آخر الأخبار
عن لغة اليمنيين التي أصبحت كلها شكوى وسط أوجاع الحرب
نحن اليمنيين لم نكن بحاجة كورونا ليستبد بنا اليأس والحيرة والقلق ، ولتتحول نقاشاتنا إلى شكوى خالصة .
أي حدث تافه أو تفصيل بسيط يقودنا حتما إلى غور المأساة الشاملة التي تحيط بنا من كل جهة ، فلا مفر كل يوم من إعادة المواجهة القاسية بيننا وبين بؤسنا الذي يبدو أنه أصبح مصيرا .
كورونا الذي يهدد حياة البشر ، ويظهر في الإعلام كتهديد أول لحياة البشر واستقرارهم وسعادتهم ، يصل إلى اليمن ويخسر هذه الميزة عند بشر كانوا منذ زمن بعيد قد اعتمدوا على الحد الأدنى من الحياة والاستقرار والسعادة .
حين تتواتر الأخبار عن ضحايا يمنيين للوباء ، عن أسرة خسرت ثلاثة أشقاء مثلا ، أو عن مستشفى فقد نصف أطبائه وممرضيه ، فإن ذلك يغدو فقط مناسبة إضافية للتساؤل حول علاقة هذا البلد بالموت والشر والخسارة.
أتفه الأخطار مثل أعظمها ... مجرد علامة أخرى على لعنة ما أصابت هذا البلد .
لنلتقط هذه المشكلة الكارثية على سبيل المثال : الطلاب لا يذهبون إلى المدارس والجامعات منذ أشهر ، والوباء منعهم من ذلك . إنها مشكلة تستلزم وقفة خاصة وشعورا استثنائيا بالقلق لولا أنها حدثت وستحدث مرارا ولأسباب متعددة .
ألم تغلق المدارس أبوابها قبل أعوام بسبب انقطاع رواتب المعلمين ؟ ومتى لم يكن شبح الإضراب حائما حول مدارسنا خلال العشر سنوات الأخيرة؟ ومع هذا المعدل من النزوح المستمر والهروب بين المدن خلال سنوات الحرب ، هل يجوز لنا أن نتحدث عن عملية تعليمية توقفت قريبا دون أن نظلم آلاف الطلاب الذين كانت دراستهم قد تعثرت منذ مدة طويلة؟ وعلى هذه المشكلة يمكن أن نقيس ونخرج بتقدير معقول عن الأشياء التي سلبها كورونا وكانت قبل ذلك متعذرة السلب .
إذا كان الحسد هو أساس لغة سكان المقاطعات في فرنسا القرن التاسع عشر كما يرى بلزاك ، فإن الشكوى أضحت كل لغة اليمنيين حاليا .
أقصر محادثة بينك وبين جارك على سلم العمارة في لحظة مصادفة قد لا تنتهي قبل أن يقول أحدكما في يأس إحدى هذه العبارات التي أصبحت في حياتنا مثل لازمة أغنية :" ما فيش فائدة" أو " خاربة " أو "انتهينا " أو "على الله" ؛ وحتى فيما يتعلق بالنوع الجمالي والغير مباشر من البوح ، من النادر أن تفلت التعبيرات الحرة واليومية للذين حولك من الشكوى وإن اتخذت هيئة موسيقى حزينة ، أو حكمة مفرطة في واقعيتها، أو قصيدة نرجسية مغالية في تعظيم الذات ، أو نكتة تضحك بقدر ما تثير من أسف ، أو دعاء قصير غامض لا يقول شيئا بعد " يا الله !" .
جرب أن تراقب حالات أصدقائك في واتساب ، وستنتظر طويلا قبل أن تجد نافذة لا يطل منها الألم أو اليأس .
نحن في زمن منح الجميع حظا وافرا من البؤس ، وتأكد أن لدى كل واحد فينا ما يكفي ويفيض عن الحاجة من الأسباب للشكوى ، ولم يعد هناك من يستهلك الصراخ حين صار الجميع مثخنين بما يكفي لينتجوا صراخهم الخاص .
يراودني الشك إن كان التعبير عن الألم قد بلغ هذا الحد من البوار سابقا.
المقال خاص بموقع المهرية نت