آخر الأخبار

التحايل على الصوم بالنوم !

الخميس, 14 مايو, 2020

قبل عدة أشهر ، استطعت أن أتخلص من ستة كيلو جرامات من وزني من خلال الاستغناء عن وجبة العشاء ، وكان شعوري بالرضا الداخلي يتصاعد إلى درجة أني بدأت أتوهم نفسي مثالا جيدا في السيادة على النفس (Self-Mastery) ، وأستمد من ذلك قوة من أجل المتابعة ، مع أن ذهني ساعة الشروع في هذا الأمر كان بعيدا إلى حد كبير عن فكرة السيادة هذه ، حيث توقف رجائي عند وضع حد للسمنة التي أخذت تغزو جسدي خلال سنوات الدراسة في الجامعة.
 
هذه الكيلوجرامات التي خسرتها خلال أشهر يبدو أنني أمضي حتما لاستعادتها خلال رمضان ، ذات الشهر الذي أمتنع فيه عن الأكل والشرب نهارا كاملا كل يوم ، دون أن يكفي ذلك لأشعر بالجوع والعطش بشكل جدي !
 
عموما، ما أسهل تحديد سبب هذه المفارقة ! 
 
فأنا أكتب الآن هذه السطور وأستعد للدخول في نوم طويل لن ينتهي تماما قبل أقل من عشر ساعات ، وهي ساعات الصوم التي يفترض أن تكلفني مزيدا من الوزن لو أنها تقترن بجهد بدني ومشقة أكبر . 
 
معظم الذين سيقرأون هذه السطور ، مثلما هو الحال معي ، سيفعلون ذلك خلال فاصل قصير بين لقمة ونومة. 
 
الأقل سهولة هو تحديد العلة التي تدفعنا إلى هذا التحايل على الصوم بالنوم ، وإذا كانت هذه العلة بدورها نتيجة ضعف في التدين . 
 
يمتنع الناس خلال صيامهم عن الأكل والشرب والمفطرات ، ويذهبون إلى المسجد عدة مرات ويقرأون الكثير من القرآن ، وهذا كاف ليكشف عن أن شعورهم الديني قوي ولا غبار عليه وأنهم يهتمون كثيرا بزيادة رصيدهم عند الله .
 
ما يسقط من الأذهان هو البعد الفلسفي للصوم ، وهو البعد الذي اتكأت عليه فكرة الصوم دهورا قبل أن تحل في تشريعات دينية وبعد ذلك أيضا . 
 
 
الأساس الفلسفي لفكرة الصوم هو الاعتقاد بجوهر عقلي لهذا الكون أو بثنائية العقل(الروح) والمادة والتي أسفرت عن ثنائيات عديدة عبر تاريخ الفكر الإنساني ، أكثرها صلة بفكرة الصوم هي ثنائية الروح/الجسد التي يتشكل منها وجود الإنسان بحسب هذا الاعتقاد. 
 
يصوم الإنسان لترجيح كفة جانبه الروحي على جانبه الجسدي ، أو على الأقل لاستعادة التوازن بينهما ، ولا يختلف عند هذا المستوى من التعريف صوم ألمهاتما غاندي وصوم ديفيد ثورو وصوم أبي حجر العسقلاني رغم تباين الخلفيات الثقافية .
 
النمط السائد من الصوم كما أعيشه وأعايشه ليس فيه أي معاناة حقيقية يمكن أن تساعد في توسيع أفق الفرد وتدفعه لتجاوز حدوده الحسية الضيقة واستشعار وجود الآخرين وآلامهم . ليس هناك أثر لثنائية الروح/الجسد في ذهن أكثرية الصائمين ، حيث يبدو أن الجسد قد تسيد المشهد تماما وانحصر التفاعل بين الجسد ونفسه عبر دورة النوم والأكل والسهر الاحتفالي .

*المقال خاص بموقع المهرية نت.
 
 
 
 
 
 

المزيد من يعقوب العتواني
في سنوات الثورة كان هنالك أمل 
الاربعاء, 03 فبراير, 2021
لا نسيان ولا تطبيع أيها الحوثيون!
الاربعاء, 27 يناير, 2021