هل فهمنا للأحداث من حولنا سبب في تشكيل وتغيير اللغة التي نتحدث بها أو أن اللغة هي ركيزة تبني فهمنا للأمور بمنعى أننا نرى العالم بعين لغتنا التي نتحدث بها.

 وجد الباحثون أن اللغة تؤطر فهم ناطقيها لمبدأ السببية حيث يميل متحدثو اللغة الإنكليزية للقول (كسر فلان المزهرية) حتى لو كان ذلك حادثا غير مقصود أما متحدثو اليابانية فيقولون إن المزهرية كُسرت من تلقاء نفسها.
 
 وفي دراسة أجرتها الباحثة كاتلين فاوسي من جامعة ستانفورد حيث يتابع ناطقون بالإنكليزية واليابانية مقطع فيديو لأُناس يفرقعون بالونات أو يكسرون البيض أو يرشون بعضهم بالماء بتعمد أو بدون تعمد وحين خضع المشاركون لاختبار ذاكرة مفاجئ.
 
 وكان السؤال: «هل تتذكر من فعلها؟» اكتشفت الباحثة فرقا لغويا واضحا في الذاكرة البصرية للمشاركين فلم يتذكر الناطقون باليابانية المتسببين بالحوادث، بقدر ما تذكرها متحدثو الإنكليزية، وذلك لأن الإنكليزية تذكر المتسبب دائما أما في اليابانية فلا يذكر المتسبب ولذلك لم يتم تذكره.
 
يتحدث اليوم حوالي 300الف شخص اللغة المهرية موزعين على محافظة المهرة في اليمن ودول الخليج وبعضا من دول إفريقيا وتعد اللغة المهرية أبرز اللغات السامية القديمة التي كان يتحدث بها القبائل العربية قديما وتعود نسبة إلى سام بن نوح
 
في اللغة المهرية بساطة المفردات انعكست بشكل كبير على طباع أبناء المهرة وطريقة تعاملهم السلس والهادئ مع مجريات الحياة وكذلك بروتوكول كلمة "خبور" في اللغة المهرية التي يشترط أن تبدأ بها المحادثة مع أي شخص مهري انعكست على واقع المهرة وأمنها والسبب يعود الى أن كلمة "خبور" والتي تعني أخبرني عن تفاصيل حياتك هل أنت بخير وكل شيء على ما يرام ليست مجرد كلمة عابرة في اللغة المهرية بل نظام عام في أعماقه صفات مجتمع نبيل يهمه أمر كل شخص يعيش في حدوده.
 
كلمة "خبور" من شروطها أيضا أن يبادر الرجل بقولها لمرأة استلطافا ورفقا بها ويفضل ألا تقولها المرأة للرجل وانعكس هذا على عادة توجد في محافظة المهرة دون غيرها وهي انتقال الشاب بعد زواجه الى منزل والد زوجته للعيش معها تقديراً للمرأة.
 
في واحدة من أعجب الدراسات حول تأثير اللغة على التفكير دراسة أجرها الباحث السلوكي بيتر جوردون من جامعة كولومبيا في نيويورك حيث قام برحلة إلى منطقة الأمازون أجرى دراسات مع قبيلة البيراها، وهي مجموعة من الصيادين وجامعي الثمار تضم حوالي 200 شخص، يتكون نظام العد الخاص بها من كلمات تعني "واحد" و"اثنان" و"كثير" لا يوجد رقم بعد اثنان وأيًّا كان العدد يستخدمون كلمة كثير.
 
القائمين على الدراسة كانوا يضعون لأفراد من القبيلة طاولة فوقها خمسة عشر سمكة ويطلبون منهم عدد مماثل من السمك في طاولة أخرى أبناء القبيلة في كل محاولة كانوا يفشلون حتى ولو بشكل تقريبي وكل ما كان عدد السمك أكبر كل ما كانت المهمة صعبة لأنه لا يتوفر لديهم لفظ خمسة عشر ما أثر على تفكيرهم وجعلهم يعتقدون أن الكمية نفسها.
 
وبلا شك أن اللغة المهرية تأثر على أدق تفاصيل حياة أبناء المهرة وتصرفاتهم بل وقراراتهم المستقبلية على سبيل المثال تجد الإنسان المهري لا يفضل الهجرة والخروج من منطقته والسفر للعيش في الخارج حتى في أصعب ظروفه وإن اضطر الى ذلك يحرس أن يهاجر إلى دول يتواجد فيها المتحدثين باللغة المهرية بكثرة كدول الخليج وغيرها ويعود سبب ذلك أن الإنسان المهري يرى العالم بلغته ولا يحب الاستقرار في جغرافية لا يتحدث فيها الناس باللغة المهرية ولا أبالغ إن قلت أنه لا يشعر حتى بالأمان إن أبتعد عن اللغة المهرية.