آخر الأخبار
من كلينتون إلى ترامب ، ومن مجلة أبي الورقية حتى تويتر
تعرفت على بيل كلينتون بعد أن غادر البيت الأبيض ، وتسنى لي مشاهدة صوره وقراءة أشياء غامضة عنه من خلال مجلات أبي القديمة التي تعود إلى فترة كلينتون في البيت الأبيض . كانت القضية الفلسطينية دائما هي النافذة الوحيدة التي التي يطل منها الرئيس الأمريكي الباسم دائما . على سبيل المثال ، لا أزال أتذكر عنوانا عريضا في إحدى المجلات يقول :" كلينتون صهيوني أكثر من الصهاينة " ، وكان هذا العنوان مرفقا بإحدى صور كلينتون وهو يبتسم كالعادة . ورغم أن مضمون ذلك الكلام كان يعني أن علينا كعرب ومسلمين أن نعتبر هذا الرجل عدوا بشخصه لأنه يتعدى في انحيازه لصالح الإسرائيليين الحدود المألوفة لانحياز السياسة الأمريكية الثابت لصالح الاحتلال ، فإن إدراكي البسيط لم يكن يستجيب لذلك. كلينتون بالنسبة لطفل بالكاد يستطيع قراء جملتين وفهمهما لم يكن سوا رجل يبتسم ويصافح الناس ، ولطالما ظهر وهو يتوسط غريمين ويدفعهما للتوافق مثل ياسر عرفات وشمعون بيريز ، أو الملك حسين وإسحاق رابين .
بنفس الطريقة تعرفت على جورج دبليو بوش لأول مرة... من خلال المجلات ، والصور الثابتة ، ولكن بعد ذلك سمح لي تطوري الذهني مع تقدم العمر إلى جانب التطور التقني المتمثل في توفر التلفاز بتشكيل انطباع أكثر تعقيدا لسيد البيت الأبيض الجديد . على عكس كلينتون الذي كان محظوظا بسذاجة وعيي الطفولي فحددت ابتسامته وحدها صورته في ذهني، فإن انطباعي عن بوش تشكل عبر عشرات الصور الغير شخصية والفيديوهات والمقالات والأخبار ، وهو ما يعني قاعدة بيانات كبيرة للتفكير وبناء صورة نهائية أكبر نسبيا من أن تتلاعب بها ابتسامة .
كان غزو العراق ، وقبله غزو أفغانستان ، هما الملفان التعريفيان الأبرز لبوش الإبن . لقد كان بوش عدوا نمطيا بامتياز للعرب والمسلمين حيث كان يبدو مطابقا تماما لوصف ال" صهيوني أكثر من الصهاينة " الذي يبدو أنه الوصف الأثير عند القوميين والإسلاميين بحيث يظهر في إعلامهم مع كل رئيس أمريكي . وبالنسبة لي ، لم تترك المشاهد الصادمة لفضاعات الأمريكيين في العراق ، وبالذات الصور التي خرجت من سجن أبو غريب ، أي مجال لتصور جورج بوش شخصا يزيد أو ينقص عن ذلك العدو الشرير للعرب والمسلمين والمكرس تماما لهذا الدور .
أثناء الانتخابات الأمريكية عام 2008 ، تناهى إلى مسامعي في القرية بعض الحديث عن الخليفة المحتمل لجورج بوش . قيل أن رجلا أسودا يحب المسلمين سوف يرأس أمريكا ، وكان أساسا من العسير علي أن أتفهم أن شخصية سياسية ستنهي عهد بوش في أمريكا يمكن ألا تكون طيبة وقريبة من المسلمين !
في نهاية 2008 كان التلفاز لا يزال غير متاح في قريتنا لأكثر من ساعتين في المساء ، وكانت الساعتان أعز علينا - نحن الشباب -من أن نقضيها في متابعة الأخبار السياسية ، لذلك فقد أعرنا أذهاننا لهذه الإشاعات الساذجة . بعد انتخاب أوباما بعامين ، اندلعت الثورات العربية ، وتغيرت أنا في جملة التغيير الذي حدث . كان أوباما في ذهني ، الذي هو أساسا جزءا من ذهن الميادين والمظاهرات ، يرأس الدولة العظمى التي ترعى معظم الأنظمة المستبدة والفاسدة في عالمنا العربي .
ظهر أوباما مرة ومرتين وثلاثة ، وقال أشياء كثيرة ومتناقضة . تخلى عن مبارك وأظهر التجاوب مع الثورة المصرية ، ثم عاد ليدعم انقلاب العسكر في السر . أعلن أن بشار الأسد ديكتاتور غير شرعي ورسم له خطوطا حمراء ، ثم عاد للتعامل معه وسحب خطوطه الحمراء بعد أن تضاعفت أعداد ضحايا جزار دمشق ...وهكذا . أوباما الديمقراطي والليبرالي ساهم بقوة في إجهاض أكبر فرصة للديمقراطية والعدالة في المنطقة .
أمريكا تختبر الآن متانة ديمقراطيتها مع رئيس مختل في البيت الأبيض . يصر دونالد ترامب على أنه هو الفائز في الانتخابات الأخيرة ، وهو بذلك يحافظ على الإثارة التي تميز بها عهده حتى آخر اللحظات .
صعد ترامب إلى السلطة في لحظة لم يعد فيها لدي أي حماس لمعرفة الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية . إذا كان حظنا من التغيير والديمقراطية كعرب قد تحطم ، إلى حد ما ، بفعل السياسة الخبيثة والمراوغة للرئيس الأمريكي الأكثر استعراضا لمفهومي التغيير والديمقراطية (أوباما) ، فما جدوى التطلع إلى الانتخابات الأمريكية ؟!
تابعت ترامب مثلما فعل الملايين المشدودين إلى هذا الرئيس الغريب والفظ والعنصري . تابعت خطاباته وتغريداته ، أحيانا من أجل اللغة الإنجليزية ، وأحيانا للتسلية لا أكثر ؛ وفي كلتا الحالتين كان يغيب ذلك الدافع القديم الذي يبحث في البيت الأبيض عن رئيس متصيهن وآخر أقل صهينة .
المقال خاص بموقع " المهرية نت"