آخر الأخبار

رحلة كفاح مضنية في سبيل شربة ماء

الإثنين, 20 فبراير, 2023

شارعٌ مزدحم بالناس، أصواتٌ  لا تكاد تفهمها لكثرة أهلها، ما هذه الجلبة التي تحدث في الخارج؟ تسأل الصغيرة نفسها ويجيب أبوها، إنهم جيراننا الجدد سيسكنون في الدكان المجاور لنا.

  كيف عرف الأب ما  تفكر به الصغيرةُ؟! هل ضيق المكان الذي هم فيه داخل هذا الدكان_  الذي لا يتجاوز طوله الأربعة أمتار_هو ما يجعل من حولهم يقدر على أن يقرأ أفكارهم  وما يدور في  مخيلاتهم؟.

  تخبرها  أمها أن تنام مسرعة وتقول:  سنطفئ الشمعة الآن؛ لنترك ما تبقى منها ليوم غد، وماذا بعد إطفاء تلك الشمعة؟، هل سينطفئ الجوع والخوف معها، أم أن الشمعة ستنطفئ وسيشتعل بعدها كل جرح سكن الفؤاد منذ أن أتت الحرب ودمرت كل جميل في هذا البلد؟ ، ماذا بعد أن ينام الجميع؟ على أي حال سيصحون يا ترى؟ هل ستبقى البطون خاوية، والأجساد متهالكة؟ أم أن يوم الغد سيكون أرحم؟.

  لاح ضوءُ الصبح في الأفق معلنًا عن يوم جديد، الشمس هادئة وكأنها مصابة بالحزن الشديد، أصوات قوارير المياه الفارغة ترتفع في الحارة، طرقات على باب هذا الدكان الصغير، رجل عجوز يقول:  أخرجوا قارورتين سعة عشرين لترًا أو أربع سعة عشرة لترات، تنهض  الأم من مكانها، تجمع ما في المكان من تلك القوارير ثم تخرج مسرعة لتلحق لها مكانًا مناسبًا في تلك الطوابير الطويلة الممتدة وسط الحارة، أمام خزان السبيل، لم يأت الماء بعد ولكن ستأتي المنظمة للتصوير؛  حتى تأتي لنا بخزان آخر؛ لأن هذا غير كاف للحارة والنازحون يزدادون بين فترة وأخرى، هكذا قال المشرف على  خزان السبيل وهو يطوف المكان ذهابًا وإيابًا يحدق في النساء اللاتي يخرجن من بيوتهن ليرى من منهن  ستزيد في إخراج قواريرها ليمنع عنها الماء بحجة أنها تخالف الأمور.

  تظهر سيارةٌ جميلة من طرف الشارع تقودها فتاةٌ تبدو من ملامحها أنها لم تشعر بالحرب الدائرة قط، وكأنها أتت من بلد آخر يعيش في رفاهية تامة، كانت ترتدي قميصًا أبيضًا على عبايتها الجميلة وقبعةً بيضاء عليهما  شعار المنظمة، تنزل من على تلك السيارة وتلتقط بعض الصور، من اتجاهات عدة،  ثم تغادر  دون أن تنبس ببنت شفاه، وكأنها لا تهتم لما يحدث! النساء يغطين وجوههن  تارة بأيديهن وتارة بتلك القوارير، وحدها تلك المرأة أرادت أن تغادر المكان أثناء التصوير لكنها منعت من ذلك،  قالت في نفسها: موجعة هذه اللحظات التي تشعرنا أننا أصبحنا عاجزين بعدما كنا نعيش في ستر وهدوء.

  سيتأخر ( الوايت)، قالها المشرف وأصدرت النساء أصوات التذمر والشكاوى، فإحداهن تقسم أنها لا تمتلك في بيتها قطرة ماء، وأخرى تقول إنها تريد أن تذهب للعمل، وثالثة تريد أن تحضر أطفالها ليذهبوا للمدرسة فهم الآن بانتظارها.

  ساعةٌ واحدة مضت وظهر( الوايت) من طرف الحارة يمشي بهدوء حذر، تزاحمت عليه النساء واختلطت تلك الطوابير ببعضها، النساء تقترب لتملئ قواريرها من( الوايت ) رأسًا؛  لأن هذا غير محسوب عليهن، وفي لحظة ارتباك السائق الذي لم يطفئ بعد سيارته التي تحمل خزان الماء( الوايت) تقرتب النساء منه وحدث أن اصطدم بمجموعة منهن ليتحول ذلك اليوم إلى وجع كبير، وصراخ وألم لا حدود لهما.

  عندما يكون الحصول على رشفة ماءٍ أمرًا بعيد المنال، فهنا يكون الوجع أكبر من أن يوصف أو أن يختصر بمجرد كلمات!

  المقال خاص بالمهرية نت 

المزيد من إفتخار عبده