آخر الأخبار
عن أحداث تعز واللواء 35 ومخططات الإمارات
مع أن مدينة تعز مشلولة منذ سنوات بفعل حرب الحوثين وحصارهم لها ، وبالكاد يمكننا تسمية الجزء المتعافي منها "مدينة" دون المجازفة أو التورط في تضليل القارئ الغريب عنها - هذا إذا لم نكن قد تورطنا مسبقا بالحديث عن جزء متعاف - ، فإن هذه المدينة السيئة الحظ تبدو مكشوفة لمزيد من البتر والانكماش بفعل "المطابنة" والنزق المستحكم بجزء كبير من نخبتها العسكرية والسياسية.
الرقعة التي كلفت تعز حتى الآن ما يقرب من ستة آلاف شهيد وخمسة عشر ألف جريح تعيش تحت تهديد المصادرة من جديد ، وتظهر هذه التضحيات في مهب الريح مع ما يشهده الجزء المحرر من جنوب المحافظة من حركة متقدمة في سعي الإمارات لإلحاق المحافظة بمناطق نفوذها من خلال وكيلها المرابط في المخا ، وقبل ذلك من خلال شبكة تحالفات أخذت تتسع داخل الرقعة المحررة من تعز في السنوات الأخيرة.
ما إن شرعت الإمارات في تحريك (ذنَب إبليس) داخل تعز قبل سنوات، حتى تهاوى الوفاق السياسي الذي تشكل ، ظاهريا ، بداية الحرب في سبيل التصدي للسيطرة الحوثية، فظهر وكأن هذا الوفاق إنما تم بمصادفة قدرية ولم يكن قرارا مسؤولا حتمته شرعية الأحزاب نفسها قبل شرعية الحكومة ؛ وظهرت آثار الجهود الإماراتية جلية في حالة الاستقطاب بين حزبي الإصلاح والناصري حيث انخرط الجانبين في حرب إعلامية كان يتم فيها تحويل كل ما يطرأ على المدينة ، بغض النظر عن أهميته أو تفاهته، إلى مناسبة للتراشق وتبادل التهم .
المكايدات كانت على الدوام سمة أساسية في نشاط المكونات السياسية داخل تعز ، والذي يجعل الأمر خطيرا حاليا هو ظرف الحرب وامتلاك الأطراف للأدوات العسكرية ، والأهم من ذلك وجود طرف إقليمي وضع نصب عينيه تفكيك النسيج الاجتماعي للبلد والقضاء على قواه الحية بالحرب أو الاسترزاق .
حملة الرفض التي قوبل بها القرار الرئاسي بتعيين أحد عمداء الجيش الوطني في تعز كخلف للشهيد الحمادي في قيادة اللواء 35 مدرع ، والتي تصدرها ناصريون خلال الأسابيع الفائتة، ومن خلفهم شبكة الإمارات في المحافظة ، تكشف عن مستوى متقدم جدا من تحلل المجتمع السياسي الموالي للشرعية في تعز ، وتعكس إلى أي مدى باتت المدينة المحاصرة مرشحة للانضغاط أكثر وراء خطوط قتالية جديدة خلف تلك الخطوط التي رسمتها المواجهة القديمة مع الحوثي . لا يبالي الناصري ، وهو الذي سعد بإيجاد راع إقليمي ، بمبادئه كحزب وطني ، ولا يمانع الانسلاخ عن دوره الأساسي كأحد الأحزاب التي تحظى بتمثيل داخل الحكومة الشرعية وممارسة أدوار موازية مناقضة للأولى كل المناقضة ، يشجعه في ذلك ضعف السلطة الشرعية التي لا تبخل بشرعيتها ومناصبها على أحد حتى أولئك الذي يخططون بوضوح للانقلاب عليها كما حدث مع قادة الانتقالي في السابق .
اللواء 35 مدرع كان دائما محط آمال الناصري في بناء ذراع عسكري داخل الجيش الوطني ، وظل ذلك المسعى ، رغم خطورته ، قابلا للتغاضي بمنطق اللحظة التي احتاجت فيها تعز إلى الاحتشاد لصد العدوان الحوثي والدفاع عن الجمهورية ، لكن الأمر الذي خرج عن أي تبرير هو محاولة الحزب ربط اللواء بجهة خارجية تكشفت مساعيها الاستعمارية على الملأ ، وتفوقت مؤخرا حتى على الحوثيين فيما يخص تقويض الشرعية .
مصير اللواء الخامس والثلاثين مدرع سيحدد مصير مدينة تعز في الفترة المقبلة ، كما حدده قبل أكثر من خمس سنوات حين شكل أول جبهة للمقاومة الوليدة في المدينة ، والأيام المقبلة ستكشف إذا كان هذا اللواء سيستقبل قائده الجديد ويستأنف ذلك الدور البطولي الذي كان له قبل رحيل الحمادي ، أم أنه سيستجيب لأحلام الحزب الناصري ويصبح القبضة التي ستسعى الإمارات لكي تخنق بها المدينة التي لا تبتعد عن الخطر .
المقال خاص بموقع المهرية نت