرشح لاحتمالات الغرق والانفجار بعد أن تعطلت محركاته الوطنية وأخذ يتحلل منذ سنوات فوق المياه المالحة لحرب القراصنة الإقليميين ووكلائهم المحليين ، وجرى اختصار حمولته الإنسانية والثقافية الكبيرة إلى موانئ وبراميل وجزر .
كما أن صورة السفينة "صافر" تعكس نفسها ، بمعنى أو بآخر ، في معظم تفاصيل المشهد اليمني إلى حد أنها تبدو صالحة كرمز يلخص بذكاء حقائق الوضع السياسي المباشر ، بمعنى أنه لو أمكن التعبير عن المأزق اليمني في فيلم سينمائي ، فإن السفينة ستناسب للبوستر العام للفيلم وأيضا للانتقال بين المشاهد .
في هذا الأسبوع ، لاح شبح السفينة العائمة في أكثر من خبر سياسي ، ووجدنا أنفسنا نحدق في عيني الوحش من خلال أكثر من تحذير لأكثر من متحدث رسمي ؛ من بينها تحذير المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية ليزا جراندي حول السفينة نفسها .
تتواصل المفاوضات بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي في الرياض منذ أكثر من شهر ونصف ، وخلال هذا الشهر احتجز مسلحو الانتقالي شاحنات النقود ، وأسقطوا محافظة سقطرى ، وصولا إلى التهديد الرهيب الذي حواه بيان المجلس ، قبل أيام ، للبنك المركزي "بما لا يحمد عقباه" .
لا سبيل إلى التكهن بهذا الذي لا يحمد عقباه ، لكنه بالتأكيد شيء سيبدو إسقاط محافظة سقطرى أمرا هينا بالمقارنة معه !
ما يلفت الانتباه هو أن الانتقالي ، رغم تجاوزاته المتكررة لاتفاق الرياض ورغم مكاسبه المستحدثة التي انتزعها قهرا كعلاوة على تلك التي يمنحه إياها الاتفاق ، لا يزال هو صاحب النبرة الأعلى ، بل إنه يتصرف كما لو أن فرصه لابتزاز الحكومة قد تضاعفت .
هناك طريقة لنتخيل "ما لا يحمد عقباه "، على كل حال . إنه شيء يشبه التسبب بانفجار السفينة العائمة "صافر" ، والتي يحتجزها توأم الانتقالي في الشمال ، ويتهدد بها المواطنين والحكومة والعالم.
ويمكن أن نتخيل أيضا أن ما حدث حتى الآن ، من إعلان الإدارة الذاتية ، وسرقة أموال موظفي الدولة ، وانتزاع سقطرى ، كانت مجرد تسريبات محدودة من مخزون الكارثة التي سيصبها الانتقالي على رأس الحكومة عند ساعة معينة.
هذه المفاوضات الجارية في الرياض تكشف حتى اللحظة أن عناوينها خادعة إلى حد بعيد ، وليس ما حدث في الجنوب هو الإشارة الوحيدة إلى ترتيبات تتخطى كل الكلام المعلن . رئيس إعلامية حزب الإصلاح ، تحدث عن مساع إقليمية ومحلية خطرة لإزاحة هادي من رأس السلطة الشرعية . وهذا يعني أن سفينة أخرى تعوم بانتظار الغرق أو الانفجار مع كل حمولتها من الديناميت السياسي الذي سيعني تسميما لما تبقى من سيادة وطنية ، وشرعية دستورية أو توافقية ، وخنقا للكائنات والكيانات المقاومة .
تغريدة المسؤول الحزبي أثارت اهتمام الإعلام المحلي كثيرا، غير أن موضع الإثارة، بالدرجة الأولى ، كان هو المسؤول نفسه ، أو وموقعه بشكل أدق ، وليست المساعي الخطيرة لشركاء الشرعية الإقليميين ، لأن مساع من هذا النوع لم تكن مستحيلة الخطور في الخيال الشعبي منذ الغارة الأولى للتحالف ، ثم تموضعت شيئا فشيئا كحقيقة قائمة في أحاديث الناس ونقاشاتهم اليومية منذ انصدم اليمنيون بعجز رئيسهم عن الهبوط في
مطار عدن قبل ثلاث سنوات ، ثم إسقاط عدن في يد الانتقالي ، وإسقاط بن دغر من رئاسة الحكومة ، ثم ظهور شخصية كسلطان البركاني في صدارة مجلس النواب .
لو مضينا هكذا في تأمل الوقائع والأخبار، حتى تلك الأقل أهمية منها ، فإن الانطباع نفسه يترسب عقب كل خبر على حدة وفي نهاية الجولة : هذا الوطن يتحلل ويغرق في مفترق خيارات كلها سيئة.
المقال خاص بموقع المهرية نت