آخر الأخبار
ماذا بعد مذكرة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو
في لحظة فارقة وتاريخية، وبعد مرور أربعمائة وأثنا عشر يوما من جرائم الإبادة الجماعية في غزة أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة أودت بحياة نحو أربعة وأربعين ألف شهيد وأكثر من مائة وعشرين ألف مصاب ومفقود جلهم من الأطفال والنساء.
قرار المحكمة بمثابة اختبار هو الاصعب لمصداقية دول غربية طالما أدمنت الحديث حول حقوق الإنسان والقانون الدولي، فإما أن تحترم تلك الدول القرار وتفرض تطبيقه، أو تواصل الدعم والتستر على الجرائم الإسرائيلية، مما يهدد مصداقية النظام القانوني العالمي برمته.
إلا أن ردود الأفعال الأولية من الاتحاد الأوربي ودول عدة في الاتحاد كانت إيجابية وصرحت باحترامها لقرار المحكمة إذ أكد
الممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل بأن تنفيذ مذكرات الاعتقال ليس شأنًا سياسيًا، بل واجب قانوني، وكذلك شددت كل من بلجيكا وفرنسا وهولندا على التزامها بتنفيذ القرار، في يعد بمثابة تحول لافت في المواقف الرسمية الأوروبية.
قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت بمثابة طوقان قانوني وسيشكل ضغطا كبيرا على الحكومات الغربية ويفتح الباب على مصراعيه لمذكرات اعتقال سرية تطال مئات الضباط الإسرائيليين الذين شاركوا في جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
وما يعزز ذلك هو حادثة هروب ضابط الإسرائيلي قبل أيام من قبرص خشية المطاردة القانونية التي ستتسع دائرتها بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو، مما يمهد لطوفان من المحاكمات ضد القيادات والجنود وضابط الاستخبارات الإسرائيليين المتورطين في حرب غزة.
كل ذلك دفع كل قيادات الكيان الغاصب إلى حالة من الهستريا والجنون ووصف المحكمة الجنائية بأقذع الاوصاف ومعاداة السامية الامر الذي يكشف هشاشة الاحتلال ورعب قيادته من الملاحقة القانونية فقد وصف الرئيس الإسرائيلي القرار بأنه يوم أسود في تاريخ العدالة، بينما علق الوزير المتطرف بن غفير بأن الرد على أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت هو احتلال وفرض السيادة الكاملة على الضفة الغربية وقطع العلاقات مع السلطة الإرهابية حسب وصفه.
ولعل التحول الأكبر منذ نشأة الكيان الغاصب هو موقف بابا الفاتيكان الذي دعا المجتمع الدولي إلى التحقيق فيما إذا كانت الجرائم الإسرائيلية تشكل إبادة جماعية، مؤكدا ضرورة دراسة الأمر وفقا للقوانين الدولية وهذه الدعوة تزامنت مع انتقادات واسعة لفشل مجلس الامن في وقف المجازر، جراء الفيتو الأمريكي الذي استخدم خمس مرات لعرقلة وقف إطلاق النار في غزة.
هكذا إذا شكل قرار المحكمة الجنائية الدولية تحولا غير مسبوق في مواجهة الجرائم ضد الإنسانية، ويضع النظام العالمي أمام تساؤلات جوهرية حول مصير العدالة الدولية في ظل صراع بين قيم القانون الدولي وهيمنة أمريكا على القرار الدولي، ليصبح العالم أمام منعطف حاسم يحدد فيه مستقبل السلام في الشرق الأوسط والنظام العالمي برمته.