آخر الأخبار

عنصرية في صيغة سياسية

الجمعة, 12 يونيو, 2020

تسمية "الإمامة" التي أطلقها على الحوثيين خصومهم  بداية تحركاتهم للاستيلاء على البلاد ، كانت تبدو حينها تشنيعا إعلاميا أكثر منها وصفا جادا لمشروع الجماعة. صحيح أن العنصرية كانت حاضرة ومهيمنة منذ البدء في ثقافة هذه الحركة ، ولكن كان التوقع حين أسقطت الدولة واستحوذت على السلطة  أن تسعى الحركة  لتضمين هذه العنصرية في صيغة سياسية أكثر تركيبا بحيث لا تتكشف الحقيقة العنصرية لنظامها السياسي  سوى في مستويات عالية وبعيدا عن العلاقة المباشرة واليومية بالإنسان اليمني .
 
سوق الحوثيون أنفسهم للناس طوال الحروب الستة مع نظام صالح على أنهم جماعة دينية اعتزالية تعاني من سطوة دولة فاسدة ومتسلطة، ثم ظهروا بعد 2011 على أنهم حركة تحررية جريئة ومستعدة  للانخراط في ثورة شعبية ضد النظام والمطالبة بالديمقراطية والإصلاح السياسي والإداري ، وبعد اجتياحهم المسلح للعاصمة صنعاء وإسقاط الدولة وسحق كل مظاهر التعددية السياسية ، ثم تدخل التحالف ،  قدم الحوثيون أنفسهم كسلطة وطنية حامية للهوية اليمنية .  نجحت هذه المغالطات نوعا ما في التمويه على الأساس العنصري للحوثية وفي إظهار حكمها كدرجة متقدمة أو مطورة عن الإمامة التاريخية ، لكن يبدو أن الجماعة لا نية لها أو بالأحرى لا قدرة لها على اسثمار هذه المغالطات بشكل استراتيجي ، وتكتفي بها ك"تقية" مؤقتة سرعان ما تنكشف بمجرد تراجع شعورها بالخطر .
 
الحوثية حين تطمئن إلى قوتها وتستشعر خضوع المجتمع وهشاشة خصومها السياسيين والعسكريين ، فإنها تعيد تقديم نفسها كما هي في الحقيقة : جماعة عنصرية  ترى اليمنيين بعين السيد وتتعامل مع اليمن كمزرعة خاصة بالهاشمية دون أي حياء أو مواربة . هذا هو ما يقوله باختصار قانون الزكاة الذي تسرب قبل أيام ، وهذا هو ما تؤكده مئات السنين من تجربة اليمنيين مع الهاشمية السياسية قبل ذلك .
 
ربما تتميز الحوثية عن إمامة القرن العشرين في كونها مندمجة في مشروع إقليمي واضح ومتماسك تقوده إيران ، وهو ما يمنحها الدعم ويحميها من العزلة التي كانت محيطة بسلطة الإمامين يحيى وأحمد قبل قرن من الآن ، ولكن الرثاثة التي كانت سمة الحكم الإمامي آنذاك قد تمت وراثتها كما هي من قبل الحوثيين .
 
لا تزال الهاشمية ، حتى في أحدث تجلياتها في اليمن، محافظة على نهمها العبثي والفج، ومستعدة  ليس فقط لسرقة الثروات العامة للشعب ، ولكن أيضا مصادرة مشاريعهم  الخاصة التي لها وزن ، ومقاسمة أرزاقهم اليومية وتفتيش جيوبهم واصطبلاتهم وحقولهم باسم مبادئ عنصرية ساعد في الحفاظ عليها جمود الموروث الفقهي العام للمسلمين .
 
فيما يتعلق بهذه الجماعة ، تظهر كل الإتهامات أوهن من أن تصف خطورتها  وانحطاطها ، ويقصر الكيد السياسي عن تلفيق صورة للحوثية أفضع مما هي عليه في الحقيقة ، وتبدو لنا الآن تسمية "الإمامة" التي ارتفعت قبل سنوات بنية الشتيمة للحوثيين أو السخرية منهم أنها كانت تختصر للناس تعريفا دقيقا للطبيعة العنصرية للجماعة ولأسلوبها في الحكم .

المقال خاص بموقع "المهرية نت"
 

المزيد من يعقوب العتواني
في سنوات الثورة كان هنالك أمل 
الاربعاء, 03 فبراير, 2021
لا نسيان ولا تطبيع أيها الحوثيون!
الاربعاء, 27 يناير, 2021