آخر الأخبار

عن القرية ولحوح الواتساب!

الثلاثاء, 07 يوليو, 2020

حين تمكث في القرية أطول مما ينبغي (تقديري أن أكثر من اسبوعين في القرية هي مدة أكثر مما ينبغي )، فإنك مرغما تضطر للتعامل مع مصاعب عدة ، من بينها فقر الإنترنت ، حيث يقتصر ما يصلك من عالم التواصل على رسالة في واتساب تنتظرها طويلا ، ثم تحتفي بها كمولود قبل أن تطالعها لتجد أنها دعوة للمشاركة في صلاة مليونية على النبي  ، أو نبوءة بانتشار كورونا تعود إلى العصر العباسي الأول ، أو قصة سياسية طويلة تحكي عن صدامات عنيفة عبر الهاتف بين الرئيس هادي وأمير سعودي ، أو مقولة مشوقة لهتلر يمجد فيها اليمنيين ويثني على "شحطتهم" !

من معجزات هذا النوع من الرسائل أنها لا تموت ولا تعتمد على سياق زمني معين، بل إنها تنمو وتتكيف باستمرار، حيث أن كل وافد جديد على واتساب سيصادفها حتما وسيبعثها حية من جديد ويحرص على أن يراها في خانات جميع الأصدقاء ، ويمكن أن تجد إشارة هتلر الفنتازية لليمنيين قد استطالت بعد سنوات لتصبح خطابا كاملا بعد أن كانت جملة أو اثنتين ، وقد تتوسع بالمثل نبوءة العصر العباسي  عن كورونا لتشمل أزمات مستجدة كأسعار النفط أو حتى مقتل المواطن الأمريكي الأفريقي جورج فلويد في حال تصاعدت هذه الأزمات إلى حد يلفت انتباه العراف العباسي الميت منذ أكثر من ألف ومائتي عام ! 

ومن المدهش أيضا كيف أن الرسالة الواحدة من هذا النوع مهما كان موضوعها تستهوي معظم أصناف الأفراد في مجتمعات واتساب رغم تباين اهتماماتهم . كأن اللامعقول في هذه الرسائل يتمتع بقوة جذب  مستقلة وثابتة بحيث يستوي إن تحدثت الرسالة  في الدين أو السياسة أو الطب أو التاريخ أو المخدرات أو الموضة  أو المجتمع أو الطقس . الخرافة وحدها هي ما يكفي لجعل ربة البيت الغارقة حتى أذنها في هموم المطبخ والأطفال المشاغبين والزوج المراوغ  تنسى كل هذا فجأة وتتحمس للملاسنة الخيالية المثيرة  بين الرئيس هادي والأمير السعودي وتقرر أن تتشاركها مع جميع الأصدقاء  !
 هل كانت ربة البيت المتخيلة هذه لتهتم للأمر لو أن هادي قال أشياء أخطر مما أوردت  الحكاية في خطابه المتلفز ؟ أبدا ! لأنه لا شأن لها بالسياسة  ! ولكن قبل ذلك ، لأن الأمر سيكون حقيقيا هذه المرة ، وليس هنالك إثارة في الحقيقة استنادا إلى ملاحظة الفيلسوف ديكارت ، خصوصا في عالم الواتساب . 

حيث تتوفر خدمة انترنت أقوى في المدن ، يمكن أن تتسامح مع رسائل الخرافة أو "اللحوح" كما يحب تسميتها أحد الأصدقاء لما تتصف به من الطول والتهافت، لكنك في القرية تشعر بالسخط حين تجد نفسك متسمرا أمامها مثل شجرة عارية تحت المطر وأنت تنتظر بقية الرسائل التي تتوالى بالتقطير . 

عموما ، مهما بلغ سخطك على هذه الرسائل ، ومهما خطر في بالك من ردود لاذعة عليها في لحظة الغضب الأولى، فإنك بعد قليل من التأمل ، تجد نفسك ممتنا  للنية الطيبة التي دفعت خالتك أو جارك أو صديقك لإرسال هذه الرسالة وهكذا تضطر لابتلاع  سخطك أو سخريتك وإرسال وردة في مكانها .


في القرية يشيخ هاتفك المحمول بطريقة ما، ويفقد ، بافتقاد الإنترنت ، الكثير من المزايا الحيوية مثل التنقل الرشيق بين البرامج ، كما تطال هذه الشيخوخة حاستا السمع والبصر في الهاتف حين يتعذر عليه تحميل أخف ملفات الصورة أو الصوت دون معاناة أيام ، في حين يتجلى تراجع القدرات العقلية (الخرف)  من خلال انحصار التواصل المعرفي على برنامج واتساب .

المقال خاص بموقع المهرية نت

المزيد من يعقوب العتواني
في سنوات الثورة كان هنالك أمل 
الاربعاء, 03 فبراير, 2021
لا نسيان ولا تطبيع أيها الحوثيون!
الاربعاء, 27 يناير, 2021