آخر الأخبار

هل يقف المجلس الرئاسي مع المهرة ضد خطر المليشيات؟

الأحد, 09 فبراير, 2025

لطالما كانت محافظة المهرة، بأصالتها وقيمها المجتمعية المتماسكة، نموذجاً فريداً للسلم الأهلي في وطن تتنازعه الحروب والصراعات. 


هذه المحافظة، التي حافظت على تماسك نسيجها الاجتماعي بعيداً عن أتون الفوضى والاحتراب، تحولت خلال العقد الماضي إلى ملاذ آمن لليمنيين الفارين من جحيم الحرب وويلاتها. 


فقد فتحت المهرة ذراعيها الدافئتين لاستقبال كل اليمنيين من مختلف المحافظات، مؤكدة أن روح الانتماء الوطني تتجاوز حدود الجغرافيا والانقسامات السياسية والطائفية، في وقت كانت فيه مناطق كثيرة تغرق في دوامة العنف والانقسام.


لكن اليوم، تشهد المهرة تطورات ميدانية متسارعة تُنذر بخلخلة هذا الاستقرار، مع وصول قوات درع الوطن إلى المحافظة. 
هذا التطور يثير تساؤلات عميقة حول نوايا الجهات التي تقف خلف هذه التحركات العسكرية، والتي تمثل استهدافاً مباشراً للسلم الأهلي في محافظة لطالما كانت رمزاً للتعايش المجتمعي والوحدة الوطنية. 


فهل الهدف هو تعزيز الأمن والاستقرار، أم دفع المهرة إلى مربع الصراعات التي مزقت أوصال محافظات أخرى؟


مصادر محلية أكدت أن هذه القوات قدمت إلى المحافظة بإشراف مباشر من القوات المشتركة، التي تسهم بشكل كبير في تمويل وتدريب هذه الوحدات العسكرية المدججة بآليات مدرعة ومعدات لوجستية متطورة. 


في هذا السياق المعقد، تقف السلطة المحلية في المهرة أمام تحدٍ كبير في مواجهة هذه المخاطر التي تهدد السلم الأهلي، وسط تحذيرات من خطورة الدفع بالمحافظة إلى صراعات طائفية ومناطقية تمزق نسيجها الاجتماعي المتماسك. 


فأبناء المهرة يرفضون جملةً وتفصيلاً هذه المحاولات التي تهدف لتحويل محافظتهم إلى ساحة لصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل، مؤكدين تمسكهم بخيار السلم والحوار كسبيل وحيد لحل الخلافات.


وهنا يبرز دور لجنة الاعتصام السلمي في المهرة، والتي تصدت خلال السنوات الماضية لكل المخططات الرامية إلى زعزعة استقرار المحافظة. 


فقد جنّبت عبر نضال سلمي وحراك جماهيري واسع، المهرة من الانزلاق إلى مربع العنف، وشكلت صوتاً حقيقياً للإرادة المجتمعية لكافة المهريين. 


لكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه اليوم: ما هو موقف المجلس الرئاسي من هذه التطورات؟


فالمجلس الرئاسي يتحمل مسؤولية وطنية جسيمة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ اليمن، ويواجه اختباراً حقيقياً في مدى قدرته على توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية تحت مظلة وطنية جامعة. 


فهذه المهمة لم تعد خياراً ترفياً، بل ضرورة ملحة لمواجهة حالة الملشنة التي تقوض أسس الدولة وتهدد السلم الاجتماعي ليس في المهرة وحدها، بل في اليمن بأسره. 


إن محاولات عسكرة المهرة ونقل الفوضى إليها، تعد بمثابة استسلام من المجلس الرئاسي للمليشيات التي يكتوي بنارها في العاصمة المؤقتة عدن.


فهل سيتمكن المجلس من التخلص من حالة الانقسام التي تعصف بقراراته، ويتجه بجدية نحو وقف حالة الملشنة التي تتمدد في الجغرافيا اليمنية يوماً بعد يوم؟ أم أنه أصبح، بشكل أو بآخر، متعهداً رسمياً لهذه المليشيات، ووكيلًا حصرياً للعابثين بأمن اليمن واستقراره من وراء الحدود؟. 


إن محافظة المهرة، برصيدها التاريخي في التعايش السلمي ورفض العنف، تنتظر تحوّلاً حقيقياً في موقف المجلس الرئاسي قبل أن تتحول من واحة سلام إلى ساحة صراع جديدة. 


فالحفاظ على استقرار المهرة ليس مسؤولية أبناء المحافظة وحدهم، بل هو واجب وطني يقع على عاتق الجميع، بدءاً من المجلس الرئاسي وصولاً إلى كل القوى السياسية والاجتماعية التي تدرك خطورة الانزلاق إلى مستنقع العنف والفوضى.


إن مستقبل المهرة اليوم يقف على مفترق طرق: إما أن تستمر في كونها نموذجاً يحتذى به للسلم الأهلي والتعايش، أو تسقط في فخ الصراعات التي لا تبقي ولا تذر. 


وفي كلا الحالين، سيُذكر موقف المجلس الرئاسي إما كعامل استقرار أو كمتسبب في انهيار آخر قلاع السلم الأهلي في اليمن.

المزيد من خالد عقلان