آخر الأخبار
عدن على صفيح ساخن...تظاهرات النساء تعكس عمق الأزمة وتجاهل معاناة المواطنين

لافتة رفعتها النساء تطالب بتوفير. الخدمات للمواطن
الثلاثاء, 13 مايو, 2025 - 01:04 صباحاً
شهدت العاصمة المؤقتة عدن حراكًا شعبيًا متصاعدًا، تزامن مع تدهور ملحوظ في الخدمات الأساسية وانهيار العملة المحلية، وسط غياب ملحوظ للسلطات المحلية والمركزية.
وأحكم المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرته على مفاصل الأمن والاقتصاد في المدينة، مما أدى إلى تفاقم الفساد الإداري وصراعات النفوذ داخل المؤسسات الحكومية، مما أثقل كاهل المواطنين.
وخرجت مئات النساء في تظاهرة حاشدة بساحة العروض في عدن، بالتزامن مع عيد الأم، للتعبير عن الغضب الشعبي المتزايد.
ورفعت المتظاهرات أصواتهن للمطالبة بتوفير الكهرباء والمياه والرواتب، والاحتجاج على الأوضاع المعيشية المتدهورة.
في المقابل، واجهت هذه الاحتجاجات تهديدات من سلطة المجلس الانتقالي، الذي يفرض سيطرته الأمنية على المدينة، مما أضفى على المشهد تحديًا وصمودًا نسويًا.
وإلى جانب ذلك، تفاقمت أزمة انقطاع الكهرباء، في ظل تصاعد الخلافات بين الأطراف داخل الحكومة، مما أثر سلبًا على الخدمات الحيوية مثل توزيع المياه والمساعدات الإنسانية والخدمات الطبية.
ولفت متابعون إلى أن هذا التدهور ليس مجرد نتيجة للعجز الإداري، بل هو نتاج لصراع نفوذ داخل مؤسسات الدولة، مما يجعل الخدمات ورقة مساومة سياسية.
وعلى صعيد متصل، أدى غياب التنسيق بين مراكز القرار وتعدد السلطات على الأرض إلى تآكل ثقة المواطنين بمؤسسات الحكم وتعميق معاناتهم اليومية.
وتبادلت الأطراف المتنازعة الاتهامات، وسعت لتحقيق مكاسب خاصة على حساب أمن وكرامة المواطنين.
وتمثل التظاهرة الاحتجاجية للنساء في ساحة العروض بمديرية خور مكسر تطورًا لافتًا، حيث عبرت المشاركات عن سخطهن من تردي الأوضاع المعيشية.
وطالبت المتظاهرات بتوفير الكهرباء والمياه، وصرف الرواتب، واستقرار العملة، وضمان استمرار العملية التعليمية.
ووفقًا لمصادر محلية، تعرضت بعض المشاركات لتهديدات من قبل جهات أمنية تابعة للمجلس الانتقالي، في محاولة لقمع صوت الشارع النسوي.
انهيار الخدمات وغياب الدولة
الاحتجاج النسوي، الذي وُصف بأنه الأبرز من نوعه منذ أشهر، سلّط الضوء على مدى الاستياء الشعبي المتزايد من أداء الحكومة الشرعية وسلطات الأمر الواقع ممثلة بالمجلس الانتقالي، اللذين تبادلا الأدوار في تجاهل معاناة الناس والتقاعس عن وضع حلول جذرية للأزمات المتراكمة.
وتأتي هذه التظاهرة في سياق أزمة اقتصادية خانقة، تتجلى في الانهيار المتسارع للريال اليمني، وارتفاع الأسعار، وتوقف صرف الرواتب، ما يفاقم من هشاشة الوضع الإنساني ويزيد من احتمالات الانفجار الشعبي.
ويرى مراقبون أن هذه الاحتجاجات تمثل جرس إنذار مبكر لموجة غضب قادمة، قد تتسع رقعتها في حال استمرت الجهات الحاكمة في تجاهل مطالب الشارع، خاصة ما يتعلق بأزمة الكهرباء المزمنة، التي تحوّلت إلى عنوان دائم لمعاناة سكان عدن.
في تصريح يعكس حجم السخط الشعبي، أكدت الناشطة العدنية وإحدى المشاركات في الاحتجاج هاجر إبراهيم لموقع "المهرية نت" أن ما دفع النساء إلى التظاهر هو "الظروف المعيشية القاسية التي باتت تعصف بالجميع في عدن، رجالًا ونساءً وأطفالًا"، مضيفة "خرجنا لنقول للعالم أن حكومتنا فشلت في توفير أقل مقومات للحياة، وتركت المواطن يقع تحت رحمة مليشيات تتلقى تمويلا من أبوظبي, بينما المواطن العدني لا يجد تيار كهربائي".
وأشارت إلى أن راتب الموظف الحكومي لم يعد يتجاوز 150 ريالًا سعوديًا، وهو مبلغ لا يكاد يغطي الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية، في ظل الانهيار المستمر للعملة الوطنية. وأضافت: "الوضع بلغ حداً لا يُطاق، ولا يوجد أي تحرك من الجهات المسؤولة لإنقاذ المواطنين من المجاعة والفقر المدقع، وهذا ما دفعنا إلى الخروج إلى الشارع".
وانتقدت إبراهيم قمع المجلس الانتقالي للمتظاهرين، واصفة إياه بـ"سلطة الأمر الواقع المدعومة إماراتيًا، التي تمارس الاعتقالات والإخفاء القسري بحق الأصوات الحرة"، مؤكدة أن النساء خرجن بعدما "طفح الكيل"، بسبب الغياب الكامل لمؤسسات الدولة وتواطؤها مع هذا الواقع لصالح فساد المجلس الانتقالي.
وأكدت الناشطة أن "النساء لن يصمتن، فهن نصف المجتمع، بل المجتمع كله"، مشددة على أن مشاركتهن في النضال ليست ترفًا، بل مسؤولية جماعية لانتزاع الحقوق وصناعة مستقبل أفضل للأجيال القادمة. وطرحت تساؤلًا موجعًا عن مصير ثروات البلاد المنهوبة: "من ينهبها بينما نموت نحن ببطء؟"، في إشارة إلى غياب العدالة وتكريس سياسات الإقصاء والتجويع.
شراكة تنهار فوق أكتاف للمواطنين
يتزايد الاتهام في أوساط المحتجين والمراقبين بأن أزمة الكهرباء في عدن لم تعد مجرد خلل في الإدارة أو نقص في الموارد، بل باتت أزمة ممنهجة تُدار من خلف الستار من قبل أطراف نافذة، على رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي وبعض المتورطين في الحكومة الشرعية، بهدف تحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب معاناة المواطنين.
وفي هذا السياق، يقول الصحفي مصعب عفيف لموقع "المهرية نت" إن عدن، منذ تحريرها، لم تخرج من دوامة الاحتجاجات المتكررة، نتيجة انعدام الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والتعليم والرعاية الصحية، مشيرًا إلى أن الاحتجاجات النسوية الأخيرة ليست إلا امتدادًا لغضب تراكمي.
وأضاف: "أبناء عدن ينتظرون موقفًا واضحًا من الحكومة والمجلس الانتقالي، لكن حتى احتياجاتهم اليومية تُواجَه بالعنف من قوات المجلس، في وقت يعجز فيه عن تقديم أي حلول حقيقية".
وأشار عفيف إلى أن المجلس الانتقالي، الذي يسيطر فعليًا على مؤسسات الدولة في عدن، أدخل شركات كهرباء خاصة دون تنسيق مع وزارة الكهرباء، في خطوة اعتبرها دليلاً على "فوضى منظمة" ترتبط بمصالح شخصية ونافذين داخل السلطة.
وأضاف أن هذه الشركات تبيع الكهرباء بأسعار مرتفعة، محولة خدمة أساسية إلى سلعة يتحكم بها قلة من المتنفذين، عبر عقود غير شفافة وخارج إطار مؤسسات الدولة، ما يعزز فرضية وجود "إدارة ظل" تمارس السلطة فعليًا من وراء الستار".
وأكد عفيف أن ما يجري هو تقاسم منظم للنفوذ والمصالح بين أطراف محلية، في غياب كامل للحكومة التي تقف عاجزة عن التدخل أو المساءلة، رغم كون المجلس الانتقالي شريكًا رسميًا في تشكيلتها. واعتبر أن ما يحدث في عدن ليس سوى انعكاس لانهيار مفهوم الدولة، وتحول السلطة إلى أداة للابتزاز السياسي، حيث أصبحت معاناة الناس مجرد ورقة تفاوضية في صراع مراكز النفوذ والثرى الغير شرعي.
وختم بالقول إن "سلطة الأمر الواقع، المتمثلة بالمجلس الانتقالي والقوى الأمنية التابعة له، تتحمل المسؤولية الكاملة عمّا آلت إليه الأوضاع في عدن"، داعيًا كل من يمسك بزمام السلطة إلى وضع مصلحة الناس فوق الحسابات الفئوية والجماعية".
