آخر الأخبار
شعب معدم وحكومة عديمة
بنوع من الخجل أخبرني الحلاق صباح اليوم وأنا أدفع له أجرة الحلاقة المعهودة (1000ريال) أن هذا المبلغ لم يعد مناسبا . وافقته على الفور ، لكنني أخبرته ، بكل ود ، أن البديل هو ألا آتي للحلاقة من الأساس ، أي أن أعدم أنا الحلاقة ويعدم هو ال 1000ريال . سادت لحظات من الصمت ، توافقنا خلالها أنا وهو على أن البخل ليس دافعي وأن الجشع ليس دافعه ، وأن المشكلة قد أضحت تماما خارج أي تأثير لإشكالية الثقة المألوفة عادة بين البائع والمشتري .
في اللغة العربية ، يتفرع الجذر " عدم " إلى شبكة واسعة من الاشتقاقات ، ويعنينا منها الآن كلمة " إعدام " . يقال " إعدام الرجل " بمعنى افتقاره ، ويقال أيضا " إعدام الرجل" بمعنى قتله بعقوبة معينة . وفي واقع اليمنيين حاليا يشتبك المعنيان فيجري إعدام اليمنيين بإعدامهم ، أي قتلهم عن طريق إفقارهم .
الدولار على عتبات ال1000 ريال في مناطق الشرعية ، ولعله يكون قد بلغ ال 1000 بالفعل فيما أنا أرص هذه الكلمات العاجزة .
لا أدري بالضبط ماذا يقول رئيس الوزراء بخصوص ما يحدث ، وهو الذي ألمح لنا ساعة قدومه أنه سيكرس نفسه تماما للعب دور إغاثي خالص ، ولن يقتفي أثر سلفه الذي استهلك سلطته في السياسة ومزاحمة الإماراتيين على الموانئ والجزر وكل هذه "التفاهات" ... التفاهات التي من شأنها فقط الحفاظ على الحد الأدنى من مقدرات اليمنيين وإبقاء شبح المجاعة بعيدا قدر الإمكان !
أنا لست هنا في وارد امتداح بن دغر ، ولكني أشعر بسخط كبير لا أستطيع لجمه أو التحكم فيه ، وأحس بنقمة عارمة تفيض عن المتسببين المباشرين بما يحدث لنا لتشمل جميع الذين يرتدون ربطات العنق ويشغلون مواقع المسؤولية علينا في حين لا يتجاوز مفهومهم عن المسؤولية تلك الربطات ، أو التغريدات الإنشائية التي يحار حتى الصحفيون في صياغة خبر واضح منها.
يستبد بك الألم في الشارع من جراء الغلاء الفاحش ، فتدخل إلى عالم التواصل لتبحث في منشورات معين ووزرائه ووكلاء الوزارات عن أي صدى لهذه المعاناة القاتلة ، وعن مصير وعده المثير حول السياسة والاقتصاد ، فتكتشف أنهم يسبحون مع رئيسهم في فلك آخر ، ويكيلون المدح والتهاني ببلادة في جميع اتجاهات العالم، أو يكيلون الشتائم والإساءات العنصرية باتجاه اليمنيين .
حين نعود للجذر اللغوي " ع د م " فإنه يوفر لنا وصفا مناسبا لحالة الحكومة الشرعية في عجزها عن التفكير فيما يدرأ عن شعبها خطر المجاعة الذي يتهدده . كلمة " عدامة " في اللغة ترادف " الحمق " ، وهو غياب الكفاءة العقلية والقدرة على ابتكار الحلول والمعالجات ؛ ويقال عن الشخص أنه " عديم" عندما يكون بلا رأي ويثبت عنه قيامه بأفعال وأقوال لا معنى لها ... تماما مثل رئيس وزراء دولة يقول أنه لا شأن له بالسياسة ، فيكشف الزمن أنه لا شأن له بالسياسة أو أي شيء ، عدا ربطة العنق طبعا !
المقال خاص بموقع "المهرية نت"