آخر الأخبار

سيول غاضبة وطفل من الجنة!

الإثنين, 24 أغسطس, 2020

كان ميلاده مع أول طلقة نارية للحرب، خرج إلى الدنيا وهو يصيح بصوت عالٍ لكأن تلك الطلقة قد أصابت جسده الضعيف وكادت تودي به إلى الممات، إنه حظه هذا  أن يُسَجلَ  تأريخ ميلاده مواكبًا لهذا الحدث المشؤوم، هكذا سجل أبوه تأريخ ميلاده، على جدار غلافٍ لأحد الكتب الموجودة في رفوف البيت من تلك الكتب التي قد عفى عليها الدهر وشابها الغبار.

من مواليد الحرب، لقد أصبح يشار إليه بالبنان بهذا المسمى، كان جميلًا حسن الوجه يحمل براءة الأطفال وإلى جانبها الكثير من الذكاء غير المعتاد لدى الأطفال.

مرت السنوات وهو يكبر بشكل ملفت للنظر، والناس الذين يرون الأطفال يكبرون بهذا الشكل  يحكمون عليهم بالموت من أول نظرة، فحينما يقارنون بين شكله وعمره مباشرة يقال عليه: إنه ابن الجنة، وهذا القول معناه أنه  سوف يلقى حتفه عما قريب لا محالة.

وهذا الكلام يثير في والدته الشكوك والمخاوف فهي تخشي أن يراه الناس ويصفونه بهذا الوصف، فتجدها تضيف إلى عمره عمرًا فمن يسألها عن سنه تضيف عامًا أو عامين على ذلك هروبًا من أعين الناس لا أكثر.
إنه طفل عنيدٌ للغاية يحب الخروج من المنزل كثيرًا أو قل هو لا يحب المكوث فيه على الإطلاق.
كان ذلك اليوم مختلفًا عن غيره  من الأيام طقسه جميل ومثيرٌ للرغبة في الخروج، لقد أخذت الشمس حرارتها عن هذا الوجود لتدع مجالاً للظل أن يقوم بما يريد فعله، وهو الآخر أحب أن تكون الأرض من تحته هادئة ووارفة الظلال؛ كي ينعم الناس بعيش هنيء.

خرج ذلك الجميل إلى خارج المنزل داعيًا أصدقاءه ليشاركوه تلك اللعبة التي اعتادوا لعبها كل يومٍ، والذي اعتاد فيها أن يكون الفائز دون غيره.
بدأ سير اللعب يمضي على مايرام وبدأ الحماس يشتد ويزداد بين الأطفال، وكان الجري هو الحكم الفصل الذي سيظهر البطل من هؤلاء الأطفال ويغيب البقية.

ولأنه عنيدٌ للغاية أخذ يجري بغير تأن ودون التفات إلى الخلف كيف لا وهو البطل الكبير في وجهة نظر الذين من حوله وهو الشجاع في وجهة نظر ذاته هو.

كان يجري ويحدث ذاته أنه هو الفائز دون غيره، والسيل الآتي من المنطقة المجاورة كان قد داهم المكان ذاك ليلتقفه ويضعه أسيرًا في  خضم ذلك الغضب الذي  تتسم  به السيول هذه الأيام.
لقد أصبح فائزًا ولكن من الناحية  الأخرى لم يفز باللعبة  هذه المرة، لكنه فاز بالجنة التي ظل الناس يقسمون أنه من أبنائها وليس من أبناء هذه الدنيا الفانية.

ترى أي قلب تحمل هذه السيول الغاضبة؟!، إنها  تغيب عنا أناسًا لم يستحقوا ذاك الغياب الأبدي وتفني دورًا ماكاد أهلها أن يقيموا بها فترة من الزمن، إنها الوجه الآخر للحرب، فتلك تهدم بيوتًا وهذه تعمل العمل ذاته، وتلك تقتل الأبرياء دون  رحمة وتنهب ما يمتلكون  وهذه  تعمل  هذا العمل وبعجالة شديدة.

الحرب تزيد من فقر الفقراء وقد تغني الكثير على حساب الأبرياء وهذه تفقر الفقير والغني عندما تأخذ عنهم كل مايملكون بلحظة وضحاها، وإن ضحاياها لكثيرن جدًا، نسأل الله لهم العافية.
المقال خاص بموقع المهرية نت 

المزيد من إفتخار عبده