آخر الأخبار

التنويري المغيَّب د جعفر الظفاري الذي رأى اليمن كما لم يره غيره !!

الأحد, 23 أغسطس, 2020

(1)
في تموز/ يوليو 2009 توفي  في عدن واحد من أهم أعلام التنوير المغيَّبين  في اليمن  هو الأستاذ الدكتور جعفر عبده صالح الظفاري ( جعفر الظفاري) ، بعد أن قضى خمسين عاماً يفتش عن اليمن المطمور في بطون الكتب ، ويطوِّر في مناهج التعليم والبحث والعلمي ، حتى يجعل الآخرين  يبصرون  اليمن المختلف   غير ذلك الذي تحول الى صورة  إعلامية منمطة  في وعي أبنائه، لهذا صار" اليمن يخالطه، حتى لا يجد سوى الشعور بأنه بسكونه فيه قد أقام نفسه في مقامها وليس في مضيعة، وإن لم ينل ما هو حقيق به مما لا يستهويه أصلاً" كما فال كريم الحنكي والذي أضاف أيضاً:
"من أبناء عدن التي ولد فيها تجسيداً لروح اليمن بجل مكوناتها الرئيسة التي صاغته من أب ظفاري، زيدي المذهب، قدم من صهبان في مرتفعات اليمن الوسطى، وأم تهامية، شافعية المذهب، قدم والدها من حيس في سهول اليمن الغربية، إلى عدن، حيث انعقدت حياتهما، وأثمرت: جعفر عبده صالح الظفاري الذي اتصل مقامه فيها طوال سني التشكل الأساس، فتدخلت فيه بكل مافي بيئتها وأحوالها آوانئذٍ من عوامل التأثير الثقافي في ذوي النجابة من ناشئتها، ليعتضد بذلك الموروث والمكتسب، في التهيئة لإعداد أحد أجل علماء اليمن المعاصرين، وأول من جسد في ثقافتها الحديثة معنى «الأكاديمية» ومبناها، نظرياً ونظراً، فيما قال، وماخط وما فعل." -  ينظر صحيفة الجمهورية 20 - 12 - 2006. 

تقول تراجم سيرته أنه من مواليد عدن في العام 1936 حيث درس في مدارسها الابتدائية والمتوسطة والثانوية وحصوله على الثقافة العامة  عن ثمانية موضوعات في جلسة واحدة،  ليتحصل بعدها على منحة دراسية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت في العام 1956، وبدأبه وعلمه الغزير  حاز على البكالوريوس في الأدب العربي  إلى جانب دبلوم في التربية , وحين عاد  إلى عدن مطلع الستينيات عمل مدرساً في المدرسة الثانوية الحكومية لمادتي الأدب العربي والدين الإسلامي   ، بعدها  بقليل تحصل على منحة  إلى معهد الدراسات الشرقية والإفريقية في  جامعة لندن لدارسة الماجستير، غير أن المشرف على رسالته وبعد قراءة خطته  العلمية ، تم ترفيعها الى مساق الدكتوراه ، التي أنجزها بالإنكليزية  الرفيعة ، وموضوعها كان عن (الشعر الحميني في اليمن) ، وحين عاد الى عدن في العام1966 عمل ضابط معارف للنشر في وزارة المعارف الإتحادية .

سافر إلى القاهرة للتدريب  في مجال التوثيق التربوي في العام 1968، ليعمل  بعد عودته مديراً للتوثيق التربوي في وزارة التربية والتعليم  في بداية تكوينها بعد الاستقلال.  وحين تأسست ، مطلع السبعينيات،  كلية التربية العليا كنواة لجامعة عدن صار عميد لها بالوكالة  ، وبعد اشهار الجامعة  في العام 1975 صار نائباً لرئيس الجامعة  للشئون الأكاديمية حتى العام   1982 ، حين تقدم لاختبارات مفاضلة عربية  للعمل في لليونيسكو ، وبعد نجاحه عمل  خبيراً لمادتي الأدب العربي والدين الإسلامي في (مدارس الأونروا)  للاجئين الفلسطينيين  في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين حتى العام 1985 .

عاد إلى جامعة عدن من جديد ، وساهم في تأسيس (مركز  البحوث الدراسات  اليمنية) في الجامعة ، وقد ترأسه حتى وفاته ، وعن هذا المركز صدرت (مجلة اليمن) المحكمة التي رأس تحريرها من عددها الأول الذي صدر  في  العام 1988  حتى وفاته أيضاً، وبعد وفاته سُمَّي المركز باسمه وصار يعرف بـ (مركز الظفاري للبحوث والدراسات اليمنية).

(2)

لا يُستدل على الظفاري عند عشرات القراء ، وأنا واحد منهم ،الاَّ من خلال كتابين يتيمين الأول صدر قبل وفاته بقليل والثاني جُمِّع وصدر بعيد وفاته بخمسة أعوام ، ومحتوى الكتابين في الأصل قليل من انصرافات الراحل العلمية والبحثية التي ابتدأت مطلع الستينيات ، ولم تتوقف الامع توقف قلبه بعد ثلاث وسبعين سنة في مدينة عدن ،التي ولد وعاش فيها. 

الكتاب الثاني المعنون بـ" الشعر الحميني في اليمن" هو في الأصل ما قام بترجمته ، بعد إلحاح شديد من طلابه وزملائه من، رسالة الدكتوراه التي تقدم بها لجامعة لندن في العام 1966 باللغة الانكليزية ونشرها في أعداد منفصلة من مجلة اليمن التي تصدر عن مركز الدراسات اليمنية بجامعة عدن ـ اللذان كان يرأسهما منذ التأسيس في 1986حتى وفاته في 2009، وساهم الدكتور( أحمد علي الهمداني)  بجهد واضح ورصين في تحريره وإصداره في العام 2014 بمدخل هو أقرب الى مقتربات لسيرة المؤلف بالإضافة الى مقدمة مكمِّلة .
يقول  عبد الباري طاهر عن هذه الرسالة  "هي أول بحث علمي في هذا اللون من الشعر في اليمن الذي أسس للأغنية اليمنية والذائقة الشعرية والإبداعية الرفيعة" – ينظر صحيفة الأيام  19 ديسمبر 2018  
 أما المنشور في هذا الكتاب هو أربعة أبحاث  تشكل تقريباً الجزء الأهم من رسالة الدكتوراه التي تعد أول رسالة بهذا الإتجاه ،وفتحت تالياً الباب واسعاً أمام الدراسات التي اتخذت من الشعر الحميني موضوعاتها العلمية . وهذه الأبحاث على التوالي " الشعر الحميني في اليمن ـ وقفة حول المصطلح " وهو ذات الموضوع الذي صار المقدمة الأهم في كتاب القلائد الحكمية "تاريخ الشعر الحميني في اليمن " و"بحور الشعر الحميني في الدواوين اليمنية" و" شعر الموشح العربي في الديار اليمنية" هي الأبحاث المكملة في الكتاب، الذي صدر عن جامعة عدن في العام 2006.  

أما الكتاب الأول وعنوانه " عرف الخُزامى" صدر في العام 2008 ومكوَّن من دراستين شديدتي الخصوصية والخطورة معاً الأولى عنوانها " عقدة اللون الأسود ومسألة الوجود الفارسي في اليمن بعد الإسلام"، وكان قد نشرها المؤلف في مجلة (الثقافة الجديدة) في عدن في عددها الثالث من السنة الثالثة مارس 1974، وفي هذه الدراسة طرَق المؤلف مالم يُطرق من قبل من دارسي التاريخ وباحثيه، وفيها ، حسب مدخل الدراسة، ربط حرب الردة ـ التي دارت رحاها في اليمن ـ بالوجود الفارسي في هذه المنطقة ، وأظهرت طبيعة هذه الردة كما تتبدى في نصوص مستقاة من الطبري وابن الديبع وغيرهما من المؤرخين، وهي في طبيعتها انتفاضة شعبية ضد استبداد المركز القرشي في مكة وليس ارتداداً عن الدين كما حاولت تسويقه القراءات التاريخية المدرسية والأيديولوجية . 

 تتبعه التاريخي لحضور الكيان "الأبناوي" في المنطقة اليمنية في ظل الإسلام ، وتصوير ما جرى لهذا المجتمع الغريب من أحداث وخطوب ، وفي مقدمها طردهم من صنعاء ، وعودتهم إليها في سياق تحالفات سياسية جديدة ضمنت لرموزه أن يصيروا جزءا فاعلا في بنية الحكم حتى الآن. 
تأكيده إلى أن (النظم الشعوبي)  في الأدب العربي لم يبدأ الا في حدود المنطقة اليمنية، لتوافر بواعثه ودواعيه منذ مطلع القرن السابع الميلادي ، قبل أن يظهر في العراق وجغرافيته القريبة بعشرات السنين. وأخيراً تفسير المعالم الأساسية في سيرة سيف بن ذي يزن على أنها انعكاس لواقع نفسي أسهمت في تعميقه الشعوبية الفارسية والعرقية العربية. 

الدراسة الثانية والمعنونة  بـ " نشر عرف الخُزامى بذكر هجرة الصحابة الى الحبشة في أرض تهامة" ونشرت أول مرة في العدد17 مايو 2003 في مجلة اليمن التي يصدرها مركز البحوث في جامعة عدن، وفيها يصل الى استنتاجات ،بعد تأليفه بين أقوال متنافرة وتنقيتها مما يشتم فيها من عصبية أو هوى أو يدخل في باب الأوهام والخرافات، بأن الهجرة كانت إلى أرض الحبشة في تهامة ،وحسب قوله أن من الهذيان العلمي الذهاب إلى أن الصحابة وصلوا أكسوم واستقروا فيها ، وحاوروا النجاشي الأعظم بلسان عربي مبين. 

عن هذا الكتاب  وجرأته العلمية قال يقول الدكتور مسعود عمشوش:  "وقد بدا لنا أن من أوضح ميزات هذا الخطاب وأجلاها على الإطلاق: الجرأة في تناول موضوعات تاريخية في غاية الأهمية والحساسية. ولاشك أن كثيرا ممن عرفوا الظفاري عن قرب قد لمسوا تلك الجرأة التي يتميز بها في جوانب عدة من شخصيته. فهو العالم الذي رفع شعار (لا تقف على ما ليس لك به علم) وتوسم في نفسه المقدرة على التمعن في موضوعات هي في الحقيقة  أمور يمر بها كتاب العربية دون أدنى تمعن". -  ينظر مأرب برس 20 يوليو 2010. 

وغير هذين الكتابين يمكن اعتبار كتاب التابين ( وحده يحيا الظفاري) الذي صدر عنه بعد وفاته مؤلفا ناقصاً له لاحتوائه على بعض من نتاجاته المنشورة في مجلة الثقافة الجديدة تحت عنوان " الحركات الشعبية في اليمن" وصحيفة 14 اكتوبر تحت مسمى "كشكول اليمن" ، ولم يحتويها قبلاً أي إصدار مطبوع، وهي مواد في انصرافها العام تضاف الى الحقل الفكري والتاريخي الذي أنغمس فيه الراحل الكبير لعقود طويلة. 

(3) 
"لم يكن الظفاري من أبناء الذوات، ولم يخلق وفي فمه ملعقة من ذهب، وإنما كان ابن أسرة طيبة ومجاهدة في حياتها اليومية  تعيش الكفاف . لكن الظفاري  بما عمله  وقدَّمه أدخل اسم العائلة  ولقبها في التاريخ من أبوابه الواسعة. كان موسوعة  المعارف العلمية  في تاريخ اليمن واليمنيين في عصوره المختلفة  القريبة والبعيدة على السواء" كما قال الدكتور احمد الهمداني في كتاب تصديره لكتاب الراحل " الشعر الحميني في اليمن".

المقال خاص بموقع المهرية نت 

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023