آخر الأخبار
التحايل على الصوم بالنوم !
قبل عدة أشهر ، استطعت أن أتخلص من ستة كيلو جرامات من وزني من خلال الاستغناء عن وجبة العشاء ، وكان شعوري بالرضا الداخلي يتصاعد إلى درجة أني بدأت أتوهم نفسي مثالا جيدا في السيادة على النفس (Self-Mastery) ، وأستمد من ذلك قوة من أجل المتابعة ، مع أن ذهني ساعة الشروع في هذا الأمر كان بعيدا إلى حد كبير عن فكرة السيادة هذه ، حيث توقف رجائي عند وضع حد للسمنة التي أخذت تغزو جسدي خلال سنوات الدراسة في الجامعة.
هذه الكيلوجرامات التي خسرتها خلال أشهر يبدو أنني أمضي حتما لاستعادتها خلال رمضان ، ذات الشهر الذي أمتنع فيه عن الأكل والشرب نهارا كاملا كل يوم ، دون أن يكفي ذلك لأشعر بالجوع والعطش بشكل جدي !
عموما، ما أسهل تحديد سبب هذه المفارقة !
فأنا أكتب الآن هذه السطور وأستعد للدخول في نوم طويل لن ينتهي تماما قبل أقل من عشر ساعات ، وهي ساعات الصوم التي يفترض أن تكلفني مزيدا من الوزن لو أنها تقترن بجهد بدني ومشقة أكبر .
معظم الذين سيقرأون هذه السطور ، مثلما هو الحال معي ، سيفعلون ذلك خلال فاصل قصير بين لقمة ونومة.
الأقل سهولة هو تحديد العلة التي تدفعنا إلى هذا التحايل على الصوم بالنوم ، وإذا كانت هذه العلة بدورها نتيجة ضعف في التدين .
يمتنع الناس خلال صيامهم عن الأكل والشرب والمفطرات ، ويذهبون إلى المسجد عدة مرات ويقرأون الكثير من القرآن ، وهذا كاف ليكشف عن أن شعورهم الديني قوي ولا غبار عليه وأنهم يهتمون كثيرا بزيادة رصيدهم عند الله .
ما يسقط من الأذهان هو البعد الفلسفي للصوم ، وهو البعد الذي اتكأت عليه فكرة الصوم دهورا قبل أن تحل في تشريعات دينية وبعد ذلك أيضا .
الأساس الفلسفي لفكرة الصوم هو الاعتقاد بجوهر عقلي لهذا الكون أو بثنائية العقل(الروح) والمادة والتي أسفرت عن ثنائيات عديدة عبر تاريخ الفكر الإنساني ، أكثرها صلة بفكرة الصوم هي ثنائية الروح/الجسد التي يتشكل منها وجود الإنسان بحسب هذا الاعتقاد.
يصوم الإنسان لترجيح كفة جانبه الروحي على جانبه الجسدي ، أو على الأقل لاستعادة التوازن بينهما ، ولا يختلف عند هذا المستوى من التعريف صوم ألمهاتما غاندي وصوم ديفيد ثورو وصوم أبي حجر العسقلاني رغم تباين الخلفيات الثقافية .
النمط السائد من الصوم كما أعيشه وأعايشه ليس فيه أي معاناة حقيقية يمكن أن تساعد في توسيع أفق الفرد وتدفعه لتجاوز حدوده الحسية الضيقة واستشعار وجود الآخرين وآلامهم . ليس هناك أثر لثنائية الروح/الجسد في ذهن أكثرية الصائمين ، حيث يبدو أن الجسد قد تسيد المشهد تماما وانحصر التفاعل بين الجسد ونفسه عبر دورة النوم والأكل والسهر الاحتفالي .
*المقال خاص بموقع المهرية نت.